آخر خبرمقال اليوم

هل يوقف لافروف غدا اجتياحاً تُركياً لشمال سوريا أم يُبارِكه؟

هل مصالح أميركا وروسيا مع اردوغان أهم من الأرض السورية؟

التقرير الاستراتيجي الاسبوعي 

منير انساري-انقرة-لعبة الأمم

أكملت تُركيا مع حلفائها السوريين استعداداتِها لعملية عسكرية وُصفت بالحاسمة في الشمال السوري، وذلك عشية وصول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حيث سيكون هذا الأمر على جدول المُباحثات التي تتناول في شقّها الأكبر العلاقات الروسية التركية على ضوء الحرب الاوكرانية، وهو كان قد استبق الزيارة بالتاكيد على 3 أمور اساسية أولها أن روسيا مصممة على مساعدة سوريا استكمال استعادة كل أراضيها وفرض سيادتها، وثانيها أن ” أنقرة لا تستطيع الوقوف على الحياد في ما يتعلق بسوريا” وثالثها أن موسكو التي تعتبر الوجود الاميركي على الاراضي السورية غير شرعي تتحدث مع مختلف المكوّنات الكُردية وتحاول تعديل موقفها من واشنطن والنظرة الى التاريخ الحديث بعين جديدة. 

أما لجهة أنقرة التي كثّفت مع حلفائها أي فصائل ” الجيش الوطني السوري ” الموالية لها قصف مواقع للقوات الكُردية” قسد”، فإن قياداتها العسكرية والاستخبارية كثّفت في الأيام الماضية اجتماعاتها في الداخل التُركي ولكن أيضا على الأرض في الشمال السوري، لوضع اللمسات الأخيرة على عملية عسكرية قد تكون واسعة، وذلك بعدما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرارا ان الهدف هو ابعاد القوات الكُردية التي يصفها ب ” الارهابية”  بعمق 30 كيلومترا عن الحدود وإعادة أكثر من مليون لاجيء سورية الى منطقة آمنة. 

 لم يشأ المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف الافصاح عن كثير من المعلومات بشأن العملية التُركية المُرتقبة أو عن موقف موسكو الجديد منها، وإنما اكتفى بالقول إن ” امكانية ان يناقش الوزير لافروف هذا الموضوع هي يقينٌ عالي الدرجة”، كما تجنّب التعليق على ما يُحكى عن تعزيز القوات الروسية والسورية وحلفائهما الاستعدادات لمواجهة كل احتمالات أنزلاق العملية العسكرية التركية، وقال: “أنت تتحدث عن منطقة ذات سيادة على أراضي سـورية، ومن الطبيعي بالتالي أن تعزّز القوات المسلحة لهذه الدولة ( اي سوريا)  بعض القطع العسكرية على أراضيها بشكل أكبر أو أصغر».

مواقف الدول المعنية

 تحاول كل الأطراف تقريبا المعنية بالحرب السورية أي أميركا وروسيا وإيران ( التي أرجأ وزير خارجيتها زيارة الى انقرة كانت مرتقبة في الساعات المُقبلة الى أجل لم يُحدّد) اقناع أردوغان بعدم القيام بمغامرة عسكرية كبيرة، لكن الرجل يعتقد حالياً أنه قادر على ممارسة أكبر قدر من الضغوط والابتزاز على كل الاطراف بغية ابعاد المقاتلين الكُرد واقامة منطقة للاجئين السوريين وتكون بحماية تُركية في الشمال السوري، أما الاحتمال الثاني الذي يضعه نُصب عينيه فهو أنه من خلال رفع وتيرة الاستعدادات العسكرية يستطيع الحصول على تنازلات أكبر من كل الاطراف وخصوصا الأميركية والاوروبية في ما يتعلق بالأسلحة والطائرات والمعارضين ورفع العقوبات وغيرها. 

يُشار الى أن السفير الايراني في دمشق كان  قد رفض صراحة أي عملية عسكرية تُركية على الاراضي السورية ودعا جيران سوريا الى “احترام وحدة الأراضي السورية وسيادة سوريا على أراضيها وألا يسببوا الأذى للأمن والأمان فيها”

وتيرة التصعيد العسكري في الأيام الماضية توحي بأن أردوغان يتمتع بهامش مناورة أوسع من السابق، وقد عنُفت الاشتباكات والقصف المتبادل بين الجيش التركي وحلفائه السوريين من جهة و :” قوات سوريا الديمقراطية ” ( قسد) من جهة ثانية على محاور مُختلفة من ريف حلب الشرقي الى الريف الشمالي  ، ووصل القصف التُركي في مدينة مارع الى حدود موقع روسي   بين قريتي الوحشية وأم القرى بريف. بالمقابل حاولت قوات “قسد” التسلل من منبج الى مدينة الباب. وكان أردوغان قد قال عن العمليات السابقة : ” إن تركيا مزّقت الممر الإرهابي المراد تشكيله على الحدود الجنوبية عبر العمليات العسكرية السابقة”

