ثقافة ومنوعات

“أرض جديدة” A New Earth كي نحفظ كوكبنا ونعيش

روزيت الفار-عمّان 

“لم يكن حالك الّذي تعيشه بأيّ من الأوقات هو سبب تعاستك، بل طريقة التّفكير به”

“للعقل البشري إجابات على جميع المسائل المعقّدة والمشاكل الّتي تواجهه والقدرة على حلِّها”

“يوجد دائماً مخرجٌ من الألم والمعاناة نحو السّلام والرّضى”

إنّه المعلّم الرّوحاني وأستاذ علم النّفس الألماني إيكهارت توله Eckhart Tolle الّذي اعتُبرت مؤلّفاتُه ومحاضراتُه مراجعَ مهمّة لشرح وتفسير أفكاره وفهمه الفلسفيّ للحياة بغية مساعدة الأشخاص في تطوير ذواتهم من خلال اعتماد الوعي بالتّفكير والتّركيز على أساليب فهم جديدة للحياة قائمة على التّنوير الّذي يعتبره “ترك الأنا” وعدم الالتصاق بالعالم المادّي. فالتّفكير دون وعي غير مجدِ ولا يغيّر شيئاً.

 

لماذا الدّعوة لتشكيل كوكب أرض جديد؟

يقول الكاتب: حين نُواجَه بأزمات لها ارتباط بجوهر وجودنا وتشكّل تهديداً له ونجد أن الطّرق التّقليديّة لا تفيد في حل مشاكلنا وتفاعلنا مع بعضنا كبشر؛ وأن الطّبيعة تنصّلت من مساندتنا في الخروج من تلك التّحدّيات والمخاطر؛ كان لا بدَّ لنا من البحث عن مخرج يقينا خطر الاندثار أو التّحوّل لكائنات مختلفة؛ الأمر الّذي يكون حتميّاً إن لم ننهض فوق جميع المحدّدات بقفزة ثوريّة ونوعيّة.

في الفصل الأوّل من كتابه “أرض جديدة” يقارب إيكهارت بين الكائنات المائيّة الّتي كانت تعيش بالبحر واندثرت وتحوّلت إلى أخرى مختلفة لعدم مقدرتها على مواجهة الأزمات والكوارث الّتي حلّت بها، وبيّن البشر إنّهم عجزوا عن حل مشاكلهم وأزماتهم. قال بأن أصل الحياة كانت في البحار وكان لبعض من تلك المخلوقات محاولات للخروج إلى اليابسة ثم العودة سريعاً لعدم قدرتها على تحمّل جاذبيّة الأرض وصعوبة التّنفّس. ومع استمراريّة المحاولة وبمرور الوقت؛ استطاعت أن تعيد تشكيل بنائها البيولوجي وتتطّور إلى حياة أخرى لديها جهاز تنفسي رئوي بدل الخياشيم. ويرجّح إيكهارت أسباب ترك تلك المخلوقات لبيئتها إلى حدوث أزمات وظروف صعبة في بيئتها المائيّة أجبرتها على أن تفعل ذلك وتتحوّل لأحياء أخرى.

تطرّق الكاتب لمفهوم الرّوحانيّة وعدم علاقتها بالاعتقادات الدّينيّة بل على العكس قال بأن التّنوير الرّوحاني (أي استخدام الوعي في التّفكير) أساس لحل جميع المشاكل الّتي قال بأن للدّين جزءاً كبيراً في إيجادها، ودعا للنّظر للحروب الّتي قامت وتقوم باسم الدّين من الحروب الصّليبيّة وإنشاء محاكم التّفتيش الإسبانيّة -المتشدّدة في أحكامها- والفتوحات الإسلاميّة إلى الحرب الإسرائيليّة القائمة في فلسطين.

فسّر إيكهارت الرّوحانيّة بأنّها بُعد جديد بداخل الفرد أوسع وأعمق من النّموذج الدّيني المحدّد بأطر من المعتقدات يُنظر إليها كحقائق ومسلّمات مهما كانت طبيعتها، وأنّه من غير الضّروري أن يكون الإنسان متديّن روحانيّاً بل يكون كذلك إن كان لديه كمٌّ من الوعي والتّنوير ومقدرة على تجاوز تلك الأفكار والعيش في عالم لا يرتبط بالمادّة ويجد به “هويّته” “ومعنى كينونته”.

قال بأن الألم والمعاناة والفوضى؛ مسائل طبيعيّة وأمور واردة ومقبولة لدى جميع الدّيانات بدءاً من مفهوم (الدّوكّا) بالبوذيّة وهي حالة طبيعيّة للعقل تُترجم إلى الألم والحزن. وأن كلمة خطيئة sin بأصلها اليوناني تعني أن “تضيع الهدف أو تخطأ العلامة” فالمخطئون هم الّذين يضيعون (العلامة) -ويعني الكاتب بها هنا التّنوير- وفي هذا معنى للألم. أما في الهندوسيّة فتداخل فكرتيْ “الموت وإعادة الولادة” يسيران بباطنهما بدائرة من الألم والرّاحة.

ركّز الكاتب على مفهوم “الأنا” والّتي تسعى بمضمونها لحب التّملّك وحالة من الشّعور بعدم الاكتفاء والسّعي الدّؤوب نحو تحقيق المزيد؛ ما يودي بصاحبه لأن يعيش بصراع دائم مع شعور عدم الوفرة.

تتبلور “الأنا” بزيادة المقتنيات على اختلافها والتّفكير الزّائد بالشّكل والجمال الخارجي والسّعي للتفوّق واستدراج عاطفة الآخرين لكسبهم وجذب اهتمامهم بغية الاستحواذ بحبّهم ودعمهم للشّعور بالسّعادة. وقال: “لا شيء يعزّز الشّعور بالأنا أكثر من أن تجد نفسك على صواب من خلال جعل الآخر مخطئا”. غير أن السّعي الدّائم خلف تلك المادّيات والتّركيز الزّائد عليها يأتي بنتائج عكسيّة ويبقيك بحالة من الشّعور بالقلق والتّوتّر وعدم الرّضى عن ذاتك وعمّا لديك؛ ناهيك عن أن تحقيقها لا يكون دائماً مؤكّداً. إنّ التّمسّك الشّديد بتلك المادّيات سيدمّر الشّخص حين يفقدها ويشعره بأنّه بخسارتها يخسر نفسه وكلّ شيء ما يجعله يفرغ جميع تلك المشاعر السيّئة بهذا العالم الّذي لا ذنب له سوى احتواء هكذا أشخاص مؤذيين وضارّين بأنفسهم وبه. عكس ما تدعو إليه الرّوحانيّة من التّحلّي بالعطف والمودّة والتّقبّل؛ فهي أمور تصبح جزءاً أكيداً من شخصيّتك وتشكّل معنى حياتك ولا يمكن خسارتها بأيِّ حال من الأحوال وتؤمّن لصاحبها الشّعور بالسّعادة والرّضى الدّائمين نحو نفسه ونحو الآخر ممّا يساهم بنهايته في خلق عالم جديد ينعم به الجميع بالأمن والسّلام والرفاه. وهذا بالنّهاية ما يهدف الكاتب لتحقيقه خلف تأليفه لهذا الكتاب.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button