آخر خبرمقال اليوم
لبنان وسورية من التبعية الى الأمل بالنديّة

محمد مكتبي

في خطوة وصفها كثيرون بالتاريخية ، إستقبلت دمشق في 11 يناير 2025 رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ بداية الأزمة السورية عام 2011. لم تقتصر الزيارة على اللقاءات الرسمية فحسب ، بل سبقها زيارة لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط الذي لعب دورا بارزا في تحريك المياه الراكدة بين البلدين. هذه الزيارات أثارت تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين لبنان وسورية والملفات المشتركة بينهما في ظل التحولات الإقليمية والدولية .
الملفات اللبنانية السورية التي تم بحثها :
1. ملف النازحين السوريين : أكد ميقاتي على ضرورة معالجة ملف النازحين السوريين وعودتهم إلى وطنهم مشددًا على أن هذا الملف يشكل ضغطًا كبيرًا على لبنان. من جانبه ، أبدى الشرع تفهمًا للمسألة مؤكدًا أهمية التعاون بين البلدين في هذا الصدد
2. ضبط الحدود وترسيمها : تم الاتفاق على تشكيل لجان مشتركة لدراسة ترسيم الحدود البرية والبحرية بين البلدين بهدف منع التهريب وتعزيز الأمن على الحدود . كما تم التأكيد على ضرورة ضبط الحدود بشكل كامل لوقف أي محاولات تهريب
3. التعاون في مكافحة المخدرات : ناقش الطرفان سبل التعاون في مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود ، واتفقا على تبادل المعلومات والتنسيق بين الأجهزة الأمنية المختصة
4. الودائع السورية في البنوك اللبنانية : تم التطرق إلى موضوع الودائع السورية في البنوك اللبنانية، حيث تم الاتفاق على تشكيل لجان مختصة لدراسة الوضع واتخاذ الإجراءات المناسبة
5. المعتقلون السوريون في السجون اللبنانية : تم التطرق إلى موضوع تسليم المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية الذين كانوا قد تم احتجازهم في لبنان خلال السنوات الماضية . يبلغ عدد السوريون في السجون اللبنانية 2297 وفق ما صرح به وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي
التبادل التجاري بين البلدين بالأرقام :
بلغ حجم التبادل التجاري بين لبنان وسورية في عام 2020 حوالي 208 ملايين دولار أمريكي، حيث إستورد لبنان من سورية ما قيمته 101 مليون دولار ، بينما صدّر إليها ما قيمته 107 ملايين دولار
خلال الفترة من 2014 إلى 2023 ، احتلت سوريا المرتبة الأولى في قائمة الدول العربية المستوردة من لبنان حيث بلغ إجمالي صادرات لبنان إلى سورية 1.973 مليار دولار مما حقق فائضًا تجاريًا لصالح لبنان بقيمة 760.195 مليون دولار وفق إحصاءات ” دليل الصادرات والمؤسسات الصناعية اللبنانية ”
ومع ذلك ، شهدت التجارة بين البلدين تراجعًا ملحوظًا عام 2023 حيث انخفضت صادرات لبنان إلى سورية بنسبة 80% مقارنة بالعام 2022 مما يعكس تحديات كبيرة تواجه التبادل التجاري بين البلدين.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الأرقام تعكس التبادل التجاري الرسمي بين لبنان وسورية ، إذ لا تشمل التجارة غير الرسمية أو عبر المعابر غير القانونية ما قد يؤثر على دقة التقديرات .
التحديات السياسية والإقليمية :
لا شك أن العلاقات اللبنانية السورية لا يمكن أن تكون بمنأى عن تأثيرات البيئة السياسية الإقليمية والدولية ، حيث تبقى القوى الكبرى كالولايات المتحدة وفرنسا تراقب عن كثب هذه التحولات . كما أن التأثيرات الإقليمية ، مثل التوترات بين إيران والغرب قد تساهم في تحديد ملامح التعاون بين لبنان وسورية . في الوقت نفسه ، تبقى بعض القوى المحلية في لبنان مثل قوى 14 آذار متحفظة بشأن أي تقارب مع النظام السوري .
تمثل العلاقات اللبنانية السورية نموذجًا معقدًا من التداخلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، حيث يرتبط مصير البلدين بعوامل مشتركة تتجاوز الجغرافيا والتاريخ . وبينما تفتح الزيارات الرسمية الأخيرة بابًا للأمل في تحسين هذه العلاقات ، يبقى النجاح مرهونًا بقدرة الطرفين على تجاوز التحديات العالقة وإدارة الملفات الحساسة بحكمة وتوازن . إن بناء شراكة متينة ومستدامة بين لبنان وسورية ليس مجرد خيار ، بل هو ضرورة استراتيجية لتعزيز الاستقرار والتنمية في كلا البلدين ضمن منطقة تشهد تحولات جيوسياسية متسارعة .