آخر خبرثقافة ومنوعات

علماء يُهشّمون الكتاب الفرنسي ” الله، العلم البراهين”

باريس-ميراي حدّاد :

بعد الضجة الكبيرة التي أثارها كتاب ” Dieu, la science et les preuves” (الله، العِلم والبراهين)، وبعد فقده أكثر من مرة من المكتبات، انقلب السحرُ على الساحر، وبدأت حملةُ تفنيد أضاليله وأخطائه العلمية الفادحة، ناهيك عن تصحيح الخلل الديني فيه والذي أراد إبراز أولوية الديانة اليهودية والتوراتية على ما عداها من الديانات في برهنةِ وجود الله بالعِلم.

لنعد أولا قليلا الى ما قاله الكاتبان وهما Michel-Yves Bolloré   و Olivier Bonnassies  في هذا الكتاب الذي هو  حصيلة بحث استمر ثلاث سنوات وبمساعدة 20 متخصصا.

  • حتى وقت قريب، كان الايمان بوجود الله يبدو متناقضا مع العلم. أما الآن، وعلى نحو غير مُنتظر، فيبدو أن العلمَ قد اصبح حليفا لله، وإن المادية التي صارت نوعا من الايمان عند البعض، تترنح يوما بعد آخر.
  • إن الموت الحراري القادم لهذا الكون بات مُحتّما، وهذا يفترض أن في أصل هذه الحرارة او الشُعلة، كان ثمة ما يُشبه الموقدة بحيث يوجد من وضع الحطب وأشعلُه. ولو كانت هذه الشُعلة موجودة منذ الأبد لكانت انطفأت خصوصا ان الكون يستهلك نفسه بسرعة كبيرة. وهذا ما يُثبت وجود بداية مُطلقة ويوجد خالقُ خلف هذه البداية. 
  • بعد قرنين من التقدم، صار ثمة إجماع حتمي، على أن هذا الكون سينتهي بموت حراري لا جدال فيه. فالشمس الموجودة منذ 4،5 مليار سنة، ستُنيرُنا لفترة زمنية مماثلة، قبل أن تصبح كتلة حمراء تبتلع الأرض والمرّيخ وتصبح قزما أبيض اللون، ثم تنطفئ دون رجعة، وهذا سيكون أيضا مصير النجوم بسبب نقص الوقود التي تُشعلها تماما كالحطب في الموقدة.
  • نُقدّر أن ما بين أربع الى خمس نجمات تتشكل حاليا في مجرّتِنا، وهذا يعني تشكُلَ نحو 300 ألف نجمة كل ثانية في المجرّات الأخرى التي يبلغ عددُها 2000 مليار مجرّة يتشكل منها هذا الكون. وفي خلال 1000 الى 100000 مليار سنة، سيتوقّف تشكّل النجوم وتبدأ بالانطفاء لانتهاء مخزون الغاز الضروري لنشاطها. وفي خلال 100000 مليار سنة تنطفئ جميعُها، وتبُرد ما يعني انتهاء كل أشكال الحياة ويبتلعُها الثقب الأسود.
  • إن الفكرة التي تقول بأن هذا الكون ليس فيه بداية، وان الصُدفة هي التي نظّمتِ الكونَ أو انه انتقل من العدم الى الحياة كظاهرة طبيعية، بدّدها العلمُ اليوم الذي أثبت وجودَ الله الخالق.
  • ان نظرية النسبية التي أسسها أينشتاين بين عامي 1905 و1915 والتي أكدها عُلماء كثيرون بعده، تؤكد ان الزمن والفضاء والمادة مترابطون، وأنه لا يُمكن لأحد هذه العناصر أن يوجد بلا العنصرين الآخرين، وهو ما يعني أنه لو وُجد سبب لأصل هذا الكون وترابط ما فيه، فهو حتما سببٌ غيرُ زمني ولا فضائي ولا مادي.
  • ان التنظيم الدقيق لهذا الكون، طرح مُشكلة كبيرة أمام علماء الكونيات الماديين لم يستطيعوا حلّها، فتحايلوا عليها باختراع نماذج غير قابلة للبرهنة حيال ما وصفوه بالأكوان المتعددة والمتتالية والمتقابلة. وهذه كلها سقطت الان وانهارت النظرية المادية المهرطقة.
  • ان علم البيولوجيا أو علم الاحياء الذي اقرّ في نهاية القرن العشرين حتمية التنظيم الدقيق لهذا الكون، قال بالانتقال من العدم الى الحياة، لكن هذا لا يُمكن تفسيره مُطلقا بفعل الصُدفة، وإذا ما كنّا حتى اليوم لا نعرف كيف حصل، فأننا عرفنا بالمقابل الكثير من الأمور التي تجعلُنا نؤكد عدم احتمال الصُدفة.

بغض النظر عن الأهمية الكُبرى التي أولاها الكاتبان للديانة اليهودية والانجيل القديم في القسم الثاني من الكتاب على أنهما أثبتا وجود الله دون أي ديانة اخرى، فإن نقد كتابِهما جاء على لسان أكثر من عالِم فرنسي هشّم سعيهما لإثبات موت المادية مقابل البراهين العلمية لوجود الله .

