شباب 20

كيف ننافس أميركا ونقارعها؟

ناجي الأمير

كثير من البشر عبر العالم يسألون ويبحثون عن سر تحوّل أميركا في فترة قصيرة من القرن الماضي، وتحديدا بعد الحرب العالمية الثانية الى القوة الأولى في العالم. وكيف وصل بها الأمر الى حد القدرة على منع محاكمة أي مواطنٍ أميركي في العالم، بينما هي قادرة على احتلال أو إخضاع  أو محاولة إخضاع من شاءت بالقوة أو العقوبات أو الانقلابات، تماما كما هي قادرة على إغرائه بالثبات والبقاء والزعامة لو سار في رَكبها.

لو عدنا فقط الى الأفلام التي انتجتها امريكا في منتصف تسعينات القرن الماضي، لشاهدنا افظع وابشع الجرائم التي ارتكبت بحق السكان الاصليين لأمريكا، الهنود الحمر، لكن قدرة الإخراج الأميركية جعلت مشاهدي الأفلام يتعاطفون مع الأميركي الأبيض ضد الهندي، الا من قِبَلِ من كان يرى أن الحقيقة هي في مكان آخر.  هنا بالضبط بدأت القضية، فالاعتماد على الاعلام والدعاية والسينما كان هائلا في تسويق صورة القائد المنقذ.

الى أميركا تم سوق ملايين العبيد من إفريقيا والعالم الفقير، فنُكّل بهم وحُرموا من أبسط حقوقهم لعقدين، لكنهم بقدرة قادرة تحوّلوا الى جنود يقاتلون لأجلها وصار بعضهم يصل الى مناصب عليا ويفاخرون بحمل جنسيتها كما يفاخر كل أجنبي جاء من دول متقدمة او فقيرة، حتى ولو بقيت العنصرية حاضرة ولو نسبيا وتجلّت بأبشع صورها في خلال مقتل جورج فلويد على يد شرطي أبيض. أما نحن فنعيش مع بعضنا وبيننا قرابة دم ومصاهرة وبيننا وحدة أديان في منابع الاديان، منذ الف عام ولم نعرف ان نحب بعضنا ولا حتى ان نصبح مواطنين.

اطفالنا يتسمّرون امام الإنتاج الأميركي  من الرسوم المتحركة، وعندما يتعلمون القراءة يصبحون اسرى قصصها المصورة، وما ان يجتازوا المراهقة الى النضج، حتى يقودهم خيالهم الى العاب الفيديو التي تقدّم  شخصيات واشكالا لا تشبهنا. يندمجون بها، يحفظون اسماء شوارع امريكا اكثر من زواريب الشوارع في اوطاننا، وعندما يكتمل نضوجهم يحلمون بالهجرة اليها، ويتمنون حمل جنسيتها.  وهي هي تكنولوجيا وسائل التواصل الاجتماعي، تقتبس عادات أميركا ونماذجها في الفن والثقافة والغناء والعادات اليومية، ونحن ما زلنا نفاخر بأكبر صحن تبولة، وأكبر رأس فلافل في الشرق، وأكبر طاجن أو طبق كسكسي في المغرب.

عليك فقط ان تراقب رواتب ومناصب خرّيجي الجامعات والمعاهد الأميركية، وكيف يتهافت العالم عليهم، لتعرف لماذا يحكمون ويتحكمون، ويصنعون ويستثمرون، ويبنون ويخترعون ويبقون السبّاقين في كل شيء، فكيف لا يكون حلم كل أب أن يُرسل أبنه الى أميركا ليصبح مثلهم؟

باتت تلك الورقة الخضراء المسماة دولارا، حُلم القسم الأكبر من سكّان هذا العالم، من شرقه الى غربة ومن شماله الى جنوبه، بينما نحن نطبع أموالنا على أوراق قد لا تصلح بعد حين علفاً  للحيوانات.

