هل الصداقة ممُكنة بين الرجل والمرأة؟ عِلم النفس يُجيب

روزيت الفار-عمّان
يوضّح الطّبيب النّفسي ومستشار العلاقات الزّوجيّة John Gray في مؤلّفه الشّهير “الرّجال من المرّيخ والنّساء من الزّهرة “Men are from Mars, Women are from Venus” الفروقات السّيكولوجيّة بين الرّجل والمرأة والتّعريف بها ويضع حلولاً للتّعامل معها من خلال احترام وقبول كلٍّ منهما لسلوك ومشاعر الآخر إن هو فَهم وتفهَّم تلك الفروقات؛ بغية بناء أُسر ومجتمعات صحّية وسليم خالٍ من الصّراع والخلافات. ويبيّن بأنَّ هذه الفروقات جوهريّة بطبيعتها. يؤيّده في ذلك عالِما النّفس الشّهيران “ألين وباربارا بيز” في كتابهما المشترك “The Definitive Book of Body Language” الّذي أوضحا فيه -إضافة للاختلافات النّفسيّة- الصّفات البيولوجيّة الطّبيعيّة لكلا الجنسين والّتي تؤثّر بشكل فاعل في إنشاء الخلافات. وقالا بأنّها اختلافات في التّكوين البيولوجي تطال جميع أجزاء وأعضاء وخلايا كلٍّ من الجنسين بما فيها الدّماغ، ولا تقتصر فقط على الأجهزة التّناسليّة والكتلة العضليّة والهيكل الخارجي.
وكنتيجة حتميّة لتلك الفروقات العميقة في تكوين وسيكولوجيّة كلّ من الرّجل والمرأة؛ ينشأ اختلاف في طريقة النّظر والتّفكير والتّعامل وردود الفعل واختلاف التّعبير عن الحاجات والاستجابة لما يحدث في المحيط الخارجيّ، والّتي تشمل مجتمع الفرد المباشر: الأسر والأقارب والأصدقاء، وغير المباشر: كالعالم الخاجي والبعيد. والدّاخليّة كتلك المرتبطة بشخصيّة الفرد وأحاسيسه وعواطفه.
ويتوضّح الخلاف والصّراع:
– بعد إقامة علاقة بين الجنسين وخصوصاً علاقات الزّواج والأسرة والأولاد والعلاقة داخل العمل.
-أو حين ظهور ضغوطات.
“الرّجال من المرّيخ والنّساء من الزّهرة” يروي حكاية خياليّة مفادها أنّ هناك كوكبين بعيدان مختلفان يسكن بكلٍّ منهما جنسٌ مختلفٌ من البشر، وكان الرّجال يسكنون المرّيخ والنّساء الزّهرة، وكان كلٌّ منهما منسجماً ومتأقلماً بالكامل مع مجتمعه وبيئته ولا يعرف عن الآخر شيئاً. إلى أن اكتشف رجال المرّيخ وجود هذا الجنسٍ المختلف يسكن كوكباً آخر. وبواسطة مناظير صنعوها لأنفسهم تعرّفوا على الجنس الجديد. التقى الطّرفان بعدها ببعضهما البعض واستقبلت نساءُ الزّهرة رجالَ المرّيخ ورحّبن بهم وقامت بينهما علاقات حبٍّ وعاشوا بسعادة ووئام. نزلوا بعدها إلى الأرض حيث أصيبوا بفقدان الذّاكرة نسوا فيها أنّهم من كوكبين مختلفين. وحين استفاقوا من تلك الحالة نشبت بينهما الخلافات وقام الصّراع.
تنشأ الخلافات، كما يقول الكاتب، عند معالجة المشاكل.
- فحين يريد الرّجل الاختلاء بمشاكله وحلّها داخل عقله، ترغب المرأة تواصلاً لفظيّاً وتسعد بكشفها ومشاركتها مع الآخرين والاستماع لهم.
- استخدام العاطفة مُستبعد عند الرّجل في تعاملاته؛ فنتائجها بالنّسبة له غير مضمونة. في حين أنّ العاطفة هي الّتي تتحكّم بمعظم سلوك وردود فعل المرأة.
