آخر خبرافتتاحية

الربيع اللبناني الممكن.  

سامي كليب:

                حين بلغ الفسادُ ذروته في مصر وتونس ودخلت عائلةُ الرئيسين حسن مبارك وزين العابدين بن علي في الصفقات على حساب الشعب، تحرّك الشعبُ ولاقاهم جيشا البلدين، وحصل غطاءٌ أو غضّ طرف دولي، فسقط حسني مبارك وزين العابدين بن علي رغم أنهما كانا حليفين استراتيجيين للغرب. وهذا ما حصل لاحقا في الثورة السودانية اللافتة بدعم الجيش (لكن الغطاء الدولي أراد دفع البلاد لاحقا الى التطبيع) ثم في الجزائر التي شهدت ثورة شعبية مثالية باستقلاليتها وسلميتها فأسقطت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وشقيقه سعيد والمقرّبين منهما دون أي تدخل خارجي وبدعم من المؤسسة العسكرية. أما في ليبيا فقد ساهم التدخل الدولي في قتل العقيد معمّر القذافي (لأسباب غير ديمقراطية حتما) وتفتتت البلاد على وقع الإرها. وأما في سوريا فقد بقي الجزء الأكبر من الجيش الى جانب القيادة وحين حصل تدخّل إقليمي ودولي مع أو ضدّ الرئيس بشار الأسد طال أمد الحرب، لأنه كان المطلوب إطالتها قدر الإمكان بغية تدمير سورية قدر الإمكان وإخراجها من التحالف مع إيران وحزب الله.

لا ينطبق على لبنان أي من هذه الحالات، فهنا لا يوجد نظامٌ واحد لإسقاطه وإنما مجموعة من أنظمة مذهبية تجمعها مصالح سياسية ومالية كبيرة، وساهمت جميعها تقريبا في دمار البلد. وهنا لا يوجد جيشٌ قادرٌ على الاستقلال تماما رغم وصوله الى حافة الفقر كما الشعب، ذلك لأن المؤسسات العسكرية والأمنية جميعا في لبنان مُخترقة من قبل قادة المذاهب. وهنا لا يوجد خصوصا شعبٌ موحّد ضد كل الظُلم الذي يتعرّض له رغم تخطي هذا الظلم كل الخطوط الحمر، فمعظم الشعب أيضا خاضعٌ لموروثات المذهبية والتبعية التي أقنعه بها قادته ، لذلك فأن القسم الأكبر منه ما زال يعض على الجرح والفقر والمرض والعوز كي لا يعرّض مذهبة أو زعيمه أو قائده للاهتزاز.

مصيبةٌ واحدة من التي تعرّض لها الشعب اللبناني كانت كفيلة بإسقاط أهم حكومة ونظام في العالم، لكن القسم الشجاع من الشعب الذي تحرّك على الأرض لأجل لقمة عيشه وكرامته، تعرّض لانقسامات داخلية أو لضغوط أو لاختراقات أو للقمع في فترة اجتياح فايروس كورونا، فانكفأ وقد يعود مجدّدا الى الشوارع لان لا سبيل للخلاص بغير عودته.

لا شك أن انهيار اقتصاد لبنان ودمار الدولة والمؤسسات، لم يكونا فقط بسبب تآمر وغباء ومحاصصة وجشع وفساد المافيا السياسية- المالية التي تحكمه منذ عقود.  فلبنان كان وما يزال ساحة فُضلى لصراع المحاور. ولذلك فالانهيار وتفجير المرفأ وفقد المقوّمات التي استند اليها الاشعاع اللبناني أي الخدمات والتعليم والاعلام والطب والسريّة المصرفية والسياحة، ليس بالصدفة، تماما كما أن العقم الحكومي، والتحقيق بتفجير المرفأ، والانتخابات المقبلة ليست أمورا عابرة في وطن عادي. لا بد يُمكن العودة الى أبعد من ذلك، الى ما بعد اجتياح العراق واغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لطرح أسئلة مفصلية حول الفتنة المذهبية المطلوبة.

لذلك فإن لبنان يقفُ اليوم بين انهيار نظام، والبحث عن نظام بديل، فتُشحن النفوس بالمذهبية، وينكفئ كل قائد مذهب وطائفة صوب مجموعته، يفكّرون بحصتهم المذهبية والطائفية والشخصية المقبلة بعد أن تنجلي أمور المنطق بصفقات أقليمية-دولية أو بحرب طاحنة، وكأنما كل نقمة الناس لا تعنيهم.

وأما المجموعة الدولية التي تعزّز حاليا ” المساعدات الإنسانية” للشعب أو للجيش، فهي تعرف تماما ما تفعل ولذلك تكتفي بالمساعدات. هي لا تريد الضغط الحقيقي لنهوض الدولة وإنما تغض الطرف عن استكمال مراحل الانهيار، بغية تحقيق توازنات جديدة والمشاركة في التأسيس المقبل. وجلّ ما ستفعله هو ضبط الانهيار كي لا يخرج عما هو مقبول وتفاديا لإنتاج موجات من الإرهاب أوالهجرة بالقوارب صوب الشمال الأوروبي، كما أنها ستضغط لاجل انتخابات تسمح بإدخال مجموعة صغيرة من النواب المستقلّين، بينما في الجانب الأوسع، تستمر لعبة المحاور وصراع الأمم فوق جثة الوطن.

بين المافيا المالية-السياسية التي دمّرت البلد وتتفرج عليه حاليا ذارفة دموع التماسيح، ورسم الخرائط بين المحاور، لن يُسمح للبنان بالنهوض قبل جلاء المفاوضات الأميركية الإيرانية، وقبل الاتفاق على كيفية انهاء الحربين السورية واليمنية، وقبل اتخاذ القرار الدولي الأكبر بالقبول أو بمحاربة حزب الله المتهم من قبل الغرب وبعض العرب بأنه يسيطر على كل مفاصل البلاد.

لو أن الشعب الذي تعرّض لكل صنوف الظُلم، أراد غير ذلك، لاستطاع، فالأبواب مشرّعة تماما الآن، وسط نقمة واسعة على الأحزاب والسلطات والسياسيين التقليديين من خارج وداخل الأحزاب نفسها، ونقمة مماثلة من قبل الجيش، واستعداد دولي للقبول بتغيير المعادلة لو نجح الناس… هذا ممكن بشرطين: أولهما برنامج وطني وقيادة واضحين، وثانيهما أن يكون هدف البرنامج انقاذ الوطن وليس تشريع الأبواب لأعدائه.

بغير ذلك، سيبقى ما بقي من المافيا قادرا على احتقار الشعب ورفع الدعم عما بقي من أوكسيجين الحياة، وسيختنق الناس وهم واقفين مقهورين في الطوابير الطويلة ينتظرون دورهم للبنزين والمازوت والدواء والغذاء، ويعدّون كم جولة حصلت بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، للاتفاق على مذهب الوزير العتيد.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button