ثقافة ومنوعات

الجميلات النائمات،روايةُ محاربةِ الشيخوخة بطريقة غريبة

ديانا غرز الدين

ماذا لو خانك العمر و الزمن و خانتك الذاكرة ، و اصبحت اسير ذكريات الماضي و اسير مخاوف خفية،  كالخوف من العجز و من الفقد، من الوحدة التي لا مهرب منها و من النهايات غير المتوقعة؟ و ماذا لو غرقت في تلك المنطقة الغائمة بين الموت و الشباب ، بين كآبة الشيخوخة و لهيب الفتوة و الصبا ؟

قد يدفع الخوف من الشيخوخة او رهاب التقدم في العمر بعض الناس لطرائق في السلوك غريبة او بعيدة عن السلوك الطبيعي . فيحاولون بشتى الطرق التي قد تكون شاذة احيانا استعادة امجاد شباب غابر و عمر مضى.

رواية “الجميلات النائمات” ذاتُ  موضوعٍ صادم طريف و غريب. تكمن غرابتها في اختلاف الثقافات . لذلك فهي قد تخيفك و قد لا تثير اعجابك او رضاك الى حد كبير و قد يكون انطباعك عنها مختلفا لكنها حتما تثير الفضول و تستحق التجربة.

 هي رواية تصف مآسي الشيخوخة و الرغبة من قِبَلِ عجائز  مصابين في رغباتهم، حيال استعادة الزمن ووهم الشباب الذي ولى الى غير رجعة.  ففي غرف سرية لفتيات صغيرات السن عذراوات ينمن الليل كله تحت تأثير مخدر قوي ،يدخل المتقدّمون بالسن لقضاء الليل بجوار الفتيات النائمات بغية استعادة وهم شبابهم الضائع و حيويتهم الزائلة من خلال مغامرة اخيرة لاستعادة ما تبقى من لذة من شيخوختهم البائسة.

“ايغوشي” العجوز ذو ال ٦٧ عاما تعرّف الى منزل الجميلات عن طريق صديق له مدفوعا بفضوله و بحب الاستكشاف لكل ما هو غريب و خارج عن المألوف. خمسُ ليالٍ امضاها في منزلهن ينام كل ليلة بجوار فتاة مختلفة، يراقبها طول الليل ( المساس بهن هو شيء ممنوع حسب قانون المنزل) ، وتكون مغامرته هذ بوابة عودته في الزمن الى الوراء حيث تجتاحه ذكريات من خلال رائحة او لون او تفاصيل معينة بجسد  الفتاة النائمة بجواره فيستعيد احداثاً و نساءً مررن بحياته من خلال لقطات سريعة تكون فرصة للغرق في تأملات طويلة.  لكن في خلال ذاك الانتقال السلس بين مشاهد الذاكرة و الاحاسيس التي تثيرها تلك المشاهد و الذكريات، تنتهي الليالي الخمس بموت مفاجىء للسمراء النائمة بجواره.

 ياسوناري كاواباتا روائي ياباني ولد عام ١٨٩٩ و توفي عام ١٩٧٢ اشتهر بالابداع النثري المكتوب بلغة شعرية غامضة  و هو اول اديب ياباني يحصل على جائزة نوبل للادب عام ١٩٦٨ . من مؤلفاته : “طيور الكركي” و  “جمال و حزن” .

كتاب عميق غني بالوصف و التعبير و هو كالرسم بالكلمات و يتميز بسرده الهاديء و ايقاعه البطيء.  استطاع الكاتب ان يفسر العواطف التي يمكن ان تجتاح العجائز بشكل دقيق و يصف حنينهم الى الشباب و عجزهم امام الزمن و قسوة العمر. دقةُ الوصف تلك  تجعلك شاهدا صامتا على عواطفهم و شريكا لهم في مغامرتهم الغريبة من خلال ما يمرُّ به ايغوشي العجوز من استدعاءات لماضيه و احلامه و كوابيسه و هلوساته اثناء نومه بجوار العذارى النائمات.

” انت و حلمك العاري لا تعلمين

تنامين كلا لا تعلمين، و انا في السهاد

و انت بريئة، تنامين تحت السماء

انت في حلمك و في البحر السفين “

معظم النتاج الأدبي من بلاد الشرق الاقصى كاليابان و الصين و الهند يأتي مشبعا بالحكم و التأملات لكثرة اعتقاد شعوب تلك المناطق بقضايا الروح و علاقتها بالجسد. و هو نتاج غني يغوص في اعمق مناطق النفس البشرية و رغباتها المدفونة  المتارجحة بين الحياة و الموت والرغبة و الحب .

صدرت هذه الرواية عام ١٩٦١ عن دار الادب و ترجمته الى العربية ماري طوق ، وقال عنها الروائي الشهير غابرييل غارسيا مركيز انه :” الكتاب الوحيد الذي تمنيت لو أني كتبته”، وهو شبيه جدا بروايته ” ذكرياتي عن عاهراتي الحزينات ” من حيث الفكرة و الموضوع.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button