آخر خبرافتتاحية

ماذا لو أوصل الحزب رئيسًا بلا باسيل؟

ماذا لو أوصل الحزب رئيسًا بلا باسيل؟

 سامي كليب:

                    تقولُ الروايةُ الموثوقة إنَّ أوساط حزب الله تُردّد مُنذ فترة العبارة القائلة:” إن جبران باسيل أتعَبَنا”، وتُشير إلى أنَّ رئيس التيّار الوطنيّ الحُرّ سألَ قبلَ فترةٍ رئيسَ وحدة التنسيق والارتباط في الحزب الحاج وفيق صفا عمّا إذا كان في نيّة حزبه العملُ على انتخاب سليمان فرنجيّة بلا أصوات التيّار، أو على الأقل بلا رضى باسيل نفسه.

                   الواقع أنَّ امتعاضَ الحزب من باسيل تفاقمَ مُنذ الربع ساعة الأخير من اجتماعه بالأمين العام، ذلك أنَّ السيّد حسن نصراللّه لم يكن في تلك الجلسة يُريد جوابًا فوريًّا من ضيفه حول ترشيح فرنجيّة، وقال له صراحة إنَّ مثل هذا الاتّفاق يحتاج الى جلساتٍ عديدة، وفنّد له الأسباب الموجبة لاختيار زعيم المردة هذه المرّة، وشرح كل الضمانات التي يتكفّل هو نفسه بها لو وصل فرنجيّة إلى سُدّة الرئاسة.

                  كانت جلسة طويلة وشاقّة، لكن جواب باسيل كان رفضًا مُطلَقًا كاد يخرج في لحظاتٍ مُعيّنة عن ضوابطه، بينما أمين عام الحزب يسعى للتهدئة، خصوصا حين شنّ الضيفُ هجومًا يتعلّق ب ” عجز” و” فشل” فرنجيّة في القيام بأيّ إصلاحات أو في إدارة وزارتَيّ الصحّة والداخليّة اللتين تولاهُما.  قال نصراللّه، إنَّ الجوّ العام آنذاك كان مُختلفًا، وممارسةَ جميع الأطراف لم تكن نموذجيّة، والتيّار لم يكن قد جاء بمشروعه الاصلاحيّ، والحزب نفسُه لم يكُن على ما هو عليه اليوم. وذهب نصرالله الى حدّ اقتراح الاتّفاق على حزمة الإصلاحات وتعيين مُستشارٍ إلى جانب فرنجيّة اذا ما وصل الى الرئاسة لضمان الاتفاقات والخطّة الإصلاحية والاقتصادية المنشودة بعد التشاور مع الرئيس العتيد.

   كان من المُفترض أن ” يُغربل” رئيسُ التيّار الوطنيّ ما سمعه من نصرالله ويعود الطرفان الى اللقاء، لكن بدلاً من ذلك، راح باسيل ومنذ غداء اللقاء يرفع مستوى الهجوم على فرنجيّة وينعته بكل الصفات، ووصلَ الأمر الى حدّ التشكيك بمصداقيّة الحزب والتلويح بفكّ تحالف مار مخايل. كان تفسيرُ الحزب أن رئيس التيّار يعتقد أنَّ نصراللّه يُريد أنْ يُكرّر تجربة العماد ميشال عون، أيّ التمسّك بخِياره حتّى لو طال الزمن عامين ونصف العام، وهو ما يرفضه باسيل، فاختار أن يحرق صورةَ ومراكبَ سليمان.

جبران باسيل بات ” مُتعِبًا للحزب”، لكنَّ الحزبَ يحسبُ بدقّة خياراته حيالَه، وما زال حتّى الساعة مُتمسّكًا بالتحالف معه بالرغم من عدم حصول أيّ لقاء أو طلب لقاء بين نصرالله وباسيل. وكلّ ما في الأمر هو حصول بعض اللقاءات الجانبيّة بين النوّاب. وحين سأل باسيل وفيق صفا عمّا اذا كان الحزب يفكّر بالإتيان برئيس بدونه، سمعَ جوابًا يقول:” وهل هذا الاعتقاد يمنعك من طلب لقاء مع السيد؟”.

لو تعمّق السائل أكثر بمحاولة معرفة أسباب التنافر الحاليّ بين الحزب وجُبران، ربما يفهم أنَّ هذا التنافر ليس وليدَ لحظته، وأنَّ بعضَه يعود حتّى إلى مرحلة تفاهم “مار مخايل”، فآنذاك اتّفق الطرفان على استبعاد بعض الأمور الحسّاسة، وفوجئ الحزب بوجودها في البيان الختاميّ، ومنها على سبيل المثال بند ” تصويت المُغتربين”.