ما لا تراه العين، يشغله الخيال، فالتقدم التكنولوجي الكبير الذي نصّب أميركا قائدةً لأبرز محرّكات الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي، جعلت الفرد عبر العالم غارقا في المعلومات والاختراعات والصناعات والدعايات والاخبار المسموحة أميركيا، وجعلته يظنّ أنه بمجرد أن يفتح الكومبيوتر أو الهاتف فهو مراقب في كل حركة ونفس.

كثير من الدراسات ظهرت في العقدين الماضيين، تتحدث عن القدرة على التحكّم بعقول الناس وقلوبهم. فحتى معجون الاسنان جذب الكثير من الروايات والخرافات عمّا توصف ب ” نظرية فلوريدا”. ما من شيء يحصل في هذا العالم من انقلابات وتقلبات وربيع وخريف  وتصحر وأعاصير وفيروسات وعلاجات، الا ويقال إن أميركا خلفه .

لو وقعت حربٌ يقال أميركا، ولو حصل السلام، تُشكر أميركا. ولو ضعف طرف يستنجد بأميركا، ولو اشتد عوده يتحالف مع أميركا. صدّقنا أن سوبرمان ليس شخصية اسطورية من الأفلام والرسوم المتحركة وانما هو نموذج صارخ عن قدرة أميركا على انقاذ العالم وضرب الأشرار.

  سوبرمان قادر على الطيران وانقاذ العالم وهو لا يموت، باتمان يحارب الجريمة ليقيم العدالة، الجوكر حلّ مكان الشيطان، وبالرغم من أن أعمار هذه الشخصيات الوهمية قصيرة، الا أنها صارت تُعامل كالأنبياء، فيعرف الناس عنها أكثر مما يعرفون عن الرسل والانبياء

لقد غيرت امريكا العالم وقلبت المفاهيم.

يمكن ان يكتب يوميا عن امريكا عشرات الكتب، بالدين والسياسة والاقتصاد والفلسفة والصناعة والتكنولوجيا والاكتشافات، رغم أن العمر الأميركي لم يتجاوز 250 عاما  ، بينما كل هذه الأمم منذ  نبي الله ابراهيم تكرّر التجارب نفسها وتستنجد بالتاريخ حين تقصّر في الحاضر، ومن خرج من هذه الدوّامة، قلّد أميركا في العلم والمعرفة والاقتصاد.

لم يكن عدد سكان أميركا قبل قرنين أكثر من مليوني شخص،  بينما كانت الامة الاسلامية والعربية 120 مليون  شخص واكثر، فأين أصبحت أميركا اليوم وأين نحن منها.

قد يسرد المرء عشرات الأسباب حول سبب تفوق الولايات المتحدة الأميركية، لكن الأكيد أن السبب الأهم هو انها تركت الناس يتكلمون، وخلاصة حكمة الكلام خطّته الاقلام، والاقلام ايقظت الاحلام. لقد دعمت امريكا كل مبدع ومنتج ومخترع، كي يحول هذه الاحلام الى افلام، والافلام الى حقيقة، فمن يصدق ان رواية الخيال العلمي ستار تريك عام 1966 للكاتب جين رودينبيري التي لم يكن يتقبلها عقل  وهي تتحدث عن الهاتف بكاميرا والتحدث مباشرة، حين كان 90%   من العالم لا يملكون التلفاز الابيض والاسود، تصبح حقيقة عام 2000.. بينما نحن منذ الف عام نحوّل الأحلام الى أوهام، فتموت الأوهام وتنتحر الأحلام.

لن نصبح في مصاف امريكا حتى نطبق ما قاله العالم المصري الشهير، أحمد زويل«الغربيون ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء؛ هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل…لعل الصين واليابان والهند فهموا ذلك تماما، فتقدّموا بالعلم والتكنولوجيا الى حد المنافسة، ومن لا يملك العلم والتكنولوجيا غدا سيساق كما سيق العبيد قبل قرنين من الزمن ليصبح عبدا جديدا عند من يملك المعرفة.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button