لكن كل ما تقدم لم يوقف التنسيق بين أنقرة وواشنطن وروسيا، فواشنطن أكدت  استمرار التواصل مع الرئيس التركي لحثّه على عدم قصف حلفائها الكُرد والتوقف عن القيام بعملية عسكرية وثمة اتصالات غير مُعلنة لتلبية العديد من مطالبه المتعلقة بالطائرات والاسلحة وغيرها ، وذهبت  المندوبة الدائمة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة السفيرة ليندا توماس غرينفيلد، الى حد الحديث عن  “قلق أمريكا حيال العملية العسكرية التي تستعد تركيا لتنفيذها شمالي سوريا”، فردّت عليها أنقرة قائل  أنها “مصممة على اتخاذ التدابير اللازمة ضد التنظيمات الإرهابية التي تهدد الأمن القومي التركي

 يُرافق لافروف في زيارته الى انقرة وفد عسكري يضم ممثلين عن وزارة الدفاع الروسية ، وهو ما يؤكد ان الجانبين التركي والروسي سيبحثان تفاصيل العملية العسكرية، وإن لم تستطع موسكو صد اندفاعة أردوغان فهي على الاقل ستحاول الاّ يصطدم بالقوات السورية أو الروسية. ولذلك فان الدوريات المُشتركة بين الجانبين الروسي والتركي تتواصل في مناطق التماس، وتم حتى الآن القيام بأكثر من 100 دورية من هذا النوع منذ توقيع التفاهم بين الجانبين في سوتشي في خريف العام 2019 

ماذا بعد العملية لو نُفّذت، هل تُزعج دمشق أم تُريحها من الضغط الكُردي بانتظار تسويات دولية وإقليمية كُبرى تُخرج الجيش التُركي لاحقا بمصالحة مع دمشق؟ 

 وزير الخارجية السورية فيصل المقداد  كان قال قبل أيام قليلة في لقاء مع الصحافة الرسمية السورية التالي :

  •  إن الحديث عن عملية التوطين هو عملية استعمارية مرفوضة
  • من يستطيع ضمان هذه المنطقة الآمنة؟ هل يتمتع الأميركي نفسه بالأمان في سورية؟ ومن يضمن أمن المنطقة الآمنة التي يجري وعد النظام التركي بها؟
  • هناك عدة محاولات من قبل النظام التركي للتواصل مع الحكومة السورية عبر بعض الأصدقاء، لكن سورية لن تذهب إلى حوار مباشر مع الجانب التركي قبل استيضاح عدة أمور وأولها يجب أن يكون هناك انسحاب تركي كامل من سورية أو استعداد تركي للانسحاب أو تحقيق انسحاب جزئي قبل الحوار، والأمر الثاني هو وقف دعم تركيا للمجموعات الإرهابية المسلحة، وثالثاً أن تقوم تركيا بوقف محاولاتها اللاإنسانية بوقف تدفق مياه نهر الفرات.
  • الأصدقاء الروس مصرون ويؤكدون وقوفهم المستمر إلى جانب سورية لتحرير الأراضي ومنع الاحتلال

كذلك الخارجية السوريةكانت قد أصدرت بيانا قبل أيام قالت فيه:

  • إن إنشاء مثل هذه المنطقة لا يهدف إطلاقاً إلى حماية المناطق الحدودية بين سورية وتركيا بل الهدف الأساسي هو استعماري وإنشاء بؤرة متفجرة تساعد بشكل أساسي على تنفيذ المخططات الإرهابية الموجهة ضد الشعب السوري
  • سوريا تُطالب تطالب الدول في المنطقة وخارجها التي زجت بنفسها في تمويل هذه المشاريع الإجرامية والدعاية لها إلى التوقف فوراً عن دعم النظام التركي لتحقيق أوهامه الشيطانية

ما هي الاحتمالات اذا خصوصا بعد حاجة روسيا وأميركا لاردوغان قياسا الى الحرب الأوكرانية ونظرا لاعاقته انضمام السويد وفنلندا الى حلف شمال الأطلسي 

  • أولا لا تستطيع سوريا شن حرب ضد ما تصفه بالاحتلال التُركي بلا أيران وروسيا وحزب الله. هل ايران وروسيا تُريدان مثل هذه الحرب، ليس مؤكدا أبداً، والمُرجح بالتالي  هو العودة الى اجتماعات استانا الروسية الإيرانية التركية قريبا الا اذا غامر اردوغان بنسف هذه الاجتماعات وانتهاز فرصة غرق العالم بحرب أوكرانيا.
  • ثانيا يفيد أردوغان تماما من الازمة الأوكرانية، ذلك ان بلاده العضو في حلف شمال الأطلسي رفضت انضمام السويد وفنلندا الى الحلف واعاقت بذلك خطوة اطلسية للضغط على الرئيس فلاديمير بوتين.
  • معروفة مطالب اردوغان، وهي غطاء دولي للمنطقة التي يحتلها في سورية، وتسلّم معارضين له في فنلندا والسويد، ورفع الحظر عن توريد السلاح الى تركيا، وهو قال لا يمكن تنحية العقوبات التي تفرضها السويد على الصناعات العسكرية التركية جانبا عند الحديث عن طلب ستوكهولم العضوية في الناتو، مضيفا  إن تركيا وافقت  سابقا على عودة فرنسا واليونان  للناتو، ولكن ماذا فعلت اليونان، واتهمها بإقامة قواعد ضد بلاده، وبعرقلة حصول تركيا على مقاتلات اف 16 أميركية

 التحليلات الاجنبية 

تقول مجلة “فورين بوليسي” إن معارضة تركيا لانضمام السويد وفنلندا الى الأطلسي تتوافق مع موقف حكومته، حيث كان اردوغان قد انتقد السويد وفنلندا لامتناعهما عن تسليم بعض الأفراد المرتبطين بحزب العمال الكردستاني “بي كي كي”   الذي تصنفه أنقرة منظمة إرهابية إلى جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. 