قال مثلا د. رافاييل دوكيه وهو عالِم في فيزياء الفضاء وبروفسور جامعي في جامعة غوته في ألمانيا :” ان الكاتبين ومن خلال اقصائهما للمادية على انها قناعة غير منطقية، فإنهما ناقضا نفسيهما، ذلك أن اقتراحهما لتبيان وجود الله في الطبيعة هو بحد ذاته نوع من المادّية، وربط ذلك بالعِلم هو أسوأ، لا بل هو نوع من المادية الفارغة، واذا كان كتابهما يقترح خطابا علميا روحانيا لخدمة العلم دون الاستناد الى مبادئه وموضوعه، ولخدمة الإيمان الذي أخرجاه فجأة من قلب الانسان، هو خلل كبير، ذلك ان قلب الانسان هو مكان اثبات وجود الله في بعده الأول”

وقال جان فرانسوا جونيست وهو أيضا بروفسور في العلوم التطبيقية للفضاء: ” يبدو ان المؤلفين لا يفقهان شيئا من أسس العلم وليسا بالأصل واثقين من انسجام تبريرهما، ولذلك أشرح للمهتمين وبلغة مُبسّطة، نموذجا ماديا، يرد على كل ما رفضه الكاتبان ويضعهما أمام خلل منطقهما العلمي، لا بل ويدمّر بضربة واحدة كل اطروحتهما”

ويضيف:” أنا مؤمن، ولكني لا أقبل أن يقوم مؤمنون، وربما عن حسن نيّة، بالتغرير بالناس من خلال ادعاء تقديم براهين علمية على وجود الله، وما زلت مقتنعا ان الكنيسة، ومنذ 2000 عام ، شرحت أن الإيمان بالله ليس مسألة عملية، وانما هي قضية إيمان ، ولذلك ابرهن في مقالي هذا خلو الكتاب المذكور من أي برهان علمي ” .

ومن النقاط الكثيرة التي يُفنّدها هذا العالِم:” ان فكرة الكاتبين بشأن الموت الحراري للكون على أنها تناقض الاطروحات المادية بشأن أبدية الكون، تُشير في الواقع الى أنهما يناقضان نفسيهما، وذلك بقولهما ان هذا الموت الحراري هو نتيجة المبدأ الثاني للحركية الحرارية “Thermodynamique” ، لكن دعونا نسأل، ما هو هذا المبدأ الثاني؟ في الفيزياء، غالبا ما يكون ” البديهي” مبدءا، اذا هو نوع من الاعتقاد الراسخ، لكن هذا في الواقع لا يُبرهن أي شيء، وهنا الكاتبان يستندان الى اعتقادهما الايماني كذريعة لإثبات وجود الله، وهذا بصراحة غير منطقي. والخطأ الثاني هو أن السيدين بولوريه وبوناسي وقعا في خلل فادح ذلك ان المبدأ الثاني هذا لا ينطبق على الأنظمة المُغلقة، والمعروف أن الكون مُغلق”، وبهذا فان المظهر العِلمي للكتاب يتعرّض لضربة قاصمة. ولذلك فان البرهان العلمي الوحيد لإثبات وجود الله هو من خلال لقائه.

وقد تم أيضا تفنيد ما عُرفت ب ” ظاهرة فاطمة ” التي حصلت في البرتغال  في أيار/ مايو عام 1917 حيث قيل ان ثلاثة أطفال من رعاة الأغنام بشّروا بظاهرة فضائية قريبة، وبالفعل تراقصت الشمس فوق منطقة فاطمة وشاهدها 70 ألف شخص . لكن بعض العلماء الفرنسيين قالوا ان هذه ظاهرة طبيعة جدا وحصلت سابقا وهي تظهر حين تتقاطع الشمس مع رذاذ من الجليد في الفضاء وذلك حين تتجمع كميات من الهواء البارد على شكل حبوب العدس بسبب رياح متواجهة. وحين تتقاطع الشمس معها وتعكس ضوءها تبدو وكأنها تتراقص في الفضاء.

يُشار الى ان مؤلفي كتاب ” الله، العِلم والبراهين” استندا الى هذه الظاهرة كواحدة من العجائب التي تُبث وجود الله، تماما كما قالا ان انتصار إسرائيل على العرب في حرب عام 1976 يُثبت وجود الله الى جانب الشعب المختار، لكن علماء فرنسيين قالوا ان هذا تحليل ساذج ذلك ان الحروب لا تستند عادة الى عدد الجيوش وانما الى الوسائل والخطط والذكاء فيها.

كما أن عُلماء من أتباع الكنيسة، انتقدوا سعي الكاتبين الى الربط بين الايمان والعلم، على اعتبار ان ذلك يُسيء الى المفهوم الايماني نفسه.

رغم كل الانتقادات العلمية، فما زال الكتاب يبيع كثيرا وذلك بفضل الدعاية الإعلامية الهائلة التي أحاطت به، وقد باع في يوم واحد أكثر من 100 ألف نسخة، ويقول دار النشر أنه منذ أعوام طويلة لم تحدث ظاهرة كهذه في مؤلفاته.

لا بُد من التذكير أيضا الى أن الكتاب الذي استند الى التوراة والانجيل وتحدث عن عجائب وإعجاز عند اليهود والمسيحيين لم يذكر مُطلقا القرآن سوى في مكان واحد ليؤكد ان القرآن أثبت نبوة السيد المسيح، وذلك رغم وجود عشرات الكُتب العلمية التي تحدثت عن الاعجاز العلمي في مرجع المسلمين.

وثمة من يُفسّر الانتشار الواسع للكتاب أيضا بانبعاث الأفكار الدينية في أوروبا وانكفاء الناس أكثر صوب الدين خصوصا بعد كارثة كوفيد 19 كورونا التي قلبت مقاييس كثيرة. 

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button