قالت الصحف

أنيسة بومدين تكشف عن جوانب خفيّة من حياة الرئيس الراحل

أنيسة بومدين تكشف عن جوانب خفيّة من حياة الرئيس الراحل

تطرقت زوجة الزعيم الراحل هواري بومدين السيدة أنيسة لدى نزولها ضيفة في منتدى “الحوار” إلى بعض الجوانب الخفية في حياة وشخصية هذا الرمز الثوري والوطني.

أكدت السيدة أنيسة أن الدافع القوي الذي يدفعها للخوض في سيرة الزعيم الراحل هواري بومدين، وتأييد كل المراحل والقرارات منذ توليه السلطة إلى غاية وفاته، هو اقتناعها كمواطنة بالدرجة الأولى بفلسفته السياسية بعيدا عن كل المبررات الشخصية لكونها زوجته، ما يفرض عليها دعمه دون أي اعتراض.

ونوهت أنيسة بومدين بأن الخوض في سيرة بومدين يفرض العودة إلى الظروف والسياقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية وحتى الاجتماعية البائسة التي كانت تكابدها الجزائر في سنة 1962، بدليل تقارير الإدارة الفرنسية إبان تلك الحقبة، حيث كشفت أن الغالبية الساحقة من الجزائريين تطبعها الأمية بنسبة 91بالمائة في مقابل الوضع الاقتصادي المعقد نظير اتفاقيات إيفيان، حيث أضحت الجزائر مدانة للخزينة الفرنسية، ما دفع بارتفاع حالات هجرة الجزائريين نظير هذا الوضع الصعب الذي بلغ ذروته أثناء حرب التحرير وما تلاها من ضحايا وخراب جعل الجزائر بلدا منهكا ومحطما على جميع الأصعدة بعد الاستقلال.

وأشارت زوجة الراحل أنيسة بومدين، في حديثها، إلى أن السبب الرئيسي الذي جعل الثورة التحريرية تستمر 8 سنوات تقريبا هو في اكتشافات النفط والغاز سنة 1956 في كل من حاسي مسعود وحاسي الرمل من طرف السلطات الاستعمارية، هذا الذي يريد بعض المؤرخين الفرنسيين تجاهله، بدليل التغاضي العمدي من طرفهم ضمن تحقيقاتهم وتقاريرهم التاريخية والأكاديمية عن زيارة شارل ديغول إلى الصحراء الجزائرية في مارس 1956، حيث ألقى خطابا وجملة شديدة الأهمية.. ”بلادنا عانت من ماضي مؤلم وحان اليوم الذي تمتلك فيه عناصر النفوذ والسلطة”، هذه المعطيات -تؤكد أنيسة بومدين في حديثها- دفعت ديغول ومن وراءه من صناع القرار في السلطة الفرنسية الاستعمارية للتشبث بالجزائر، بدليل إرسال ديغول 550 ألف جندي فرنسي لإخضاع الجزائر في مقابل مخططات التنمية لصالح قسنطينة سنة 1958 وإيهام الشعب الجزائري بالتنمية والعدالة الاجتماعية الموهومة، إلا أن جهود ديغول جاءت في الوقت بدل الضائع، غير أن إرادة الشعب الجزائري كانت قوية وتواقة لنيل الحرية والتخلص من براثن فرنسا الاستعمارية.

 الرئيس بومدين كان شجاعا

       وتشير أنيسة بومدين في شهادتها التاريخية إلى أن ديغول كان شخصية براغماتية حتى النخاع، حيث كان يريد الحصول على القنبلة النووية مع العمل على الاعتراف باستقلال الجزائر بشرط الاحتفاظ بكل ثروات الجزائر من نفط وغاز في صحرائها الفسيحة مع شرط تحويل كل الأصول المالية من العملة الصعبة للخزينة الفرنسية مباشرة، هذا الذي كان من الصعب الموافقة عليه نظير تمسك الجزائريين وقادة الثورة بمن فيهم بومدين بكل الجزائر وثرواتها دون أن ينقص شبر واحد منها مهما كلف الأمر، وهذا الذي يفسر استمرار الكفاح المسلح طوال هذه الفترة.