وتوفر السويد موطنا لمن يعتبرهم إردوغان أعداء، من ضمنهم أنصار فتح الله غولن، الذي يلقي عليه الرئيس التركي باللوم في محاولة الانقلاب الفاشلة ضده في العام 2016. 

 ويقول  الباحث في “مجلس الشؤون الخارجية”، ستيفن كوك  إن الأهداف من وراء عاصفة أنقرة السياسية قد تكون موجهة لدول شمال أوروبا، إلا أنه يرجح أن “المستهدف على الأغلب واشنطن” وذلك لان هناك معارضة أكبر في الكونغرس على (صفقة) مقاتلات إف -16 التركية”. 

 للتذكير فان تُركيا كانت قد  طُردت من برنامج مقاتلات “إف -35” الأميركية، بعد شرائها أنظمة “أس-400” الصاروخية من موسكو. 

 يقول محلّلون غربيون أيضا ان هذا العناد والتصلب من قبل اردوغان في مواجهة الأطلسي، والذي سيُحل في نهاية المطاف بتسوية، يُكسبه شعبية كبيرة في الداخل، ويجعل الأطلسي وروسيا يتنازعان محاولةَ ارضائه في أوج الحرب الأوكرانية…

في هذا الوقت ، سعى اردوغان لتصفير عدد من مشاكله الإقليمية مع دول عربية خليجية مركزية وهو ما يساعده في احداث توازن كبير مع ايران، فهو قال بعد لقاءاته الهامة مع قيادتي السعودية والامارات، ، لقد تم تجاوز الخلافات وان مثل هذه الخلافات يحدث حتى داخل الاسرة الواحدة.

وقال إن لتركيا “قواسم مشتركة مع السعودية والإمارات وان المسار الذي بدأته تجاه البلدين، سيقدم مساهمات مهمة للغاية سواء على الصعيدين التجاري أو السياسي ، فقد تجاوزنا الخلافات مع الرياض وأبوظبي، ووضعنا خططا لتطوير سريع للعلاقات الثنائية في مجالات التجارة والصناعة والصناعات الدفاعية والثقافة والسياحة، ونتخذ خطوات لذلك”، حسب قوله.

السؤال الآن، هل بعد ان تبدا عمليات التوغل التُركية المقبلة في الشمال السورية، سيتحرك الجيش السوري وحلفاؤه لصدّها، ام ان كل قتال بين الجيش التركي والكُرد مفيد الآن من جهة وان توازن القوى لا يسمح بحرب كُبرى؟ ثم ماذا سيكون موقف واشنطن لو ضرب اردوغان بعنف مرة جديدة حلفاءها الكُرد؟ وثالثا ماذا ستفعل روسيا وإيران؟

ربما لا شيء ….رغم مطالبة سوريا دول المنطقة بمواجهة الخطوات التُركية المُقبلة، ذلك ان قرار المواجهة الكُبرى مع الجيشين التركي والأميركي في الشمال والشرق السوريين، عالية التكلفة وبحاجة الى غطاء روسي ورغبة فعلية إيرانية وسورية بالمواجهة، وهذا ليس مطروحا الآن. وربما صار الكُرد واكثر من أي وقت مضى في وضع لا يُحسدون فعلا عليه. وربما أيضا صارت الشمال السوري برُمتّه أمام رسم خرائط جديدة ستحددها التحالفات في خلال وما بعد الحرب الأوكرانية…وهذا بحد ذاته يطرح مليون علامة استفهام ..

يبقى سؤالان :

الأول : هل ينجح لافروف في تأجيل العملية العسكرية التُركية بعد محادثاته غدا في أنقرة، أم على العكس تماماً قد يُباشر أردوغان العملية مُباشرة بعد مغادرة الوزير التُركي موحيا بغطاء روسي بعد الاتفاق على التفاصيل على الارض؟ 

الثاني : هل يتحوّل الشمال والشرق السوريان الى مُستنقع عسكري لأردوغان، في حال قرّر المضي بمغامرته العسكرية بلا أي غطاء دولي أو اقليمي؟ 

لننتظر ونر فالساعات المُقبلة حاسمة. ولا شك ان المصالح الاميركية والاطلسية والروسية مع أردوغان حاليا، أهم من الأرض السورية حتماً. وبناء على هذه المصالح فقط، سيكون هامش تحرّك الرئيس التركي واسعا او ضيّقا أو معدوما.  

 

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button