آخر خبرمقال اليوم

محاكمة إسرائيل، ماذا بعد جلسات لاهاي

                                 محاكمة إسرائيل، ماذا بعد جلسات لاهاي؟

 ترجمة : مرح إبراهيم

في أعقاب الدعوى التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا مُتّهِمةً إسرائيل بممارسة الإبادة الجماعية ضد فلسطين في نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر الحالي،  بدأت في محكمة العدل الدولية في لاهاي، يومي الخميس والجمعة، في قصر السلام، جلسات الاستماع للدعوى ضدّ إسرائيل المتّهمة بارتكاب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، ردًّا على هجوم حماس الذي أدى إلى مقتل ما يقرب من 1200 شخص في إسرائيل، غالبيتهم من المدنيين. ومنذ ذلك الحين، أزهقت إسرائيل أرواحَ 23 ألف شخص مدنيٍّ من سُكّان غزة، بحسب أرقام وزارة الصحة الغزّاويّة، حيث تسيطر حماس.

تأتي هذه المرافعات أمام قضاة الهيئة القضائية الرئيسة التابعة للأمم المتحدة البالغ عددهم خمسة عشر، وبين التُهم المُساقة ضدّ إسرائيل :عدم احترام اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، التي وقّعت عليها جنوب افريقيا وإسرائيل.

وفقَ اتفاقية الأمم المتحدة التي أُقرت عام 1948، فإن الإبادة الجماعية تشكّل عملًا “يُرتكب بقصد تدمير جماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، كليًّا أو جزئيًّا”. ويمكن أن يشمل ذلك “قتل أفراد الجماعة”، و”الإضرار الجسيم بسلامة أعضاء الجماعة جسديًّا أو عقليًّا”، و”إخضاع الجماعة عمدًا لظروف معيشية تهدف إلى تدميرها الجسديّ الكامل أو الجزئيّ” أو “تدابير ترمي إلى إعاقة الولادات داخل الجماعة” أو “نقل الأطفال قسرًا من جماعة إلى جماعةٍ أخرى”. تُعدُّ الإبادة الجماعية من أصعب الجرائم الدوليّة على البرهان، لاسيما في ضوءِ مفهوم سبقِ الإصرارِ والتّصميم. فمنذ بداية الصًّراع، تدافعُ إسرائيل عن نفسها أمامَ الانتقادات الدولية مصرّةً على أن جيش الدفاع الإسرائيلي يستهدف أعضاء حماس ويسعى جاهداً لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين.

طلب مزدوج

 تُوثِّق بريتوريا، في الملفّ الذي قدّمتْهُ إلى المحمة المذكورة، المتكوِّن من 84 صفحة، ما تعُدّه “أعمال إبادة جماعية تُرتكبُ ضد الشعب الفلسطيني”، مستشهدة في مصادرها بمقالات صحفية، وإعلانات صادرة عن منظمات إنسانيّة، وبيانات صحفية صادرة عن وكالات الأمم المتحدة، وكذلك تصريحات ممثلي الدولة الإسرائيلية.

 تتقدم جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية بطلب إعلان إسرائيل “منتهكةً التزاماتها بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية”، وتطالب إسرائيل “بالوقف الفوري” لأي عمل أو إجراء قد يقتل الفلسطينيين أو يتسبب لهم بضرر جسيم. كذلك  تدعو حكومة جنوب أفريقيا إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعاقبة مرتكبي أعمال الإبادة الجماعية وجمع الأدلة على هذه الجرائم المقترفة بحق الفلسطينيين في غزة. وهي تريد من إسرائيل أن تفي بالتزاماتها وتُعوِّض أهالي غزة عن الأضرار التي ألحقتها بهم، من خلال إتاحة عودة آمنة للفلسطينيين المهجّرين قسراً والمساعدة في إعادة بناء ما دُمّرَ في غزة، بالإضافة إلى ضمانات من إسرائيل بغية تجنب تكرار انتهاكات اتفاقية منع الإبادة الجماعية.

كما أنّ جنوب أفريقيا، في هذا الملف الطويل، تطلب من القضاة في لاهاي أن يتّخِذوا تسعة “تدابيرَ مؤقتة” لمنع “خسارة وشيكة وغير قابلة للتعويض” في قطاع غزة : تعليق العمليّات العسكرية الإسرائيلية الفوري، ومنع العمليات العسكرية في غزة، والكَفّ عن أعمال الإبادة الجماعية، وحماية الفلسطينيين، ومنع التحريض على الإبادة الجماعية، والحفاظ على الأدلة، وتقديم تقارير منتظمة إلى محكمة العدل الدولية وعدم تأجيج النزاع.