وأضافت  أن هذه المعطيات هي التي رسمت ملامح الجزائر سنة 1962، وبالعودة للحديث عن الزعيم الراحل أشارت زوجته أنيسة بومدين إلى أنه نشأ في بيئة فقيرة، واتسم منذ نعومة أظافره بالشجاعة، ومسقط رأسه تؤكد أرملته في شهادتها المسترسلة كان في دوار بني عدي وليس هيلوبوليس مثل ما يروج له الكثير من المؤرخين، حيث تقول إن زوجها الراحل تلقى تعليمه الأول هناك، وكان دائم التنقل ما بين دوار بني عدي وولاية قالمة صباح مساء على مسافة 15 كلم صوب مدرسة لومبير لتعلم اللغة الفرنسية ومساجدها لتعلم القرآن الكريم، كل هذه الصعوبات -تضيف أنيسة بومدين- لفتت انتباه والد بومدين، حيث قرر إبقاءه في قالمة دون دفعه للتنقل لمسافات طويلة لا تتناسب مع إمكانيات سنه الصغير.

وأكدت أنيسة بومدين أنه رغم هذه الصعوبات التي كابدها الزعيم الراحل إلا أنه كان يحب الدراسة وشغوفا بها إلى جانب الطموح الذي اعترى شخصيته، بدليل إرادته القوية التي لا تنكسر رغم الألم الذي كان يسري في قلبه نظير العزلة، بالتوازي مع الآفاق المسدودة ضمن تلك الحقبة على خلاف اليوم.

بومدين تلقى رصاصتين خلال أحداث الثامن ماي

 وتحدثت أنيسة بومدين عن أحداث 8 ماي 1945 حيث كان الزعيم الراحل يبلغ من العمر في تلك الحقبة التاريخية 13 سنة، إذ ورغم صغر سنه لم يمنعه ذلك من المشاركة مع آلاف الجزائريين في تلك الأحداث المهمة في تاريخ الجزائر، حيث وبسبب حسه الوطني المندفع تلقى الزعيم الراحل بومدين رصاصتين في رجله، تركت بعض الجروح التي لا يمكن أن تندمل في جسده ونفسيته.

وأكدت أنيسة بومدين في السياق ذاته، أن مشاركة الزعيم الراحل بومدين في هذه الأحداث غذت نضجه السياسي والثوري، حيث أيقن بومدين الفتى أن الحرية لا يمكن أن تعطى بل تؤخذ بالقوة.

بومدين توجه إلى مصر مشيا على الأقدام

وبالحديث عن فكرة الرحيل للزعيم الراحل بومدين نحو القاهرة بغرض الدراسة ونيل العلم كان الملهم فيها أحد أفراد عائلته الذي سافر مشيا على الأقدام بغرض الحج، حيث مر بالقاهرة وسجل كل صغيرة وكبيرة صادفها في هذه المحطة المفيدة ضمن دفتر تحصل عليه محمد بوخروبة، مثل ما يصح أن يقال عنه… فبومدين ولدت لديه الرغبة الجامحة في خوض هذه التجربة والتنقل إلى القاهرة بغرض الدراسة في الأزهر الشريف، رغم أنه لا يملك أي دعم مادي في تلك الفترة، إلا أن بومدين تحلى بالإرادة وذهب لإقناع ثلاثة من أصدقائه بغرض السفر معه في هذه الرحلة مشيا على الأقدام وعبورا الصحاري والوديان لمدة 105 يوم، أي ثلاثة أشهر ونصف، بحيث كانت محفوفة بالحيوانات البرية الشرسة، إلا أن كتاب للجاحظ يروي عن حياة البرية ألهم بومدين في كيفية التعامل مع هذه الأخطار بسبب شغفه بالقراءة، حيث أوحى لصديقه بإشعال النار التي تخيف الحيوانات، في مشهد يترجم مدى شجاعة بومدين وصلابة في عنفوان الشباب الذي لم يتوان طوال الرحلة في قراءة القرآن على مسامع الناس في الخيم، ما يوحي بتمسك بومدين بقيمه وهويته الإسلامية والعربية.

وتابعت أنيسة بومدين حديثها لتؤكد أنه في ما بعد ذلك رجع اثنان من أصحابه وبقي معه واحد فقط القاهرة وهو الأستاذ محمد صلاح شيروت الذي ألف كتابا مهما عن تلك الرحلة وغيرها من مجريات الأحداث في القاهرة تحت عنوان “رحلة عذاب”.

