آخر خبرثقافة ومنوعات

رواية ” العمى” تكشف فضائل الناس وسيئاتهم

ديانا غرز الدين

العين هي مرآة الجسم و الروح و هي النافذة التي نطل منها الى العالم الخارجي. بواسطتها نستطيع ان نرى و نختبر عالمنا المادي بمشاركة حواسنا الاخرى. لا شك ان حاسة البصر هي من اغلى و اهم الحواس و لا يعرف قيمتها الا من فقدها. لا يستطيع الانسان المبصر ان يغمض عينيه بإرادته اكتر من دقائق معدودة حتى يبدأ بالشعور بالضيق و الضياع.  فكيف اذا فاجأه العمى من حيث لا يدري ؟

عادة ما تقوى الروابط الانسانية بين الناس عندما تحل عليهم مصائب مشتركة.  مثل الكوارث الطبيعية او الاوبئة الجماعية، فيبحثون عن الامان والمواساة و يستمدون الشجاعة من بعضهم البعض من اجل مواجهة مصير غامض و مجهول.  بالمقابل قد تبرز حالات فردية كثيرة من الانانية و انعدام الحس الاخلاقي اوالانساني لدى البعض .  هذه جميعها تصب في خانة الطبيعة البشرية التي تملك من التناقضات الغريبة ما يجعل من الصعب فهمها و تعميمها.  فكل شخص حالة خاصة، وكل شخص هو نتيجة تجارب و مواقف معينة جعلت منه ما هو عليه ..

” الصعوبة لا تكمن في معايشة الناس انما في فهمهم “، فاللص و المومس و الطبيب و زوجته و الكهل و الطفل و سائق التاكسي .. كلهم من شخصيات رواية ” العمى” ، لم تعد اسماؤهم او طبيعة اعمالهم و وظائفهم و اشكالهم الجسدية مهمة امام العمى ، ما اصبح مهما هو كيفية الصمود و الاستمرار في تفاصيل الحياة  التي تزداد صعوبة في كل يوم .

” كلمتان او ثلاث كافية لجعل الغرباء شركاء في التعاسة “، تقول الرواية التي نقش حروفها المضيئة الروائي البرتغالي جوزيه ساراماغو. هو المتمّز  بغرابة مواضيعه و فرادة اسلوبه الذي يمزج بين الدراما و الخيال، وهو المُركّز معظم رواياته على العنصر الانساني ، فيجعلنا ندرك نعمة البصر و نتخيل كمَّ الضياع و الظلام اللذين يتخبط بهما فاقدو البصر و مدى الاحباط و الشعور بالعجز و اليأس الذي لا يفارقهم. تضعنا هذه الرواية في حالة اختبار اخلاقي للصبر ولقدرة الاشخاص على مواجهة مصيرهم مع حفاظهم على ادنى صفاتهم التي تميزهم عن الحيوانات ، و على الفصل بين عماهم الفكري و الاخلاقي و عماهم البصري.

في حالة العمى الجماعي الفجائي تظهر حقيقة الطبيعة البشرية لكل انسان . منهم من يحاول المحافظة على الحد الادنى من انسانيته و منهم من تظهر لديهم الاساليب الهمجية و يتركون انفسهم ينحطون لاسفل الدرك بتصرفهم الغريزي و خاصة عندما يتعلق الامر بتلبية احتياجاتهم الجسدية، حينها لا تعود عندهم اي دواع للحشمة ولضبط النفس.

” الشيء المهم هو الا نفقد احترامنا لانفسنا”

” عندما يبدأ شخص ما بتنازلات صغيرة، فإن الحياة تفقد كل معناها في النهاية”

في رواية ” العمى” ، يصيب داء غريب لا يعرف له سببا سكان مدينة، يفقدون البصر جميعا ما عدا زوجة الطبيب التي تكتم الامر و تعمل ما بوسعها لمساعدة الاخرين، يعم الذعر و الفوضى. يزداد الوضع مأساوية عندما يبدأون بالتقاتل فيما بينهم على الطعام و الدواء. يتخبطون في عماهم و تبدو اخلاقهم و مبادئهم هشة امام الحاجة و الجوع. لكن تبرز في المقابل بعض الحالات الانسانية التي تتمثل بالطبيب و زوجته و جماعتهما. فبقيادة زوجة الطبيب المبصرة الوحيدة ، وإتحادها مع بعض الآخرين في مجموعة واحدة وتمسكهم ببعضهم البعض في هذه المحنة و اصرارهم على تجاوزها معا، عوامل  انقذتهم من الكثير من المواقف القاسية التي تعرض لها غيرهم من فاقدي البصر. فتحت بصيرتهم على عوالم داخلية في اعماقهم فبرزت مشاعر التعاطف والتكاتف وطبقوا مقولة ” الفرد للجميع و الجميع للفرد “.

” حتى في اسوأ المحن قد تجد خيرا كافيا يمكنك من احتمال المحنة”

هي رواية ممتعة و مرعبة في آن واحد، يتخللها الكثير من المغامرات والمواقف الصادمة .

جوسيه ساراماغو روائي عالمي و كاتب مسرحي و صحفي برتغالي ولد عام ١٩٢٢ و توفي في ٢٠١٠ . اسس بمشاركة الروائي التركي اورهان باموك ” برلمان الكتاب الاوروبي”. من ابرز اعماله ” انقطاعات الموت” و ” الانجيل يرويه المسيح ” ، الى جانب رواية “العمى” التي نشرت عام ١٩٩٥ و نالت جائزة نوبل للأدب ثم حولت الى فيلم سينمائي.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button