“قدمت جنوب أفريقيا طلبين أمام المحكمة: طلب بشأن الأسس الموضوعية، أي مطالبة المحكمة بالحكم بمسؤولية إسرائيل، من خلال أفعالها أو تقاعسها، وانتهاكاتها اتفاقية منع الإبادة الجماعية، بما في ذلك عدم معاقبة التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعيّة” ؛ وطلب التدابير المؤقتة، والذي يطالب المحكمة أن تقرر بشكل عاجل، بانتظار إصدار حكمها بشأن موضوع الدعوى، والذي قد يستغرق عدة سنوات، إلزامَ إسرائيل بتعليق عملياتها العسكرية في غزة” كما يلخص جان مارك توفنان، المحامي وأستاذ القانون الدولي في جامعة باريس نانتير، الذي أشرف مؤخرًا على منشور محكمة العدل الدولية في الـ 75 (بيدوني).

 ردت إسرائيل بقوة، عبر المتحدث الرسمي باسم حكومتها، إيلون ليفي، منددة بـ”التشهير السخيف (العبثي)”. كما أعلن خلال مؤتمر صحفي أن “دولة إسرائيل تدين قطعيّاً القرار الذي اتخذته جنوب أفريقيا بلعب دور محامي الشيطان والتواطؤ الإجرامي مع مرتكبي مذبحة السابع  من تشرين الأوّل/أكتوبر”. “ومن خلال توفير الغطاء السياسي والقانوني لمذبحة 7 أكتوبر واستراتيجية الدروع البشرية التي تتبعها حماس، فإن جنوب أفريقيا متواطئة تواطؤاً إجرامياً في حملة الإبادة الجماعية التي تشنّها حماس ضد شعبنا”، مضيفًا أن التاريخ سيحكم على زعماء جنوب إفريقيا “المُتواطئين مع أحفاد النازيين المعاصرين”.

جلسات استماع مخصّصة لـ”التدابير المؤقتة”

أعلنت محكمة العدل الدولية في بيانها الصحفي الصادر بتاريخ 3 كانون الثاني/يناير أن جلسات الاستماع يومي الخميس والجمعة “تخصص لطلب الإشارة إلى التدابير المؤقتة الواردة في طلب دولة جنوب أفريقيا”.

بعد مرافعات اليومين، تتشاور المحكمة خِلال أيام قليلة لكي تقرّر إنْ كانت ستوافق على طلب جنوب أفريقيا باتخاذ تدابير مؤقتة. نحن الآن في هذه المرحلة ولسنا في طور البت في الأسس الموضوعيّة والحيثيّات” يقول بيير ميشيل آيزمان، الأستاذ الفخري في القانون الدولي. “لا يمكن أن تؤدي مرافعات يوم [الخميس] إلى أيَّة إدانة على الإطلاق. ويضيف جان مارك توفنان: “لن يُنظرَ هذا الأسبوع إلّا في مسألة التدابير “المؤقتة”، أمّا الأسس الموضوعيّة والحيثيّات، فسوف تُتركُ جانبًا ولن يُحكم عليها بأي شكل من الأشكال”.

وبحسب المحامي، تسعى دولة جنوب أفريقيا،   إلى إقناع محكمة العدل الدولية بصلاحيتها للحكم في هذه القضية، وبأنَّ من الملحّ حماية حقوق السكان الفلسطينيين من عدم التعرض للإبادة الجماعية “من خلال إجراءات مؤقتة”، لتجنّب خطرِ انتهاكٍ لا يمكن تعويضُه لهذه الحقوق. أمّا إسرائيل،  فسوف تُحاوِل بدورها، أن تُثبِتَ، يوم الجمعة، أن اتّهامها بالإبادة الجماعية لا أساس له من الصّحة، وأن جرائم الإبادة الجماعية اقتُرفت بحقها في 7 أكتوبر، كما يعتقد توفنان.

يضيف بيير ميشيل آيزمان أن إسرائيل قد تسعى أيضًا إلى إثبات عدم وجود نزاع قانوني بينها وبين جنوب إفريقيا، وبالتالي فإن الشكوى باطلة. “أعتقد أن إسرائيل سوف تستنِد إلى هذه الحجّة، لأن جنوب أفريقيا تعتمد على مذكرة شفوية أرسلتها في شهر كانون الأول/ديسمبر، قبل أيام قليلة من تقديم طلبها أمام المحكمة في إسرائيل، والتي لم تتلق استجابة. فهل سترى المحكمة أن ذلكَ يكفي لإثارة نزاع قانوني؟

قرارات ملزِمة قانوناً

عقبَ هذين اليومين من المرافعات، تُصدر محكمة العدل الدولية، إذا لزم الأمر، “في نهاية يناير/كانون الثاني أو بداية فبراير/شباط أمرًا باتخاذ تدابير مؤقتة، وهو قرار يُلزِم المحكمة قانونًيا”، كما يشير بيير ميشيل إيزمان. لكن أسس القضيّة الموضوعيّة ستكون موضوع إجراء أطول بكثير، قد يبدأ بعد عامين، ويمكن أن يستمر سنواتٍ عديدةً، على غرار إجراءاتٍ مماثلة، كتلك التي رفعتها غامبيا ضد ميانمار عام 2019، بخصوص حماية الروهينجا، وما تزال مستمرة، على الرغم من إصدار تدابير مؤقتة.