بومدين لم يدرس بتاتا بالزيتونة

وحثت أنيسة بومدين المؤرخين على ضرورة تصحيح بعض الأخطاء التاريخية المغلوطة عن زوجها الزعيم الراحل، بعد أن أكدت أن بومدين لم يقض سنتين في تونس، ولم يدرس بتاتا في جامع الزيتونة كما يروج له البعض.

وعند نزول بومدين بالقاهرة -تضيف أنيسة بومدين-، تزامن مع بعض الفترات والأحداث السياسية المهمة في تاريخ مصر، من ضمنها حكم الملك فاروق وحركة الضباط الأحرار، حيث كان لهذه المعطيات الدور البارز في التكوين العسكري والسياسي لبومدين.

وأشارت أنيسة بومدين إلى الشخصية المهمة الذي استند عليها بومدين طوال مكوثه في القاهرة، وهي علي موقاري عضو حزب الشعب الجزائري الذي كان مبحوثا عنه من طرف السلطات الاستعمارية وفر نحو القاهرة، حيث كان له الدور البارز في دعم الطلبة الجزائريين هناك بالمال والطعام وكل ما هو متاح في سبيل تحرير الجزائر وتكوين النخبة السياسية والثقافية فيها، بدليل أن علي موقاري في شهادته عن بومدين، أكد أنه كان يتمتع بوطنية قوية وحس استشرافي ثوري، بدليل الحديث الذي دار بينه وبين بومدين عن التكوين العسكري في القاهرة، ما يفند -تضيف أنيسة بومدين- كل المغالطات التاريخية التي تشير إلى أن بومدين تلقى تكوينا عسكريا في دولة العراق.

وتضيف أنيسة بومدين أن علي موقاري تنقل على متن باخرة تحمل اسم الأميرة دينا إلى الجزائر محملة بالأسلحة والذخيرة، حيث كان في استقباله أحد القادة البارزين في الولاية الخامسة أثناء الثورة التحررية وهو العربي بن مهيدي الذي كان يتحدث عنه الزعيم الراحل في كلامه -تضيف أنيسة بومدين- بمحبة كبيرة جدا.

وأردفت أنيسة بومدين أن كل هذه المعطيات والخلفيات التاريخية ساهمت إلى حد كبير في صقل وبزوخ التجربة السياسية والعسكرية الفذة لبومدين، على خلاف ما يروج له بعض المؤرخين على أن ترؤس الزعيم الراحل لرئاسة الأركان كان نظير نجاحه اللافت في قيادة رئاسة الأركان للجهة الغربية من الوطن إبان الثورة.

بومدين عزم على إخراج الجزائر من التخلف نحو الازدهار

وتضيف بومدين أن هذه التجربة السياسية المتراكمة في شخصية بومدين دفعته للتفكير في ما بعد الاستقلال، حيث كان الشغل الشاغل للزعيم الراحل تنمية البلاد واسترجاع جميع حقوق الجزائريين غير مهضومة حتى قبل اتفاقيات إيفيان، ما يترجم البعد والاستقراء السياسي الدقيق لبومدين في قراءة المستقبل ضمن جميع التفاصيل قصد إخراج الجزائر وشعبها من بوتقة التخلف إلى عصر التميز بامتياز ضمن أهداف أولية تحقق هذا المبتغى، وهو تأميم المحروقات والتأمينات وفق برنامج يركز على الجيش تحديدا الذي يضم في غالبيته أبناء الشعب الجزائري حسب المقاربة البومدينية.

وأكدت أنيسة بومدين أن هذا البرنامج السياسي الطموح للزعيم الراحل بومدين كان محل توافق من الجميع، بعد أن أسر بوتفليقة لبن بلة عن نوايا بومدين في المرحلة المقبلة التي تلي الاستقلال، حيث أثني على ذلك ورحب بالفكرة قبيل وصوله إلى السلطة.

 بومدين كان يكره الارتجال في اتخاذ القرارات

 وبالعودة للحديث عن بومدين الإنسان، أكدت زوجته أنه كان رجلا وفيا بوعوده ويحب النظام ويكره الارتجال، بحيث أنه كان يفكر طويلا في عواقب قراراته من كل الجوانب.

