مؤتمر برلين 2 حول ليبيا: تكّرار أم بداية نهاية الصراع؟
أيمن مرابط – المغرب العربي.
بعد سنة ونصف السنة من اجتماع أول من هذا النوع، نُظم تحت إشراف الأمم المتحدة، استضافت العاصمة الألمانية برلين مجددا قبل يومين أبرز أطراف النزاع الليبي وبينهم للمرة الأولى الحكومة الانتقالية، وذلك بالتعاون مع الأمم المتحدة ومشاركة دول عديدة. والهدف منه ضمان تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة في ليبيا، وإخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب والمليشيات من البلاد.
أشاد المشاركون في ختام المؤتمر بتحسن الوضع كثيرا في ليبيا منذ 2020. وأكدوا بحسب البيان الختامي أن “الأعمال العدائية توقفت. ووقف إطلاق النار يسري. وإغلاق المنشآت النفطية رُفع”..
منذ الإطاحة بالعقيد معمر القذافي في عام 2011 وقتله، تتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان في شرق البلاد وغربها، وتحظى كل من الحكومتين المتنافستين بدعم من جماعات مسلحة وقوى أجنبية: الأولى كانت برئاسة فايز السراج زعيم حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة منذ عام 2016 وتتخذ من طرابلس مقرا لها. والأخرى بقيادة القائد العسكري خليفة حفتر، وكان جيشه “الوطني الليبي” يسيطر على جزء كبير من البلاد حتى وقت قريب. ويتخذ حفتر من شرق ليبيا مقرا له ويتلقى دعما من الإمارات والسعودية ومصر وروسيا؛ أما السراج المنتهية ولايته في مارس الماضي فقد دعمته تركيا وقطر وإيطاليا.
شدد رئيس الحكومة الانتقالية “المشكلة حديثا” عبد الحميد الدبيبة في كلمته بمؤتمر برلين على ضرورة الانسحاب الكامل للمرتزقة والقوات الأجنبية، محذرا من أن “الخلاف الداخلي والمصالح يعيقان مسيرة الانتخابات، وقال “سنتجاوز كل العقبات لإجراء الانتخابات في موعدها”، في إشارة إلى الخلافات الداخلية حول مصير المرتزقة والقوات الأجنبية وموعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المنتظرة ديسمبر المقبل.
من جانبه أوضح وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، بأن رحيل المرتزقة من ليبيا سيتم بشكل تدريجي. كاشفا انه جرى “تفاهم بين تركيا وروسيا على سحب تدريجي للقوات من ليبيا، للحفاظ على التوازن”، وأن الانسحاب “لن يحدث بين عشية وضحاها”.
وفي أوائل العام الحالي، سُجل أن المرتزقة كانوا يبنون خطًا دفاعيًا وتحصينات – على الأرجح – من أجل صد هجوم محتمل من قبل قوات حكومة الوفاق الوطني على الأراضي التي يسيطر عليها “الجيش الوطني الليبي”
وعلى خلفية المواجهة بين روسيا والولايات المتحدة التي تشتد حينا وتنخفض حينا آخر، تزداد درجة تدويل الصراع، بقدر تشديد السيطرة على حظر الأسلحة وتوسع دور الشركات العسكرية الخاصة كورقة سياسة خارجية من قبل الدول. وتساعد الشركات العسكرية الخاصة في تقليل المخاطر السياسية التي تنطوي عليها مشاركة الدولة في الحرب في ليبيا، بينما تدعم بنشاط مجموعة أو أخرى عن طريق إرسال أسلحة أو مدربين عسكريين أو مرتزقة.
تكرار المُخرجات
يرى مراقبون للشأن الليبي أن مخرجات “برلين 2” جاءت مكررة دون توضيح الإجراءات الفعلية على الأرض، وخاصة فيما يتعلق بتوحيد المؤسسة العسكرية وبسط حكومة الوحدة الوطنية سيطرتها على البلاد.
ووصف عز الدين عقيل الباحث في المركز المغاربي للاعلام والدراسات والتكوين مخرجات المؤتمر ب”الشيء المضحك” موضحا أن “المؤتمر خرج بمبادئ وقرارات لا يختلف حولها الليبيون، ولم يأت بجديد حول الملفات الحساسة التي يتوجب النقاش وحسمها”.
وقال عقيل في تصريح خاص لموقع “لعبة الأمم” أن “ليبيا تحتاج لمقومات وآليات عملية لابد أن يؤكد عليها مجلس الأمن، على رأسها قرار نزع السلاح وتفكيك الميليشيات وتوحيد المؤسسة العسكرية والأمنية”، مشددا على ضرورة إرسال “بعثة أمنية من الأمم المتحدة إلى ليبيا بدل السياسية لكي تقوم بهذه المهمة”.
وحسب السياسي الليبي فإن “مسألة خروج المرتزقة بشكل متوازي ومتزامن، تخدم مصالح دولتين محددتين هما تركيا وروسيا حيث أغلب المرتزقة الأجانب ينحدرون منهما، وستعملان على تعطيل هذا الخروج حتى تحقق مكاسبها السياسية والاستراتيجية”، مشبها ذلك “بالسيناريو السوري”.
