ثقافة ومنوعات

رواية “خريف الدرويش”: غوايةُ الصحراء وشجاعةُ الحياة

ديانا غرز الدين

قد تكون حياة الصحراء الرتيبة و الجافة و المتمادية في قسوتها، هي ” سر الكون”،  و مرتع لعالم اسطوري و خيالي لن تعلمَ عنه شيئا دون ان تقرأ على الاقل كتابا  لإبراهيم الكوني،  الكاتب الليبي سليل قبائل الطوارق الشهيرة والأصيلة. ذلك أن ابن الصحراء الكبرى الذي اختار ادب الصحراء و تفرد في وصفها و ابدع في تصوير مناخاتها و طبيعتها،  حيث حبات الرمل تنطق بقصص و اساطير و نبوءات لعالم غريب و زمان و مكان يختلفان تماما عما اعتدنا..

بغرابة اسلوبه و فلسفته ذات النفحة الروحانية يجعلك  الكوني تشعر بالاندهاش في عوالم مليئة بالسحر و قصص الجن و الاساطير و النبوءات و شريعة الناموس ( انهي) غير المكتوب و المتوارث عبر الاجيال.

 ستجعلك هذه الرواية حتما تعشق الصحراء بكل غموضها و سحرها . و تغوص داخل اعماقك لتستكشف متاهات من افكار و حكم و رؤى عن جدوى  الحياة و الموت وتعاقب الفصول و السنوات، و عن التضحية و ضعف النفس البشرية امام جبروت الصحراء و عظمة ناموسها، وعن غواية الساحرات و مكائد الاعداء و نبوءات العرّافين و حكمة زعيم القبيلة و شجاعة فرسانها. هناك في هذا العالم الساحر، قد تكون اشعار الهجاء او المديح  سببا في رحيل او عودة احدهم.

رواية “خريف الدرويش” هي مجموعة قصصية مترابطة تدخل في اعماق الشخصيات وتبرع في تصوير التراث الصحراوي المتمثل في التعاليم الدينية الموجودة في الناموس الالهي و الاساطير عن الحية و الارنب و الناقة.  تحكي عن الحب و الشهوة و التخلي. وعن  الصراع بين الحياة او الانقطاع، الاقبال او الاعتزال، الدنيا ام التوبة، الشهوة ام العشق.  و تشرح كيف ان الاستهانة بتعاليم الناموس قد تجر البلاء على الصحراء من جدب و اوبئة و جيوش غزاة.  و كيف ان التضحية بالابن الوحيد قد تكون قربانا من اجل ابعاد اشباح الظمأ و العطش.

” الجبن ليس الادبار امام الموت، لكن الجبن حقا هو ان نفقد الشجاعة كي نحيا”

“…ذلك الشذى الذي لا يرقى اليه اريج الرتم، ولا ينافسه عطر الترفاس ولا تضاهيه عطور الجنيات عندما يقررن ان يصرعن رجلا من اهل الخلاء.  ذلك هو شذى جسد العاشقة عندما تخرج لملاقاة المعشوق..”

هذه الرواية هي مرجع في اللغة العربية من حيث غناها بالمفردات و التعابير المجازية و البلاغية التي تحتاج الى قراءة عميقة و متأنية لفهمها.  و رغم ذلك لن تستطيع صياغة رؤيتك لهذا الكتاب بيسر و سهولة. فأنت بحاجة لقراءته اكثر من مرة لكي تفهم ماذا يقصد الكاتب بالجلاد الابدي (التي هي الشمس) ، و المتاهة الزرقاء التي هي السماء،  و مدينة “واو” التي  هي الجنة.، و الارنب “تيرزازت”  الذي هو ساحرة شريرة، و دليل الصحراء   “وانتهيط” الشيطان الذي يحتّم التهلكة لمن يتبعه،  و المارد الخفي الذي هو الظلام و الاله الفضي الحزين وهو  وجه القمر.

“… قد ادرك سرا صغيرا و جديدا، ادرك ان عدو الانسان ليس فم الهاوية، لكن عدوه الحقيقي هو الالم.”

” الانسان الفاشل هو الذي لا يبحث عن ما وراء الافق”

ابراهيم الكوني  طارقي يكتب بالعربية و يستعمل مفردات من لغة “تماهق” الطارقية و كتبه هي اساطير مكتوبة ببراعة و ابداع. هو وجه ليبيا المشرف ذو ثقافة عالمية و قد اقرّ بأسف ان العرب لا يقرأون ما يكتب .  ولد عام ١٩٤٨ في ليبيا. هو احد ابرز ٥٠ روائيا عالميا معاصراً حسب مجلة لير الفرنسية.  رُشّح مرارا لجائزة نوبل.  تُرجمت كتبه الى ٤٠ لغة و هي تُدرَّس في مناهج جامعات عديدة كالسوربون و طوكيو و جورج تاون.

له نحو 50 رواية وكتاب ومن بينها : المجوس. واو الصغرى، السحرة، نزيف الحجر. الفزّاعة، الربة الحجرية، نداء الوقواق.. وغيرها

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button