- تحتاج المرأة الحبَّ والرّعاية؛ بينما الشّعور بأهميّته، وطلب دعم المرأة المستمر له؛ يعّزز من نفسيّة الرّجل ويُشعره بالرّاحة.
- قد يستخدم الطّرفان الكلمات ذاتها، لكنّ ما يعنيه الرّجل قد يختلف عمّا تعنيه المرأة بها.
- يفضّل الرّجل العمل لوحده وكسب مديح وتقدير لقدراته الفرديّة ويرى في المساعدة تقليصاً لتلك القدرات واستخفافاً بها. بينما ترى المرأة نفسها بالعمل الجماعي التّعاوني، والحصول على التّقدير النّاتج من مشاركتها بالعمل يفرحها.
- اهتمام الرّجل بنفسه أنانيّة بالنّسبة للمرأة، حيث أنّها بغريزتها ترغب الاهتمام بالغير وخاصّة بالرّجل، وقد يصل اهتمامها حدود إزعاجه.
- لا يفرّق الرّجل بين العاطفة والتّعاطف؛ فالاهتمام الزّائد بالنّسبة له قاتل.
- لا يرغب الرّجال بأخذ النّصيحة؛ إن لم يقوموا مباشرة بطلبها. بينما نجد المرأة توّاقة لأخذ نصائح الغير.
- يتمّ تشبيه الرّجل بالشّريط المطّاطي، فبمقدورة التّحوّل بسهولة من الحالة الحميميّة مع شريكته إلى ترك العلاقة واختيار الحريّة الشّخصيّة؛ ليس دائماً بهدف الاستغناء بل أحياناً لإحداث توازن بها. بينما تُشبه المرأة الموجة الّتي ترتفع عالياً ثمّ لا تلبث أن تنخفض. فهي تتأرجح بين الشّعور بالقمّة حين تلقى ما تريد وبالانكسار واليأس عند عدم تحقيق ذلك.
وبوجود تلك الاختلافات بالرّؤى وطرق التّفكير والتّعامل، تظهر المشاكل حتّى في أبسط الأمور أو حين يأتي أحدهما لتلبية حاجات الآخر.
بالنّسبة للصّداقة، يقول جون غري، بأنّ الأشخاص بطبيعتهم يميلون نحو تشكيل صداقات من أفراد جنسهم، حيث تجمعهم ظروف مشتركة، بنسبة أكبر ممّا يجمعهم بالجنس الآخر. غير أنّ هناك ما نسبته 30% من الصّداقات الّتي تجمع الجنسين معاً، وتسمّى هذه الظّاهرة بعلم النّفس التّغاير الاجتماعي Heterosociality.لايزال البحث فيها والدّراسة في طور النّمو.
لوحظ بأنّ كثيراً من النّساء يُجمِعن على إمكانيّة حدوث صداقة صافية مع الرّجل، على عكس الرّجال الّذين ينكرون ذلك. ربّما لأنّ المرأة أقدر على إخفاء مشاعرها أو أنّها حقّاً تستطيع فعل ذلك.
الصّداقة بمفهومها العام هي “علاقة مرنة غير تنافسيّة وتنشأ بين شخص وآخر أو بين مجموعة من الأشخاص، أساسها الصّدق والقبول والمحبّة والتّفاني والوفاء والإخلاص والمشاركة والإيثار وتقديم الدّعم وتبادل المشورة والنّصح، من شأنها بعث السّعادة والرّاحة لدى كل طرف فيها”. وتُعتبر أقوى العلاقات وأطولها.
ممّا يجمع الأصدقاء: فئة العمر؛ تطابق طرق التّفكير في معالجة المشاكل، تشابه ظروف البيئة والثّقافة والمعتقدات والقيم الأساسيّة وغيرها.
فهل هناك إمكانيّة لقيام صداقة بحتة بين الرّجل والمرأة في ظلّ هذه الفروقات في طبيعة وعقليّة كلّ من الجنسين؟
يبقى أن نؤكّد بأنّ ما ورد ذكره ليس بنظريّات مطلقة، فالاختلاف السلوكي من سمات البشر بين أعضاء الجنس الواحد، فما بالك بين الجنسين المختلفين؟