ثقافة ومنوعات

كيف تُصبح صبورًا وفق علم النفس؟

كيف تُصبح صبورًا وفق علم النفس؟ 

 روزيت الفار-عمّان

نفاذُ الصبر، هو بأبسط تعريفاته، حالة عدم القدرة على التّحمّل والحماسة الزائدة أو الشّغف الّذي لا يهدأ نحو القيام بعمل معيّن أو الذّهاب لمكان ما. وأمّا سببه الرّئيسي فهو عدم الحصول على نتائج تطابق التّوقّعات.

نعلم أنّ الدّماغ هو المُوجّه الرّئيسي لجميع وظائف الجسم وتحرّكاته؛ ومنها حالة فقدان الصّبر. فلا بدّ من تدخّل ما يثير ذلك الدّماغ ويجعله يتصرّف بهذه الصّورة الانفعاليّة. فنفاذ الصّبر يأتي بالعادة كنتيجة لمؤثّرات أهمّها:

1. داخليّة خاصّة بالشّخص، كمدى استعداده النّفسي لتقبّل أو رفض الأحداث المفاجِئة أو كما تأتي. وكذلك طبيعة توجّهاته ومواقفه في الحياة. فكثيرون يغيظهم نجاح الآخرين، وهناك مَن يثيرهم السّلوك المخالف لعاداتهم أو حتّى الاستماع لأشخاص معيّنين. الوضع النّفسي للشّخص في لحظة التّعرّض للموقف، ما إن كان هادئاً أو قلِقاً. للحالة الصّحيّة ولعدم اشباع حاجات الجسم البيولوجيّة مساهمة كبيرة في تحفيز الظّاهرة وتفاقمها كالجوع والعطش والتّعب أو المرض فمرضى السّكري مثلاً سريعو الانفعال. تُنصح المرأة بعدم طلب أيّ أمر من زوجها أو الزّوج من زوجته أو بحث أي قضيّة حسّاسة إن كانا جائعين.

2. متعلّقة بأشخاصٍ آخرين. فتأخّرهم عن إتمام مهامّهم أو تصرفهم بشكل استفزازي سواء بالكلام أو بالإيماءات وما إلى ذلك.

3. ضغط الوقت وظروف بيئة العمل وطبيعته حيث يُطلب منك أحياناً أن تقوم بعدد كبير من المهام بوقت محدود. أو كأن تعمل بمكان لا تتوفّر فيه الشّروط المناسبة للعمل أو يقتصر عملك على تنفيذ أعمال روتينيّة مُمِلّة دون تحقيق نتائج ملموسة وسريعة. فميلنا نحو الإنجاز بمتعة وسرعة والحصول على نتائج فوريّة هو سلوك فطريّ يشعرنا بعدم الرّاحة إن لم يتحقّق لنا ذلك.

يُذكر أنَّ كلمة Impatience تعود للأصل الّلاتيني Impatiens وهو فصيل نباتي لأكثر من 1000 نوع من الأزهار. تصف الكلمة صوت فرقعة أو انطلاق بذور ذلك النّبات عند تفتّح قرونه. يحمل هذا النّوع من الأزهار اسماً آخر هو Touch-Me-Not أي ” لا تلمسني”، نظراً لشدّة هشاشته وحساسيّته.

لظاهرة “عدم الصّبر” عدّة مستويات تتراوح بين الشّعور بعدم الرّاحة والانزعاج؛ إلى تمام فقدان السّيطرة وإظهار ردود فعل خشنة قد تؤدّي أحياناً لأحداث مؤذية وخطيرة تطال الشّخص ذاته أو مَن حوله أو الطّرفين معاً.