هل يُفكّر الحزب برئيس بلا أصوات جبران باسيل؟

المسألة غير مطروحة حتّى الساعة، فالحزب لا يُريد خسارة هذا التحالف مع جزء مُهمّ من المسيحيّين، لكن عقلَ الحزب يطرح كلَّ الاحتمالات حين تتأزّم الأمور ويدرس كلّ التوقّعات، ويحسب كلّ الأصوات، ولعلّه يستطيع لو تعقّدت الأمور أكثر و ” جَنَح” باسيل أكثر وأخطر، أن يلوّح بورقة الرئيس بلا التيّار، خصوصًا أنّ بعض الأطراف الوازنة وبينها مثلا الحزب التقدمي الاشتراكي وبعض النوّاب السُنّة ، ومن يدري رُبما بعض نوّاب التيّار نفسه، قد يسيرون في آخر لحظة بخيار فرنجيّة.

“المسألة غير مطروحة الآن” يقول المقرّبون من الحزب، لكن ماذا لو طُرحت لاحقًا؟

السؤال منطقيٌّ، تمامًا كما هو منطقيٌّ اعتقاد البعض بأنّ باسيل رُبما سمع من الخارج كلامًا يُشجّع على الابتعاد عن الحزب ثمنًا لرفع العقوبات وللعودة الى مسرح التنافس الرئاسيّ بقوّة؟ لكن المقرّبين من الحزب يؤكدون الاعتقاد بأنّ رئيس التيّار يتحرّك بقناعات شخصيّة حاليًّا بغية احراق أوراق فرنجيّة، ولا يوجد أيّ مؤشّر على حركة خارجيّة حياله.

المنطقيُّ كذلك هو ربطُ البعض، خفوتُ صوتِ الحزبِ بالأحداث المُقلقة في الداخل الإيرانيّ، فهل الربطُ صحيح؟

لا شكّ أن استمرار انتفاضات الداخل للشهر الرابع على التوالي ليس أمرًا عابرًا، فالجزء الأكبر والظاهر منها يُعبّر عن نقمة اجتماعيّة حقيقيّة أخذت الحجاب عنوانًا لها، لكنّ غيرَ الظاهر قد يكون خطيرًا أيضًا مع تقدّم مُرشد الثورة السيّد علي خامنئي بالعُمر ووهن الجسد بالمرض. فكما أنّ مرجعيّات دينيّةٍ كادت ترفع الصوت في عهد مُفجّر الثورة الإسلامية الإمام الخُمينيّ بشأن شروط تولّي شخصٍ ما منصبَ “الوليّ الفقيه”، واضطُرّ الخميني آنذاك الى الغاء البند الدستوريّ القائل بأنَّ على الوليّ أن يكون ” الأكثر عِلمًا” (أي بعلوم الدين والفقه )، فقد يكون خلفَ بعض الاحتجاجات اليوم أيضًا أيادٍ تطرحُ إعادةَ النظر بالمرجعيّة الولائية للمُستقبل. صحيح أن الخامنئي استطاع حتَّى الآن ضبط هذه الامتعاضات داخل المؤسسة الدينيّة، لكن ماذا سيحصُل بعده، أو لو تفاقمت التظاهرات الاحتجاجيّة؟

يقول مسؤولٌ إيرانيّ قريب من السُلطة:” إنَّ الإمام الخمينيّ كان قد وضعَ نُصبَ عينيه تطوّرات ومراحل الثورة وهي أربع، اولاً الوصول الى السُلطة وجعلها اسلاميّة، ثم بناء المؤسسات الإسلامية، ثمّ تعميم المناخ الإسلامي الثوريّ  والعقائدي على المجتمع وأخيرًا تثبيتُ ذلك في الأمّة، وهذا يعني أنّ ما يحصُل اليومَ هي المرحلة المتعلّقة بالمجتمع”.

يضيف المسؤول نفسه أنّ  الخامنئي نفسُه أعربَ غيرَ مرّة عن انزعاجه من المُغالاة في التشدّد المُجتمعي، وحين جاءه  مَن يشكو اليه سيّدةً كانت شبهَ سافرةِ الحجاب بحيثُ لا يُغطّي سوى نصفَ رأسها وهي تُشارك في مراسم حُسينيّة قال :” لعلّ باطنَها أكثر صفاء من ظاهرها، ثم إنَّها ارتدت نصف حجاب فلنشجّعها على النصف الآخر بدلاً من قمعها” وسأل الخامنئي :”هل ما يظهرُ منّي أنا شخصيا قادرٌ فعلا عن التعبير عن باطني؟” .

