آخر خبرمقال اليوم

الجبهة الشعبية تهزم اليمين المتطرف في انتخابات فرنسا

 مرح إبراهيم-باريس 

  الاقبال الكبير على صناديق الاقتراع    اليوم (الأحد) في الجولة الثانية للانتخابات التشريعيّة  كانَ أحد أهم العوامل الحاسمة في قلب المعادلة. فبعد أسبوع من القلق الكبير الذي أعقب تصدّر اليمين المتطرف الجولة الأولى من الانتخابات الأحد الماضي، قلبت الجبهة الشعبيّة الجديدة الطاولة بسحرِ ساحر واحتلت المرتبة الأولى.

 كانت المفاجأة كبيرة اليوم، خصوصًا أن الجبهة الشعبية الجديدة حديثة الولادة، فهي أُسّست في العاشر من حزيران/ يونيو الماضي ، عقب صاعقة الانتخابات الأوروبيّة، وتضمّ  الجبهة أحزابًا يساريّة من الاشتراكيّين والشيوعيّين، في مقدِّمها حزب فرنسا الأبيّة بقيادة اليساري المتمرّد جان لوك ميلانشون والحزب الاشتراكي، وأحزابًا أخرى.

 أمّا حزب التجمّع الوطني (اليمين المتطرّف) فقد تراجع إلى المرتبة الثالثة بعد حزب الكتلة الرئاسيّة بقيادة الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون.

 شهد التاريخ الفرنسي الحديث أكثر من مرة اقتراب اليمين المتطرف الى سدّة الحُكم، ثم تراجُعَه بفضل تحالفات غالبًا ما قفزت فوق المبادئ السياسية والخلافات بين اليمين واليسار التقليديّين، لكنّ السيناريو يتكرّر هذه المرّة على نحو مُختلف، وبنكهة يسارية أوسع .

كان قسمٌ من الفرنسيين ينحو صوب اليمين المتطرف، ليس حُبًّا به، بل لتوجيه رسالة بضرورة التغيير نظرًا للظروف الاجتماعية والاقتصادية وانسداد الأفق السياسي وارتفاع الضرائب، أو بسبب موجات التعبئة ضد المهاجرين.

 لكنّ رسالة الفرنسيّين التي سُمعت تمامًا في الجولة الأولى، تغيّرت في الجولة الثانية لصدّ تقدّم تسونامي اليمين المتطرف وما قد يسببّه من ويلات في الداخل وعلى مستوى السياسة الخارجية.  فعلى الرّغم من النّسبة العاليةِ التي حقّقها اليمين المتطرّفُ ممثَلًا بحزب التجمّع الوطني (على رأسه جوردان بارديلّا) في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعيّة يومَ الأحد الماضي، إلّا أنّ وصوله في الجولة الثانية لم يتحقّق، في ظلّ الانسحابات والتحالفاتِ وتشكّل جبهةٍ جمهوريّةٍ  (من تحالف يساري ويمينيّ) بغيّةَ التصدّي له بشتّى الوسائل.

كان القلق كبيرًا من وصول اليمين المتطرف الى سُدّة الحكم، مُنذرًا بسنواتٍ من الفوضى والتخبّطِ السياسيَّين في الداخل الفرنسيّ، سواءً أدّت الانتخابات إلى حكومة تعايش (تكونُ الرّابعةَ في الجمهوريّة الخامسة)، أو حكومة تحالف، أو ما يسمّى بالحكومة التقنية . فبعد حلّه البرلمان، كان على الرئيس أن يحكم البلادَ مع أغلبيةٍ جديدة ومن ثمّ بإمكانه تشكيل ما يسمّى بالحكومة التقنية، أي تشكيل سلطة تنفيذيّة تتألّف من مختصّين وخبراء في مختلف المجالات لإدارة شؤون البلاد بانتظار الانتخابات التشريعيّة المقبلة، على ألّا ينتمي أيّ منهم إلى أيّة كتلة سياسيّة.

ميلانشون الداعم لفلسطين

 رغم الانقسام الذي قد يسبّبهُ وصول اليسار إلى ماتينيون، إلّا أنه جنّب فرنسا الدّخول في غياهب سياسات اليمين المتطرّفة وقد يبشرُ بتغييرٍ في مسارِ سياسة فرنسا الخارجيّة، لا سيّما عربيًّا وحيالَ القضيّة الفلسطينيّة، خصوصًا إذا استطاعت شخصيّاتٌ سياسيّة كجان لوك ميلانشون الوصولَ إلى رئاسة الوزراء. فقد تميّزت مسيرة ميلانشون بتصريحاتٍ مناقضة للأدبيات اليسارية التقليديّ، لاسيّما منذ السّابع من تشرين الأوّل أكتوبر ( طوفان الأقصى)، إذ عبّر هذا القيادي اليساري عن دعمه الكبير للقضيّة الفلسطينيّة وحقوق الإنسان في غزة وإدانته شديدة اللهجة لنتنياهو ونظامه المتمثّل بالفصل العنصريّ والتهجير، واصفًا ما يقترفه بالإبادة الجماعيّة. كما حثَّ على استرجاع دور فرنسا كقوة عظمى، تسعى للوساطة بينَ الدّول لتحقيقِ السّلام. وقد دفع ميلانشون ولا يزال، ثمنَ موقفه بالاتّهاماتِ القاسية والباطلة ” معاداة الساميّة” و “دعم الإرهاب”، لمجرّد إدانته لجرائم إسرائيلَ ضدّ الإنسانيّة.

وتماشيًا مع ذهنيّة الوساطة ورفض الحرب، لم يوقّع أيّ ممثّل عن حزب “فرنسا الأبيّة” اليساريّ على ميثاق دعم أوكرانيا، بينما تعهّد مرشحون آخرون، في إطار هذه المبادرة التي أطلقتها جمعية”الوقوف مع أوكرانيا” بدعم تسليم أوكرانيا جميع الأسلحة اللازمة للدّفاع عن سلامة أراضيها واستعادة حدودها المعترف بها دولياًّ، كما وافق المرشّحون على دعم عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي وتشديد العقوبات ضد روسيا. أمّا حزب فرنسا الأبيّة، فصوّت ضدّ الحرب وتوسّع حلف الناتو والاتحاد الأوروبيّ لضمّ أوكرانيا. خلال التصويت التشاوري، صوّت الحزب ضد الاتفاقية الأمنية الثنائية بين فرنسا وأوكرانيا في بداية شهر آذار الماضي، معلنًا تباينَ موقفه مع موقفِ الاشتراكيّين.

كانت أولى تصريحات ماكرون عقب نتائج الانتخابات التشريعيّة مساءَ اليوم، الدّعوة إلى الحذر، مشيرًا إلى أنّ النّتائج لاتجيبُ على سؤال “مَن يحكم”  مضيفًا أن نسبة المشاركة تُبيّن أن حلّ البرلمان كانَ ضروريًّا، فيما أكّد ميلانشون على واجب ماكرون دعوةَ الجبهة الشعبيّة إلى الحكم. والآن يتساءل القصر إذا كان ثمة احتمال تشكّل تحالف متجانس لبلوغ 289نائبًا في البرلمان، نظرًا إلى عدم تحقيق أيّ من الأحلاف الأغلبيةَ المطلقة.

فعلى الرّغم من النجاح في التصدّي لليمين المتطرّف، لا تزال الأسئلةُ قائمةً في ظلّ التباين ضمن التحالفات الجديدة.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button