“إذا قررت محكمة العدل الدولية متابعة طلب التدابير المؤقتة، فثمة شروط أخرى ينبغي الوفاء بها،  كإثبات  الاستعجال أو تحديده، ووجود ضرر غير قابل للإصلاح، والربط بين التدابير المطلوبة والحقوق التي يُسعى إلى الاعتراف بها”. ستنظر المحكمة في هذا كُلِّه، وقد تتخذ تدابير مؤقتة لن تتوافق في طبيعتها ومضمونها تمامًا مع طلبات جنوب أفريقيا”، كما يشير بيير ميشيل إيزمان، الذي يُشكك في استجابة محكمة العدل الدولية لطلب الدولة الإفريقية الأول، الذي يطالب “إسرائيل [بوقف] عملياتها العسكرية فوراً [في غزة وضد غزة]”. “قد تقرر محكمة العدل الدولية، كحد الأدنى، إلزام إسرائيل باتخاذ جميع التدابير لتجنب ارتكاب أية جريمة إبادة الجماعية، مستشهدةً مرة أخرى بتعريف الإبادة الجماعية كما فعلت في قضية غامبيا”، كما يرى أستاذ القانون الدولي.

وَبِحَسَبِ جان مارك توفينان، يمكن أن تقرر محكمة العدل الدولية مُتابعة بعض طلبات جنوب أفريقيا، أو صياغة طلبات أخرى، لا بل يمكِن “أن تقرر أنها لا تملك عناصر كافية أو مقنعة بما فيه الكفاية بأن ثمة خطرَ إبادة الجماعية لكي تشرعَ في اتخاذ تدابير مؤقتة”.

سوف تُصبِح  التدابيرُ التي ستتخذها محكمة العدل الدولية “إلزامية”، لا سيّما لإسرائيل، كما يتفق أستاذا القانون الدولي اللذان أجرت معهما CheckNews المقابلة. لكن كلاهما يؤكد أنّ إسرائيل لن تلتزم بالضرورة بهذه القرارات، وخصوصاً في سياق الصراع المسلح المستمر. ومن ثم يستشهد جان مارك توفنان بمثال الصراع الأوكراني/الروسي، إذ “أمرت المحكمة روسيا في شهر آذار/مارس عامَ  2022 بتعليق عملياتها العسكرية،  لكنّ روسيا لم تلتزم بالقرار. وبذلك عرّضت نفسها للمسؤولية، دون أن تستطيع، بأي عذرٍ، تسويغ الأضرار المادية والبشرية والمعنوية كلّها، الناجمة عن استمرار حربها على أوكرانيا.

  لا يترافقُ عدم الالتزام بالتدابير المؤقتة بعقوبات مادية، كما يشير بيير ميشيل آيزمان، “لكنّ عدَم الالتزام يؤثر في العلاقات الدولية، لاسيّما بخصوص الخطاب الذي ستتبنّاهُ الدول الأخرى بشأن سلوك إسرائيل. ومن المهم أن تستندَ الدُّوَل إلى قرار محكمة العدل الدولية، إذ بِوُسعها اللجوء إلى قرار المحكمة لدعم موقفها الخاص بإدانة سلوك إسرائيل اليوم.

أشارَ مركز الأمم المتحدة الإقليمي للمعلومات لأوروبا الغربية (UNRIC)، في بيان صحفي نشر يوم الثلاثاء، بالنظر إلى شكوى جنوب أفريقيا، أنه “من مسؤولية الدول تنفيذ قرارات المحكمة. وبما أن محكمة العدل الدولية لا تمتلك الوسائل القسرية اللازمة لفرض أحكامها، فليس ثمّةَ سوى آلية تنفيذ واحدة إذا رفضت دولة ما قراراً من قرارتها: مطالبة مجلس الأمن باتخاذ قرار بحق الدولة الرافضة. وفي السياق الجيوسياسي الحالي، لا شكّ في أن إحالة القضيّة إلى مجلس الأمن ستكون باطلة لأن الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل، ستُعطِّل هذه الإحالة باستخدام حق النقض كالعادة.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button