واضحٌ عند القيادة الإيرانية والحزب أنّ ما يحصل في إيران يحتاج مُراجعةً نقديّة حقيقيّة، تماما كما حصل مع الحزب الشيوعيّ في الصين، الذي وبدلاً من الانهيار كما حصل في الاتّحاد السوفياتيّ الذي تفكّك، فإنَّه جدّد نفسه وأطلق ثورة إصلاحيّة سياسيّة وثقافيّة وفكريّة تزامنت مع ثورة هائلة في الصناعة والتكنولوجيا وتخفيف درجات الفقر والبطالة في الأرياف واستيعاب الوافدين من تلك الأرياف الى المُدن أو مساعدتهم للصمود في أراضيهم.

شيءٌ من هذا حصل كذلك في جوار إيران، في المملكة العربيّة السُعُوديّة، حيث أطلق وليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان، ثورة إصلاحيّة جذريّة في الداخل على المستويات الاجتماعيّة والتربويّة والدينيّة والثقافيّة والفنيّة والاقتصاديّة، لاقت تأييدًا كبيرًا من جيل الشباب ( وهو الذي يُشكّل مع الأطفال نحو 70 بالمئة من المجتمع السعودي)، فردّ عن البلاد موجات الربيع، ورسّخ العرش، وصار أكثر قدرة على تحدّي الولايات المتحدة الأميركية، والانفتاح واسعًا على الصين ( التبادل يقارب 100 مليار دولار).

الوضعُ ليس مُقلقًا بالنسبة لحزب الله وتجربته في لُبنان، وثمة من يؤكد عنده أنّ القيادة الإيرانية ( التي أوفدت مؤخرا قائد فيلق القدس الى لُبنان) رفعت مستوى الدعم والمساعدة وليس العكس، لكنه ليس مُطمئنًا أيضًا، ذلك أنّ انحراف الأمور عن مساراتها واردٌ مهما كانت قدرة الضبط كبيرة، يكفي أن يخرج رجلُ دين من غلاة المتشدّدين بفتوى كي يزيد الغليان.

لعلّ الحزب الذي يقول أهله إنه فرضَ على إسرائيل فصلَ ترسيمِ الحدود البحريّة عن البريّة رغم كلّ الضغوط التي مورست لربط الترسيمين، كان يتوقّع أن تكون ثمارُ الترسيم أكثرَ إيجابيّة في تسريع الخطوات السياسيّة والاقتصاديّة الداخليّة، لكن الأكيد أنّه يعتبر أن العقدةَ الأكبر حاليًّا في إيصال سليمان فرنجية الى الرئاسة هو جبران باسيل، ولذلك فالصبرُ واستمرار التشاور هُما شعارُه للمرحلة المُقبلة التي قد تطول.  وعلاقة الحزب برئيس الحكومة نجيب ميقاتي مُمتازة، تسمح له حتّى بالاتّصال به بُعيد الاعتداء على قوات الطوارئ الدولية، ليس فقط لاستنكار الحادث وتبادل الأفكار حول ما حصل وإنّما أيضًا لتأنيب وزراء سارعوا الى استصدار تصريحات غير مُناسبة باعتراف الحزب وميقاتي، وفق ما يُفهم. ( ربما كان المعنيان هُما وزيرا الخارجيّة والداخليّة).

هل يسير الحزب بقائد الجيش العماد جوزف عون لو اُوصدت الأبواب تمامًا أمام فرنجيّة؟

لا يزال فرنجيّة الأوّل في خيارات حزب الله، وثمّة مؤشّرات محليّة وعربيّة ودوليّة مقبولة لا بل جيّدة، لكن دراسة احتمال التفاهم بشأن عون قائمة أيضًا، وهذا يفترض في حال وصلت التفاهمات الكُبرى إليه، سلسلةً من التفاهمات الجذريّة مع عون بشأن ” الحياد” و ” الصراع مع إسرائيل” و ” سلاح المقاومة ” و ” الخيارات الاستراتيجيّة”. كلّ شيء وارد وأداء العماد جوزف عون بالنسبة للحزب في مرحلة قيادة الجيش كان مقبولاً وفق ما يقول العارفون.  

هل يُلملم الحزب وباسيل تبايناتهما وتُستأنف اللقاءات؟ هذا مأمولٌ من الحزب، ومجهولٌ حتّى الآن عند باسيل.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button