آخر خبرافتتاحية

بن سلمان ربح ماكرون ضد بايدن..ماذا عن لبنان؟

سامي كليب:

يصعُب النظر الى الزيارة الهامة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى الرياض والقمة التي عقدها مع ولي العهد الامير محمد بن سلمان والاتفاقات الهامة التي تخللتها، بمعزل عن علاقة الطرفين الفرنسي والسعودي المضطربة مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ( رغم مساحيق التجميل الأخيرة بين واشنطن وباريس). فالوفد الاقتصادي والتجاري والصناعي والثقافي الكبير الذي رافق سيد الإليزيه، والاستقبال الحافل الذي لقيه  ماكرون، والبيان الختامي الشامل واللافت حول تعزيز العلاقات الاستراتيجية السعودية الفرنسية، أمورٌ كبيرة ولن تُعجبَ حتما سيد البيت الأبيض الذي يرى أن كل ضغوطه على ” الأمير المتمرّد” قد باءت بالفشل.

           ويصعُبُ أكثر تصديقُ بعضُ التعليقات اللبنانية السياسية والإعلامية الساذجة أو التي صدرت عن “جهابذة” التحليل السياسي، والتي تعتقد أن العالم كله يدور حول لبنان، وأن الرئيس والأمير كرّسا جلّ لقائهما للحديث عن الأزمة اللبنانية بعد استقالة الوزير جورج قرداحي. فهذا وهمٌ لُبناني مستمرٌّ منذ عشرات السنين، ويرافق كل قمة دولية وكل لقاء، ولذلك تنتهي التوقعات بالخيبة. فما قيل عن لبنان، وبشكل ضيّق، هو تبنٍّ شبه كامل للنظرة السعودية التي تقول بنزع سلاح حزب الله ووقف الإرهاب وتصدير المخدرات ونشر الجيش وتطبيق القرارات الدولية، أما قضية المساعدات فهي أمر طبيعي كي يقال ان ماكرون لم يعد خالي الوفاض، فاذا كانت باريس تتبنى أيضا هذه المطالب الاّ أنها ومنذ سنوات على تشاور وتنسيق مع حزب الله، ولن تغير السعودية موقفها جذريا الى بتغيير المعادلة الداخلية اللبنانية أو بالتفاهم مع إيران لاحقا.  

الأهم إذا في القمة هي العلاقات الثنائية وليس المواضع الإقليمية. فالبيان الختامي تحدث عن آفاق ” جديدة وواعدة للشراكة الاستراتيجية ” بين السعودية وفرنسا، وعن الاستمرار في ” توسيع نطاق التعاون في شتى المجالات وتعزيز الشراكة الاقتصادية وتعزيز مشاركة القطاع الخاص واستغلال الفرص النابعة من رؤية المملكة 2030″ وسوف تكون زيادة كبيرة في تعاون الشركات الفرنسية في الطاقة وإدارة المياه والنفايات والمدن المستدامة والنقل والطيران المدني والاقتصاد الرقمي والصحة والبيئة، إضافة الى تعزيز استثمارات القطاع الخاص السعودي في السوق الفرنسي، ناهيك عن التعاون البيئة والثقافي الكبير. هذه مجالات واسعة وهامة وتؤسس لمرحلة جديدة تماما.

فبعد الشراكة الكبيرة مع الصين حيث فاق التبادل 80 مليار دولار سنويا، والعلاقات التي تكُبر مع روسيا ودول آسيا، تطمح فرنسا لان تكون الشريك الأوروبي الأكبر مع السعودية ودول الخليج، وهو طموح مُبرّر من وجهتي النظر الفرنسية والسعودية، أولا لأن الجميع ما عاد يثق بالخطوات الأميركية المُقبلة والتي قد تكون مفاجئة بعد الانسحاب من أفغانستان. ثانيا لان واشنطن قد تُضحّي ببعض مصالح الحلفاء لأجل الاتفاق النووي مع إيران، وفي هذا السياق الإيراني يُمكن الحديث عن تقارب كبير بين النظرتين الفرنسية والسعودية، ذلك أن البلدين يريدان منع طهران من تطوير سلاحها النووي، وتقليص دورها (الذي وصفه البيان الختامي بالمزعزع) في المنطقة، ويضغطان كيلا تتنازل واشنطن عن كل شيء مقابل أي اتفاق، وثالثا لان توسيع التعاون يخدم الطرفين عميقا في هذه المرحلة الصعبة عالميا.

وكما ان الأمير محمد بن سلمان تعرّض لضغوط أميركية كبيرة منذ وصول بايدن الى السلطة ويحاول تحدّيها والرد عليها إما بالتصريح أو ببعض الخطوات (كان آخرها النفط)، فإن فرنسا أصيبت بصدمة كبيرة حين انتزعت منها أميركا انتزاعا صفقة الغواصات مع استراليا واستبدلتها بغواصات أميركية. لذلك فان مصلحة الطرفين هي في تعزيز التعاون الاستراتيجي لكن دون قرار القطيعة مع واشنطن، وانما في مجال تكثيف الضغط عليها.

لا شك ان ماكرون بحاجة الى عقود تجارية وصناعية كبيرة مع الخليج، فهو على أبواب الانتخابات الصعبة التي يواجه فيها خصوما أقوياء من اليمين المتطرف، ومعروف أن لمصانع السلاح والشركات الكبرى لوبيات مهمة. ثم إنه بعد الركود الصناعي والتجاري الكبير بسبب جائحة كوفيد 19 (كورونا)، فإن هكذا اطلالة اقتصادية وسياسية كبيرة على الخليج، من شأنها تحسين صورة الرئيس( ولو أن الأمر صعبٌ جدا الآن) كمُنشّط للاقتصاد في بلاده.

كذلك فإن الأمير الذي صار بعض الإعلام يصفه ب ” المتمرّد”، وبعد ان ركز جزءا كبيرا من اهتمامه على الداخل السعودي وعلى الشباب وعل المدن الحديثة والمشاريع الاقتصادية الهائلة التي تضمها رؤية 2030، ربح في زيارة ماكرون 4 أهداف، أولها في مواجهة بايدن، وثانيها في إعادة تموضعه عالميا بعد الضغوط التي مورست عليها بسبب مقتل جمال الخاشقجي وحرب اليمن، وثالثها لتشجيع الاستثمارات الغربية الكُبرى التي تحتاجها هذه الرؤية، ورابعها في أن الرئيس الفرنسي صار يتعامل مع الأمير على أنه الملك المُقبل بلا منازع. 

أما المواضيع الإقليمية فهي بالأصل محور اتفاق تام بين باريس والرياض، فهما يريدان حل الدولتين مع القدس الشرقية لفلسطين، وحلا سياسيا في سورية واليمن، ودعما للعراق، والفارق الوحيد بشأن لُبنان هو أن فرنسا تريد انخراطا سعودية في المساعدات الإنسانية وهذا قد يتم لكن ليس بالطرق التقليدية وانما عبر مؤسسات خاصة ومراقبة دقيقة بحيث لا يفيد منها حزب الله أو حلفاؤه كما تقول الرياض.

والسؤال الآن: هل تبلع وتهضم واشنطن، ما حصل في نهاية هذا الأسبوع في الرياض والامارات؟ ربما من الصعب ذلك، لكن لا شك أنها لا تستطيع رفع مستوى الضغط بينما الأفق مع إيران ما زال ضبابيا. الأمير بذلك ربح معركة ضد واشنطن، فهل يربح الحرب؟ للننتظر رد فعل واشنطن المُباشر أو غير المُباشر كي نستطيع الحكم.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button