آخر خبرافتتاحية

           أعدتُم رئاسةَ لبنان الى الخارج أيها السُذّج

  رئاسة لبنان عادت الى مسرح الخارج

 سامي كليب:

كم هو مُضحكٌ ومثيرٌ للشفقة، دخولُ النوّاب اللبنانيّين الى قاعة التصويت لانتخاب رئيسٍ جديد للجمهوريّة، ثم خروجهم منها والإدلاء بتصريحات معظمها ساذج يقارب في الكثير من جوانبه حدود الجهل السياسيّ أو الغباء. لا توجد عباراتٌ مُلطّفة لمشهد السخرية هذا، والذي يُعبّر بوضوحٍ مؤلم عن قلّة معرفة بالتاريخ، وضحالة في قراءة المتغيّرات، واستحالة التعلّم من دروس الماضي.

الوثائق موجودة، وكتب الاعترافات متوفّرة ( من “أجمل التاريخ كان غدًا” لايلي الفرزلي الى “الجمهورية المقاومة” لأمين الجميل الى ” الثقب الأسود” لنبيه برّي الى مذكّرات صائب سلام واعترافات الرئيس الفرنسي جاك شيراك في مذكّراته وصولا الى ” سر الرؤساء ” للكاتب الفرنسي فنسان نوزي) ، سنجدُ بحرًا من الاسرار حول لعبة ” تصنيع” رؤساء لُبنان في الخارج و ” تجميعهم” في لُبنان كالبرّاد الصينيّ.

كذلك السيّر الشخصيّة المنشورة أكثر من أن تُحصى، فلو قرأ هؤلاء النوّاب الجهابذة بعضًا بسيطًا منها، لفهموا أنَّهم يُكرّرون مسرحيّة مُملّة وممجوجة دمّرت الدولة وقتلت كرامة الوطن. فمعظم هؤلاء النوّاب يُشبهون نظراءهم الذين تعاقبوا على المجلس منذ فجر الاستقلال حتى اليوم، يغرقون في العتب واللّوم والبطولات ضدَّ هذا الفريق أو ذاك، ويقدّمون أنفسَهم مُنقذين للوطن ورُسُلَ الوطنيّة والخير والإنقاذ والرفاهيّة.

يفعلون كلّ هذا، في حين أنه في مكان آخر من هذا العالم، تُرسَمُ بدقّة معالمُ النظام المُقبل للُبنان، وكيفيّة تقليم أظافر هذا الفريق، وتعزيز حضور الفريق الآخر وفق الانتماء الى هذا المحور أو ذاك، وبناء على تسهيل أو تعقيد التسويات في دهاليز وكواليس السياسات الإقليميّة والدوليّة.

كان ثمّة فُرصة نادرة عند اللُبنانيّين في السنوات القليلة الماضية، للتفاهم على شكل الدولة وبرنامج الرئيس قبل اسمه، لكنَّ الوهم المُستمرّ منذ ما قبل الاستقلال بأن طَرَفًا يستطيعُ كسرَ الآخر على مسرح صراع الديَكة الحمقى، أعاد كُرةَ الرئاسة مرّة ثانية الى الخارج بانتظار التسوية.

حالُ لُبنان في الوقت الراهن يُشبه ما كان عليه وضعُه قبل التجديد للرئيس السابق إميل لحّود، والصراع  الحالي هو حول دور حزب الله ومستقبل الشيعة في النظام ، تمامًا كما كان الصراعُ سابقًا حول الدور السوري في لُبنان، فكانت عقدة التمديد للحود هي الواجهة التي فجّرت الصراع على مصراعيه بين فريقٍ يضمّ الرئيسين جورج بوش الابن وجاك شيراك وبعض العرب من جهة الذين رفعوا شعار مواجهة ” الهلال الشيعي”، والفريق السوري مع حزب الله وإيران وحلفائهم من جهة ثانية، وكان القرار 1559 الذي عبّر آنذاك بوضوح عن رغبة شيراك بالتقارب مُجدّدا مع واشنطن التي كانت قد حمّلته تبعات موقفه الرافض لاجتياح العراق وسعت لكسره في أكثر من مناسبة.

بعد ترسيم الحدود البحريّة اللبنانيّة مع إسرائيل، ووقوف الحزب خلف الدولة اللُبنانيّة مُعتبرًا أنّ الترسيم أنجازٌ، وبعد تباهي الرئاسة اللُبنانيّة ومن خلفها التيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل والدور الحيوي للوزير الياس أبو صعب مع آموس هوكشتاين بتحقيق هذا الانجاز، ناهيك عن الدور الكبير لرئيس مجلس النوّاب نبيه برّي في عملية الترسيم، تضاءل دورُ المُعارضة ومن يصفون أنفسهم ب ” السياديين” و” التغييريّين” و ” الاستقلاليّين” وغيرهم بالنسبة للاعبين الأميركي والفرنسي في الوضع الداخلي اللُبناني. فمصالح الدول غالبًا ما تتقّدم على المبادئ.  لكن لا واشنطن ولا السعودية ستقبلان بسهولة بأن يتولّى حزب الله ناصيةَ السياسة المُقبلة ويتصدر الزعامة السياسيّة بلا ثمنٍ ( حيال إسرائيل بالنسبة للأولى واليمن للثانية)، بينما تذهب باريس الى مبدأ التسويات التي تعتبر أنه من الطبيعي حضور الحزب بقوة في التركيبة دون الاخلال بها.

من هُنا يبدأ البحث بمستقبل الرئاسة في لُبنان وبالسماح بنهوض الدولة وبمساعدات صندوق النقد بعد الإصلاحات، وخصوصا بالقبول بمؤتمر وطني للحوار يكون مُكمّلاً أو بديلاً للطائف. فأيُّ مؤتمر في المرحلة المُقبلة مضطّرٌ للبحث في التركيبة الديمغرافية للُبنان التي انتقلت من 60 بالمئة للمسيحيين بعيد الاستقلال الى أقل من 30 بالمئة اليوم.

لم تتوضّح الأمور تمامًا بعد في الخارج الإقليميّ والدوليّ، لكن بدأ يظهر دورٌ سوريّ سيزداد حضورًا في المرحلة المُقبلة، وقد نشهد حركةً ما سعودية صوب سوريا، فرسمُ معالمِ السياسة اللُبنانيّة المُقبلة التي قد تمرّ بتوترات في الشمال وعودة التعقيدات بعد فترة الى ملف الترسيم حتى لو تمّ توقيعه، والتغييرات في الانتخابات النصفيّة في الولايات المتحدة الأميركية، ومآلات حرب أوكرانيا، والحاجة الى غاز المتوسط، كلّها عوامل دخلت الى لُبنان من بوّاباته المُشرّعة، وذلك لان ساسة هذا البلد لم ولن يعرفوا الاتفاق على شيء بلا أوصياء من الخارج….كما ان المعارضة الجديدة أو ” التغيّيريين” فإنهم باتوا بارعين في الكشف عن التناقضات والضياع أكثر من أي شيء آخر، وذلك بسبب غرقهم في التفاصيل بدلاً من جوهر النظام كلّه، وبسبب تناقض رؤاهم بالرغم من انبثاقهم عن مشروع ثورة مبدئيًا. 

فكفى مسرحيات في مجلس النوّاب، وكفى تصريحات خارجَه، لقد أفلتت اللُعبة مرّة ثانية أيها السذّج من أياديكم… انتظروا التعليمات لو حصلت تسويات، أو خضاتٍ وانهيارات اقتصادية وأمنية وسياسية لو تعقّدت المفاوضات الخارجيّة.  

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button