 بومدين جعل الجيش الجزائري ثاني أقوى جيش عربي في ظرف قياسي

هذا الالتزام والوفاء اللامتناهي -تضيف أنيسة بومدين- تجسد في بناء الجيش الجزائري من طرف بومدين، بعد أن لاحظ أن غالبيته مكون من الفلاحين الذين لا يجيدون القراءة والكتابة، فعمد إلى إرسال بعض الإطارات للخارج قصد التكوين ونقل الخبرة إلى هذا الجيش، حيث كانت لهذه اللمسة البومدينية الأثر البالغ، بدليل أن صحيفة le monde عنونت في أحد مقالاتها سنة 1966 أن الجيش الجزائري بات ثاني أقوى جيش في إفريقيا والمنطقة العربية بعد مصر أثناء حكم جمال عبد الناصر، وهذا في وقت قياسي بامتياز، أي 4 سنوات فقط ما بين الفترة من 1962 الى غاية 1966.

وأضافت أن بومدين لم يكن معروفا لدى عامة الشعب ضمن تلك الفترة تحديدا، إلا أن رغبته الجامحة في خروج الجزائر من دائرة التخلف، مع العمل على فرض منطق التوازن الجهوي، بدليل انعقاد مجلس وزراء في بعض المناطق المحرومة، ما دفعه للإقدام على هذه الخطوة التي يختلف توصيفها وتصنيفها لدى غالبية المؤرخين وبعض فئات الشعب من الأجيال المتعاقبة.

 كان كثير الاستماع إلى البسطاء

وأكدت أنيسة بومدين، في شهادتها عن زوجها الزعيم الراحل بومدين، أنه كان كثير الاستماع إلى البسطاء، في مشهد يوحي بمدى تواضع الرئيس مع رعيته، إلى جانب أن الأمر الذي كان يؤرقه ويشغل باله هو تحقيق مطالب الشعب الجزائري بعد الاستقلال وتوليه السلطة، وهو التعليم لأبنائهم، حيث راح بومدين يبني الجامعات والمعاهد التي كانت شبه معدومة إبان الاستقلال إلا واحدة أو اثنين فقط، ما حتم على بومدين التركيز على هذا المحور الذي اعتبره اللبنة الأساس في معادلة التنمية والتغيير لصالح الجزائر المستقلة،

هذه الإنجازات التي أسهم فيها بومدين إبان حكمه -تضيف أرملته- لم تمر مرور الكرام، بدليل أوسمة الشرف الممنوحة من طرف منظمة اليونيسكو لصالح الجزائر التي عمدت على تخصيص 40 بالمائة من ميزانية البلاد لصالح التعليم.

وأكدت أنيسة بومدين أن النقطة الأبرز في مسيرة الزعيم الراحل السياسية هي تأميم المحروقات التي اعتبرتها أنيسة بومدين غيرت النظام النفطي ضمن البلدان العربية المنتجة للمحروقات، حيث كانت البلدان العربية النفطية تمنح حق الاستغلال للشركات الأجنبية ضمن مساحات محددة، دون الحق في التدخل مطلقا، بالتوازي مع تلقي الضرائب بنسبة 12 بالمائة على كل برميل للنفط، وأحيانا يأخذ 50 بالمائة من الضرائب لأرباح الشركات، ما يعني غياب أي فوائد مستحقة لصالح البلدان المنتجة.

ومن منطلق استغلال هذه الآبار النفطية، تضيف أنيسة بومدين، التي تتطلب استثمارات ضخمة من طرف المنتجين الذين وقعوا ضحية الشركات الأجنبية، التى تعمد إلى استغلال هذه الموارد البترولية بطريقة بشعة دون توقف أثناء النشاط، في مقابل إعطاء عائدات الضرائب لصالح الدول النفطية التي تعتبر مبالغ زهيدة لا تتوافق مطلقا مع طموحات وبرامج التنمية للبلدان النفطية، ما دفع بومدين إلى المضي قدما في خطوة تأميم المحروقات في 24 فيفري 1974 بشكل فردي دون اطلاع الرأي العام أو حتى أقرب المقربين، رغم أنني كنت زوجته وحافظة سره.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button