كيف تصبح شخصاً صبوراً؟

عمليّة التّحكّم بنفاذ الصّبر عمليّة بسيطة لا تتطلّب مجهوداً ذهنيّاً كبيراً. ما تحتاجه هو فقط معرفة الأسباب والتّصرّف بما يناسب كلّ منها بوعي وإدراك. كذلك عدم مقاومة الحالة بل مواجهتها وتعلّم كيفيّة التّعامل معها. ومن أجل ذلك؛ يُنصح بِ:

1. تقبّل عدم اليقين Accept Uncertainty. بمعنى أن تضع أمامك دائماً احتماليّة عدم حدوث ما تتوقّعه، حتّى وإن كانت حساباتك له دقيقة وتمَّ التّحضير له على أكمل وجه. فالأحداث محكومة بالمتغيّرات الّتي قد تفاجئنا وتقلب جميع التّوقّعات. يصعب على الكثيرين تقبّل الأمور كما هي والتّعايش معها. وغياب القدرة على التّنبّؤ بما قد يحدث هو ما يحدث التّخبّط وفقدان الصّبر. وممّا يساعد على إدارة التّوتّر وتخطّيه حين تواجهك قضيّة مربكة هو التّركيز على الأمور الّتي يمكنك التّحكّم والتّأثير بها والّرجوع للخلف قليلاً والتّفكّر بما ستقرّره من ردود أفعال. كذلك الحفاظ على توقّع إيجابي لما قد يحمله الحدث معه. واعلم بأن التّغيير الّذي يؤخذ بالّلحظة الأخيرة تكون نتائجه مخيّبة. فامتلاكك لرؤية بعيدة المدى يجعلك تجد الجانب الإيجابي في كل حدث.

2. لتكن توقّعاتك حقيقيّة أو منطقيّة set realistic expectations. فغالباً ما تكون نتائج “الخطط المثاليّة” مُحبِطة وتسبّب فقدان الصّبر. ومن أجل ذلك؛ عليك أن تكون يقِظاً وواعياً حين تضعها و تتأكّد من توافقها مع ظروف البيئة الّتي تقيم أو تعمل فيها ومع توقّعات وحاجات الأشخاص الّذين تتعامل معهم وبألّا تتعارض مع مصالحهم، وكذلك مع حاجاتك وقِيَمِك الخاصّة.

3. كن منفتحاً على التّكيّف حين تقتضي الحاجة وضع خططاً بديلة داعمة؛ فهذه تفيد في التّخفيف من وطأة التّوتّر عند حدوث مفاجآت.

4. اهتم بنمط “تّعلّقك بالأشياء” Work on your attachment style.. يعتمد جزء كبير من قدرة إدارة التّوتّر؛ على “تطوير نمط أو أسلوب تعلّق آمن”، وإلّا فستضطّر لطلب مساعدة الغير الأمر الذي يجعلك تعتمد على جهات خارجية ويقلّل من قدرتك الذّاتيّة على تهدئة وطمأنة نفسك.

ومن الطّرق الّتي تفيد بتحقيق ذلك:

أ‌) مراقبتك لأفكارك وردود فعلك عند حدوث ما لا يرضيك. هوّن على نفسك من خلال التّركيز على أمور ممتعة ومرغوبة.

ب‌) كن متعاطفاً مع نفسك ولا تقسَ عليها عند ارتكاب زلّةٍ أو فشل.

ت‌) تساءل دائماً عن ردود أفعالك وما إذا كنت تزيد بها الأمرَ سوءاً، وما الّذي باستطاعتك عمله لإصلاح الوضع وتحسينه بالنّسبة لك وللآخرين.

ث‌) خلق عادة التّوقّف والتّفكّر والاستجواب بشكل جاد من شأنه المساهمة بزيادة قدرة التّحمّل في الظّروف الصّعبة.

لطالما اعتبرت ظاهرة “نفاذ الصّبر” عمليّة طبيعيّة وهي جزء حتمي من الحياة، لكن ليس علينا أن نكون ضحاياها حيث يرى العلم اليوم بأنّها قابلة للمعالجة. فلا يمكننا فقط وقفها بل التّعامل معها عند حدوثها والعيش بشكل أفضل وهذا الهدف الأساسي للحياة.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button