ثقافة ومنوعات

هجمة مرتدّة حصان أسود في الماراتون الدرامي

إبداع درامي وموسيقي، نقصٌ عراقي، و ثلاثة أعداء

ياسمين حنّاوي  

انطلاقاً من فكرة توظيف الدراما في خدمة القضايا الوطنية العليا عَمَل الفريق القائم على مسلسل #هجمة_مرتدة على تسخير كافة الأدوات النصية والبصرية لتناول أحد أهم ملفات المخابرات المصرية بطريقة واقعية ومشرّفة للخروج بمنتج وطني لَفَت انتباه المتلقين وأسهم في إبهارهم والاعتزاز ببلدانهم، مع توفير قيم الوفاء والانتماء للأرض والشعب والهوية والجنسية.

رغم صعوبة تحويل القصص الواقعية الجامدة إلى دراما تحمل من مقومات التشويق والجذب النفسي والشعوري ما يكفي لتحقيق النجاح المنشود من قبل أي عنصر بشري مشارك في المسلسل؛ إلّا أن سيناريو هجمة مرتدة جاء محبوكاً ومسبوكاً بشكلٍ ممتاز، سواء من نواحي التوازي وليس التلاقي في خطي سيف العربي (أحمد عز)، ودينا أبو زيد (هند صبري)، أو من ناحية تحرك كافة الشخصيات الأساسية والثانوية الأخرى لخدمة الصراع الدرامي الأساسي، والمرتكز على المحاولات الحثيثة للعملاء المجندين من قبل جهاز المخابرات المصري على كشف الجهات المعادية، وتسليم أية وثائق هامة بما يحافظ على وحدة البلاد وتصديها لأية مخاطر خارجية، أو حتى من تطعيم هذا الموضوع الشائك والحساس بجوانب حياتية كوميدية تارةً وإنسانية تارةً أخرى في العيش اليومي للأبطال مع أصدقائهم وعوائلهم.

مّن يستمع للموسيقى المرافقة لشارة هجمة مرتدة، ولكافة أحداث المسلسل بتوقيع #عمرو_إسماعيل يتأكد من أنه لم يكن ممكناً لأية موسيقى أخرى أن تحقق هذا التأثير العاطفي المناسب مع مسلسل اعتبره البعض منافساً للأيقونة #رأفت_الهجّان ولكن مع استخدام أحدث الوسائل التكنولوجية بأسلوب جذّاب وسلس وغير منفّر للمُشاهِد، ومن يغوص في الطريقة التي تمّ اختيار الممثلين على أساسها يجدها ناجحة لدرجة كبيرة سواء من الناحية الشكلية والجسمانية وحتى النفسية، كما أن عنوان العمل حمل من الإثارة ما يكفي لعكس المضمون الذي يسلط الضوء على أنّ المخابرات الوطنية لا تستكين للمؤامرات التي تتعرض لها وإن بدا عليها ذلك، بل يردّ أفرادها بهجماتٍ مرتدة في محاولةٍ لكي يكون الجزاء من جنس العمل.

وممّا زاد من نسب المشاهدات التي حظي بها المسلسل هو تناوله لفترة زمنية حديثة نسبياً ممتدة ما بين ال 2007 و ال 2011 في جمهورية مصر العربية مع رصد بدايات ما سمي بالربيع العربي والتحولات التي حصلت في المنطقة بالعموم، مع التركيز على الدسائس التي حاكتها شخصيات عربية وأجنبية من أجل تحقيق مآرب سياسية تم وضعها من قبل الجهات التي يعملون لحسابها، دون أن ننسى السخاء الإنتاجي الذي ساعد على تقديم الرواية بأبعادها الحقيقية دون تقصير في تصوير مشاهد أوروبا أو مشاهد العنف والحركة وتفكيك الخلايا؛ مما وفّر خاصّية الخلود في وجدان المواطن العربي وليس المصري فحسب، ولعلّ الجدية والتركيز العاليين اللتان تعامل معهما الأبطال – كماجدة زكي وصلاح عبد الله وعبد الرحمن أبو زهرة وقيس الشيخ نجيب وإنجي المقدّم ومايان السيد وغيرهم – مع الورق المكتوب انعكسا في النتيجة النهائية؛ لا سيما مع المعوقات الكبيرة التي أصابت الصناعة الدرامية في ظل انتشار فايروس كورونا، واضطرار الفريق المشارك إلى تمديد فترات التصوير.

ومن جانبٍ تحليلي بحت نستطيع القول إنّ مشاهد التدريب المكثّف لكلٍّ من المبدعين أحمد عز وهند صبري، ومن ثمّ اختراق المنظمات الدولية والكشف عن التمويلات المشبوهة كانت الأكثر قوة في المسلسل، مع أسلوب مونتاجي متطور لا يُفقِدك الثبات على الخط الزمني المطلوب رغم تشابك العلاقات وكثرة الشخصيات، فلقد اعتمد على التصعيد السريع لحرق مراحل معينة بغرض الوصول للنتيجة المطلوب الحديث عنها تارةً، وجمع أكثر من قصة بشكلٍ ديناميكي تارةً ثانية، والمونتاج الذهني الذي سَلسَل الحالات النفسية للعديد من الشخصيات تارةً ثالثة.

رغم الجماهيرية عالية المستوى التي تمتع بها العمل إلّا أنه لا يمكن إنكار افتقاره في البداية إلى محاكاة البيئة العراقية بشوارعها ومبانيها وأزقتها وملابس شخوصها، باستخدام الديكورات والاكسسوارات المناسبين، مما أشعر العراقيين بالغربة عن بلدهم، وأنّ كل ما يحصل في هذا المكان من مطاردات وغيرها لا يمكن له أنه يكون مصوراً في بغداد، فافتقد في هذا الإطار الرصانة العلمية والواقعية والتماهي الإقناعي بين الفعل الفني والمتلقي.

وبالمجمل رأينا مع انتهاء الموسم الرمضاني كيف أن هجمة مرتدة كان بمثابة الحصان الأسود في الماراثون الدرامي؛ فلقد أعادنا لزمن الجاسوسية، وأضاء على هيبة الدولة، وركز على “أعداء ثلاثة ” في الوقت عينه وهم :” الإسرائليون والإخوان المسلمون والمختبئون تحت ستار المنظمات الحقوقية والإنسانية” وكأنما يُراد القول  إننا في السياسة لا نعلم أكثر من القشور قياسا لما يحصل من تحركات حقيقية على الأرض وفي الكواليس.

————————————————

الكاتب: 

ياسمين حنّاوي روائية وإعلامية

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button