آخر خبرمقال اليوم

التصوّف والشراكة الدينية المدنية، لانقاذ ليبيا

 د.نسيمة عمّوري-ليبيا

إنّ طبيعة النسيج الإجتماعي الليبي فرضت تداخلا واسع النطاق فيما بين السلطات الدينية و الثقافية و التقليدية ، و هو التداخل الذي يجعل هذه السلطات غير قابلة للإنفصال ؛ فلقد اتسم المشهد الديني بعد 2011 بالتعقيد و التشابك ، و خاصة فيما يتعلق بتأثير الزعامات و المؤسسات الدينية على الوضع السياسي للبلاد ، و قد أظهر استبيان أُجري في أوساط المجتمع الليبي فيما بين 2014 و 2016 أنّ تأثير القيادات الدينية الإيديولوجية الثلاث الأوسع نفوذا ( الصادق الغرياني و علي الصلابي و عبد الحكيم بلحاج ) كان سلبيا بنسبة 66 % ( 2014 ) ثم 90 % ( 2016 ) ،  مما يوضح أنّ الليبيين يثقون في الزعامات الدينية التقليدية أكثر مما يثقون في الزعامات الدينية الإيديولوجية ؛ وهذا الإيمان بقدرة الزعامات الدينية التقليدية المحلية في المساعدة على الوساطة في النزاعات المحلية نابع من أنّ هؤلاء الزعماء أعلى منزلة من الزعامات الإيديولوجية الوطنية   .

   و فضلا عن ذلك ، تجدر الإشارة إلى أنّ غالبية الليبيين يحملون ثقافة صوفية تمثل امتدادا لحضور و تراث دعوي كبير ، فهي ثقافة عابرة للحدود الدينية و السياسية  و في وسعها توحيد الليبيين ؛ مثلما هو الشأن بالنسبة لنهج الطريقة السنوسية التي تُعتبر إطاراً ما فوق قبلي استطاع جمع القبائل التي تحمل نفس التوجه الروحي ، خاصة و أنّ هذه الطريقة قدّمت الوسطية والتسامح ، وتمكنت من بناء نظام سياسي متماسك استطاع التوفيق بين وحدات انتماء مختلفة ، كالقبيلة التي لم يهمشها عند بناء الدولة .

إن النموذج السنوسي كان أفضل تجسيد لنظرية ابن خلدون التي مفادها أنّ : ” العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة ” ؛ وعليه ، فالتصوف تجسيد للرفق و التسامح وهو نقيض التكفير ، و ضارب في جذور الذاكرة الليبية منذ أمد بعيد ، كما أنه لم يرتبط بأي حزب سياسي . و وفقا للاستبيان الوارد سابقا و الذي أُجري عام 2014، فإنّ القادة الدينيين ذوي الميول الصوفية شكلوا صورة إيجابية لدى عموم الليبيين، و ذلك مثل الشيخ الدكتور عارف النايض و الشيخ عبد الرحمن الأسمر عضوي ” رابطة علماء ليبيا ”  ؛ فأمثال هؤلاء يمكن أن يكون لهم تأثير في جميع الفئات العمرية ونفوذهم إيجابي جدا   ؛ و لذلك ، فلابد من الاستفادة من إمكانيات الزعامات الدينية التقليدية التراثية ذات المصداقية ليكون لها دور في حث أطراف النزاع على المصالحة و بناء السلام ، و ذلك من خلال :

* دعم عملية إعادة بناء الدولة الليبية من خلال الاستثمار الإيجابي في إدراك الليبيين المنفتح للشراكة المدنية الدينية ؛ و هي الشراكة التي تدعم إنشاء منصة حوار بين الزعامات التقليدية و قادة المجتمع المدني وخاصة النساء ، لبدء عملية السلام الشاملة و تحقيق التماسك الاجتماعي   .

* إعادة صياغة الخطاب الديني عبر اجتهاد وسطي جديد يستند إلى المدارس التراثية من أجل إعادة تفسير القرآن الكريم والحديث الشريف، مع تعزيز دعم التحالفات بين المؤسسات الدينية الليبية والمؤسسات الإسلامية الموثوقة كجامعة الأزهر وجامعة الزيتونة، قصد تطوير مناهج تعزز التسامح والسلام وتمنع التطرف العنيف.

* بناء استراتيجيات اتصال فعالة فيما بين الزعامات الدينية المحلية التقليدية لتعزيز الثقة، و ذلك من خلال الشفافية في العمل سواء مع وسائل الإعلام أو المجالس المحلية وإنفاذ القانون، مع ضرورة إنشاء آليات لحماية العاملين في المصالحة و الوساطة المحلية، خاصة وأنّ 70% من الليبيين متفائلون بأنّ هذه الزعامات الدينية المحلية يمكنها أداء دور إيجابي في مسعى إنجاح المصالحة الوطنية .

* الإشراف المباشر لمؤسسات الدولة في ليبيا على كل ما له علاقة بإعلاء مكانة الدين الإسلامي، و ذلك لسحب الورقة من أيدي قوى الإسلام السياسي ، مع منع تكوين أي حزب على أساس ديني أو جهوي أو قبلي.

الكاتبة: دكتورة نسيمة عموري ، تخصص: إدارة النزاعات و بناء السلم

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button