“خط تماس” عالمي جديد يمرّ بلبنان؟!

الآن دفوني-لبنان
مرّ العالم في السنوات العشر الأخيرة بجملة من الأحداث بدءا” بالربيع العربي، وصولا” إلى الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة ومرورا” بالحربين السوريّة واليمنيّة-السعوديّة، والإنتفاضات الداخليّة الدمويّة في العراق وكازاخستان، والسلميّة في لبنان…
لا شكّ أنّ لكلٍّ من الحروب والصراعات هذه، أسبابها الذاتيّة الداخليّة. ولكن، يبدو لنا أنّه، خلف هذه الأسباب، تبرز أيضا” ظاهرة دوليّة ترافق كلّ تلك الأحداث، وهو ما يتمّ الحديث عنه في السنوات الثلاث الأخيرة، وخصوصا” في لبنان، بما عُرِفَ بالصراع أو الإشتباك بين المحورين العالميّين “الشرقي” (ويُقصَد بذلك معظم الدول الآسيويّة) و”الغربي” ( يقصد بذلك معظم الدول الأوروبيّة والولايات المتّحدة ودول الكومنولث).
يأخذ هذا الصراع أوجها” متعدّدة سنكتفي بالتطرّق إلى اثنين منها:
أوّلا”، العولمة الثقافيّة ومحاولات الحدّ من تأثيراتها: في “الغرب”، تتقارب أنماط العيش والإستهلاك، وتتدفّق الأفكار والمعلومات بحرّيّة. ويتمّ تصدير نموذج العولمة الثقاقيّة هذا، إلى باقي الدول عبر الإعلام ومنصّات التواصل الإجتماعي، والتعليم. أمّا في “الشرق”، فيبدو أنّ الدول تحكمها نزعة “استقلاليّة”، لها ثقافتها الخاصّة، تقبل العولمة جزئيّا”، وبتحفّظ، لا بل تنظر إليها نظرة ارتياب أحيانا”، فتضع نفسها في موقع دفاعي، للمحافظة على “سيادتها” و”خصوصيّاتها الثقافيّة”.
على سبيل المثال، فيما خصّ الثقافة الدينيّة، نرى تباعدا” وتنوّعا” دينيّا” في “الشرق”، مقابل تقارب نسبي في “الغرب”. فالمواطنون “الغربيّون” ينتمون بشكلٍ عام إلى الديانتين الكاثوليكيّة والإنجيليّة. أمّا لدى “الشرقيّين”، فنرى الأرثوذكس والسنّة والشيعة والكونفوشيوسيّة والبوذيّة … فماذا يجمع إيران التي تطبّق الشريعة الإسلاميّة، بروسيا التي تتأثّر بالنفوذ الكبير للكنيسة الأرثوذكسيّة، وبباكستان السنّيّة التي تفاخر بامتلاك “القنبلة النوويّة الإسلاميّة”، وبالبوذيّة والكونفوشيوسيّة في الصين؟ المصالح المشتركة بالتأكيد، ولكن، أيضا”، الخوف من خطر تغلغل ما يسمّى “الحضارة الغربيّة” في مجتمعاتها.
ثانيا”، الأمن مقابل الإقتصاد: “أعطني أمنا” أعطيك بحبوحة”. يمكننا تلمّس هذه المعادلة عبر جملة من الأحداث. على سبيل المثال، لقد نمت “حركات المقاومة” في منطقتنا العربيّة (الحشد الشعبي، حزب الله، الحوثي، حماس) في ظلّ العقوبات الإقتصاديّة على إيران، الداعمة الأساسيّة لها. وترافقت الحرب السوريّة مع عقوبات إقتصاديّة قاسية (منها قانون قيصر). ويتكرّر فرض العقوبات اليوم على روسيا، جرّاء “غزوها” لأوكرانيا….
في المحصّلة، نستطيع القول بأنّ كلّ معسكر يمتلك من التطوّر العسكري والتكنولوجي، وكذلك من الإكتفاء الإقتصادي والطاقوي، والعدد السكّاني، ما يجعل قواعد الإشتباك بين الطرفين تحقّق نوعا” من التوازن.
إستنادا” إلى هذه الحقائق، ومن خلال مراقبة الأحداث في السنوات العشر الأخيرة، لاحظنا مناطق متجاورة ومتداخلة ومتفجّرة أمنيّا” واقتصاديّا” وعسكريّا” وسياسيّا” في آن.
لذلك، قمنا برسم خطّ افتراضي هو بمثابة “خط تماس” يمتدّ من حدود روسيا وبيلاروسيا في الشمال، نزولا” إلى أوكرانيا، فالحدود السوريّة-التركيّة، مرورا” بالحدود اللبنانيّة-الإسرائيليّة وانتهاء” بالخليج الفارسي واليمن جنوبا”. إذا”، إنّه خط إفتراضي، ومتغيّر بحسب تبدّل نفوذ اللاعبين الدوليّين، ومدى انخراطهم في هذا الصراع.[1]
في الختام، في ظلّ عالم اليوم الذي يتخبّط في الفوضى، نعتقد أنّ “الغرب” لا يزال متقدّما” بشكلٍ عام في العديد من المجالات وخصوصا” في السلاحين الإعلامي والمالي. لذلك يسعى إلى إشغال خصومه من خلال إحداث فوضى “الثورات الملوّنة” حينا”، والعقوبات الإقتصاديّة أحيانا”، ما يجعل مسار ردم الهوّة الذي يهدف إليه “الشرق” في مجالات الإقتصاد والعسكر والتكنولوجيا، مليئا” بالعقبات والصعوبات والصراعات والفتن.
ولا يسعنا اليوم، إلّا أن ندعو حكّام الدول الواقعة على ضفّتي خطّ التماس هذا، إلى وقفة حكمة وتعقّل وأن ينسجوا علاقات تعاون مشترك، فيحوّلوا “لعنة الجغرافيا” هذه إلى فرصة تنقذ بلدانهم والعالم من الحروب والصراعات التي يبدو أنّها لن تنتهي في المدى المنظور، فيحوّلوا دولهم من ساحات اشتباك إلى ساحات تلاقي.
خريطتا خطّ التماس (بتصرّف)
محلّل سياسي واقتصادي
[1] مع الإشارة إلى خصوصيّة 3 دول تقع على طرفي هذا الخط: تركيا البراغماتيّة التي تتبدّل مواقفها بحسب المصالح و”على القطعة”، ولبنان حيث أنّ الصراع من الصعب حسمه بسبب التعقيدات والتوازنات الداخليّة، وسلطنة عمان التي تأخذ في معظم الأحيان موقفا” محايدا” وتلعب دورا” وسطيّا” لحلّ النزاعات.
الكاتب: الآن دفوني
ماجستير في العلوم السياسية
ماجستير في العلوم الاقتصادية
ماجستير في علم المصارف والمال