روسيا وتركيا والصين
يذكر أنه في كانون الأول/ديسمبر الماضي قدرت الأمم المتحدة بنحو 20 ألفا عدد المرتزقة والمقاتلين الأجانب في ليبيا، من روس في مجموعة فاغنر الخاصة وتشاديين وسودانيين وسوريين وغيرهم. وينتشر مئات من العسكريين الأتراك بموجب اتفاق ثنائي مبرم مع حكومة طرابلس السابقة، فيما مصادر دبلوماسية أكدت أن “عدد المقاتلين لم ينخفض بشكل كبير، لكن لدينا وقف إطلاق نار مقبول بشكل عام ومحترم في كل أنحاء البلاد”.
أضاف المتحدث ذاته أن “الانتخابات المقبلة لن تكون ناجحة في دولة لا جيش ولا شرطة فيها”، واصفا إياها “بكارثة سياسية أخرى، ما دامت غير محمية من تدخلات المسلحين الأجانب”، مشيرا إلى أن “ليبيا لا تزال دولة ناقصة السيادة، سواء من ناحية التدخلات الأجنبية في القرار السياسي، أو المرتزقة الأجانب، إضافة للانقسام الداخلي شرقا وغربا”، متسائلا بذلك حول “كيفية إقامة انتخابات في ظل استمرار هذا الوضع”.
وحذر عقيل في ختام حديثه من “استغلال ليبيا كنقطة فوضى لضرب المصالح الصينية بالبلاد، حيث يتم تدريب قبائل ليبية على السلاح لاستهداف منشآت تابعة للصين” وفق معلوماته، موضحا أن “الدول المستفيدة من الصراع تحتاج لبؤرة فوضى تهدد بها مصالح خصومها، وما يوجد في ضمائرهم يشكل تهديدا للدولة الليبية”.
الهاجس الأميركي
من جانبه، يرى الكاتب والباحث في العلوم السياسية بالرباط محمد شقير في حديثه مع موقع “لعبة الأمم” أن “هناك عدة مؤشرات لإمكانية نجاج مؤتمر برلين الثاني، والذي لم يشارك به المغرب رغم الدعوة الموجهة له من ألمانيا”، مفسرا ذلك بحضور “حكومة ليبية تحظى بنوع من الشرعية الدولية”.
وأوضح شقير أن “مشاركة الولايات المتحدة وحرصها على وضع حد لعدم الاستقرار السياسي بليبيا قد يؤثر على الوضع في دول الساحل والصحراء وتشجيع الحركات المسلحة بكل ما يحمله ذلك من تداعيات على المنطقة الإفريقية”، وحسب تقديره فإن “مناورات الأسد الإفريقي التي أجريت بالمملكة المغربية وبرعاية أمريكية، انعكس من خلالها الهاجس الأمني لدى الأخيرة”، معتبرا أن “تأكيد وزير الخارجية الأمريكي على ضرورة سحب القوات الأجنبية والميليشيات، يعكس بشكل جلي حرص الإدارة الأمريكية على هذا المعطى”.
وأضاف المحلل السياسي في حديثه أن “ثالث المؤشرات هو حضور ممثلي دول إقليمية أوروبية وعربية”، حيث “سيساهم بلا شك في تسهيل ما تم الاتفاق بشأنه والمتعلق أساسا بانسحاب القوى الأجنبية وإجراء الانتخابات في موعدها المحدد”.
انتخابات وثروات
ومن المتوقع أن تجرى الانتخابات العامة الليبية في 24 ديسمبر القادم، ويتطلع الليبيون لحكومة ليبية تعمل بشكل أساسي على إعادة الحياة الاقتصادية والاجتماعية وفتح الطرق الرئيسية وإنهاء معاناتهم، وقبل أيام جرى فتح الطريق الساحلي الرابط بين مدينتي مصراتة وسرت من الجانب الغربي بعد إزالة السواتر الترابية في منطقة بويرات الحسون شرق مصراتة، ويُنتظر فتح طرق أخرى وكذلك الحدود البرية مع الدول المجاورة.
وتتوفر ليبيا على حوالي 44.3 مليار برميل من احتياطيات النفط المؤكدة. وسيسمح وقف الأعمال العدائية بالاعتماد على صادرات النفط الليبية المستعادة جزئيًا، وربما على خطوط أنابيب النفط الجديدة التي شُيدت مؤخرا. كما ستتم إعادة الإعمار التي طال انتظارها للبنية التحتية للنقل وإنتاج النفط ومصافي النفط، والتي ستلعب دورًا أساسيًا في النهضة الاقتصادية للدولة الليبية الموحدة.
وفيما يُنتظر أن تعود ليبيا للحضن المغاربي حسب ما صرح به رئيس الحكومة الانتقالية في أكثر من مناسبة وربما تفعيل الاتحاد المغاربي عبر البوابة الليبية، لفت محمد شقير إلى أن “هذا الأمر يبقى مستبعدا مادامت المشكلة الأساسية هي بين المغرب والجزائر”، مضيفا أن “اتفاق هاتين القوتين الإقليمتين بالمنطقة المغاربية هو ما سيسهل أي تفعيل لمؤسسات هذا الاتحاد”.