“أيها الانسان، لك الحقُ في الكسل”. يقول العلماء
روزيت الفار -عمّان
“فخ الكفاءة”. “ The Efficiency Trap”ما هو؟ متى نشأ وما أسباب نشأته؟ كيف يمكننا تجاوزه أو الخروج منه؟
هل تشعر بأنّ الوقت غير كاف ويمر أسرع ممّا عليك أن تنجزه؟
هل يدفعك الانتهاء من إنجاز ما؛ للقيام بالمزيد منه؟ وتشعر بأنّ كلَّ ما تفعله غير كافٍ؟
وهل حين تنهي مهامّك المخصّصة وتسلّمها قبل الوقت المحدّد؛ يُطلب منك القيام بأعمال أخرى؟
إذا كانت جميع إجاباتك “نعم” فأنت واقع بفخ الكفاءة.
بالرّغم من حداثة التّسمية وإضافتها لعلوم النّفس الحديثة؛ إلاّ أنَّ “فخ الكفاءة” كان يمارسه البشر دون غيرهم من الكائنات منذ القدم وبشكل تلقائي كأحد ضرورات البقاء؛ لكن دون أن يحظى باهتمام علميّ جادّ. يُعرّفه علماء النّفس الحديث بأنّه حالة القلق والتّوتّر الّتي يعيشها الفرد بسبب محدوديّة الوقت المتاح لإنجاز كمٍّ غير محدود من المهام؛ ما يؤدّي لانعكاسات سلبيّة على صحّته الجسديّة والنّفسيّة ويخفض من مستوى عمله ونوعيّة أدائه.
في كتابه الصّادر سنة 1880 بعنوان “الحقّ في الكسل”، اتّخذ المفكّر الفرنسي والنّاشط بمجال حقوق الطّبقة الكادحة زمن الرّأسماليّة وبعد قيام الثّورة الصّناعيّة؛ بول لافارغ “الكسل” كشعار ضد الاستغلال؛ مدافعاً عن حق حصول تلك الطّبقة على وقت حر أطول لممارسة التّرويح والهوايات الشّخصيّة؛ إذ كان يعمل أفرادها لمدّة 12 ساعة يوميّاً دون رحمة. انتقد لافارج بكتابه مبدأ تقديس العمل والّذي يدعو لترسيخ ثقافة وأيدولوجيا التّفاني به وربطها بالتّقدّم والنّمو؛ ونشره عبر أُسس دينيّة لكونِها السّبيل الأمثل لاختراق عقول البسطاء وإقناعهم. جاءت الثّورة الصّناعيّة لتسلّط الضّوء على أهميّة الانتاج وقيمة الوقت؛ فما كان لذلك إلاّ أن عزّز العمل الشّاق والقلق النّاتج عنه، وهو ما مهّد الطّريق نحو فخ الكفاءة دون أيّة فرصة للنجاة من الوقوع فيه. إذ كان من الصّعب على أحد أن يتوقّف عن التّفكير بضرورة بذل جهد أكبر في عمله إن هو أراد العيش.
فبدل أن تحقّق الثّورة الصّناعيّة ودخول الآلة راحة للأفراد كما كان مُتوقّعاً؛ حصل العكس تماماً، فقد صار النّاس أكثر استعباداً وأضحت الآلة أكبر منافس يهدّد بقاءَهم داخل عملهم وبات الاستغناء عن خدماتهم أمراً مطروحاً، ما أجبرهم على بذل جهد مضاعف وتمديد ساعات عملهم.
وُصِف القرن التّاسع عشر (قرن العمل) بقرن البؤس والمعاناة والفساد وتبعه القرن العشرون بتجذّر الأنظمة الّتي تسمح باستغلال المقدرات البشريّة وإنهاكها وحرمانها من أبسط متطلّبات الرّفاهيّة بهدف جني أعلى الأرباح والتّحكّم بالسّوق بغياب القيم الإنسانيّة الّتي تتطلّب احترام حاجات وحقوق الفرد الطّبيعيّة.
لم يكن “كوفيد 19” في بداية القرن ال21 أقل قسوة من الآلة والأنظمة الرّأسماليّة في رصده لمقدرات وطاقات البشر، فمع تداعيات هذا الوباء ولجوء العدد الأكبر من المؤسّسات والشّركات إلى التّخفيف من عدد العاملين فيها، ازدادت مسؤوليّات الفرد وأصبح السّقوط بفخ الكفاءة قسريّاً، وضاعف تحوّل العمل من المنزل ثقل الضّغوطات عليه في تأمين بيئة ملائمة لعمل مريح ودون تشتيت للتّركيز كي يقدّم عملاً جديراً بإعجاب وتقدير المسؤولين وحسن تقييمهم.
مستبعداً لأسباب فخّ الكفاءة ومُتداركاً لمدى خطورة الانزلاق فيه، قام علمُ النّفس الحديث بطرح حلولٍ ونصائحَ عمليّةٍ لتجنّبه. إليكم بعضها:
- معرفة أنّ العمل لا يجلب إلاّ عملاً آخر.
- لا يمكنك أن تفعل كلّ شيء لكلّ النّاس وفي كلّ الأوقات.
- ضرورة الانتباه لحقيقة أنّه غالباً ما تأتي الكفاءة (وهي قدرة إتمام جميع الأعمال ضمن الفترة المحدّدة) على حساب الفاعليّة (جودة ونوعيّة العمل). أي أنّ كفاءَتك لا تعني بالضّرورة فاعليّتك. فتمهّل.
- إنهاؤك لمهامّك وتسليمها قبل الموعد المحدّد يعطي انطباعاً بأنّك سريع وكفؤ وأمورك بخير، فيوكل إليك القيام بالمزيد منها.
- من المقبول أن يكون عملك أحياناً عملاً عاديّاً ؛ فبحثك عن الكمال بجميع ما تنجزه؛ يسبّب لك المتاعب.
- استبدال “جدول واجباتك اليوميّ To-do List” بقائمة “المنجزات اليوميّة The Have-done list” وتسجيل كلّ ما تنجزه حتّى وإن لم يكن ضمن القائمة الأولى، فجميع الأعمال مهمّة.
- أخذك لأقساط من الرّاحة وتمتّعك بإجازة من حين لآخر يشحن طاقتك ويزيد من قدرة تركيزك.
- تجنّبك التّسويف وحبّك لما تفعله الآن؛ ربّما يكون مكمناً لسعادتك وراحة بالك.
بالنّهاية نبقى كبشر بحاجة لتطوير جاد لمفهوم الاستمتاع بالحياة بدواخلنا بحيث يحقّق حبُّنا للعمل حبَّ الحياة وليس العكس، ونتحرّر من “دودة” العمل الّتي تجرّنا لفخّ الكفاءة الخبيث دون أن نعتمد “الكسل” بمفهومه السّلبي من التّخاذل والتّقاعس بل بمفهوم حسن إدارة الوقت وتقنين العمل.