اليمن المتطرّف يتصدّر البرلمان الأوروبيّ وصاعقةٌ مزدوجة في فرنسا
اليمن المتطرّف يتصدّر البرلمان الأوروبيّ وصاعقةٌ مزدوجة في فرنسا
مرح إبراهيم
شهدت نتائجُ الانتخاباتِ الأوروبيّة ليلةَ أمس ارتفاعَ موجةِ اليمين الراديكاليّ، طالت أبرزَ دول الاتّحاد الأوروبيّ، لاسيّما فرنسا وألمانيا والنّمسا وإيطاليا.
احتل اليمين المتطرّف الصدارة في إيطاليا، كالمتوقّع، بنجاحِ جيورجيا ميلوني، بنسبةٍ عالية بلغت 28 بالمئة، معزّزًا نفوذها في إيطاليا ودورَها في أوروبا. أمّا في ألمانيا، فأحرزَ حزب اليمين المتطرّف (البديل من أجل ألمانيا) تقدّمًا مهمًّا، بالغًا المرتبَة الثّانية بنسبةٍ تقارب 16 بالمئة (ستّة مقاعد إضافيّة). كما سيطرَ أقصى اليمين في نتائج النّمسا، إذ صوّت عددٌ كبيرٌ من النمساويين لصالح اليمين المتطرف : وصل حزب الحريّة النّمساوي، حليفُ حزب البديل من أجل ألمانيا في البرلمان الأوروبيّ، بعد حملته ضد “أزمة اللجوء” و”الإرهاب البيئي”، إلى المرتبةِ الأولى، بنسبةٍ تقارب 26 % من الأصوات.
بيد أنّ نتائج الانتخابات في فرنسا والقرارات التي تلتها شكّلت الصّاعقة الأكبر، نظرًا لهيمنة اليمين المتطرّف بفارقٍ كبيرٍ مع باقي الأحزاب؛ نتائجٌ جاءت برسائلَ سياسيّة كبرى، غالبًا ما ستقلب موازينَ المشهد السياسيّ الفرنسيّ في المستقبل القريب. فقد حاز حزب التجمّع الوطني الذي يمثّله النائب جوردان بارديلّا على المرتبة الأولى، بنسبةٍ كاسحة تقارب 32 بالمئة، أي أكثر من ضعف قائمة الأغلبية الرئاسية، ممّا شكّل هزيمةً تاريخيّةً لحزب الرئيس ايمانويل ماكرون، بقيادة فاليري هاير.
ما إن نُشرت نتائج الانتخابات الأوروبيّة حتى أعلنَ الرئيس الفرنسيّ حلّ البرلمان، داعيًا إلى انتخاباتٍ تشريعيّة جديدة في نهاية الّشهر الجاري، ليكون هذا الحلّ البرلماني السّادس في تاريخ الجمهوريّة الخامسة، سبقَه قرار الرئيس جاك شيراك حلّ البرلمان عامَ 1997. استهلّ الرئيسُ ماكرون خطابَهُ قائلًا ” لقد قرّرتُ أن أعطيكم فرصة اختيارِ مستقبلنا البرلماني من جديد، عبرَ التّصويت (…) إنّهُ لقرار خطيرٌ وصعب، لكنه قائمٌ قبل كل شيء على الثقة (…) لقد سمعتُ رسائلكم وهواجسكم ولن أتركها دون ردّ”.
يعلمُ ماكرون جيًّدا أنّ لا علاقة لهزيمة هاير بالقضايا الأوروبية البحتة، إذ كانَ وزنُ القضايا الدّاخليّة حاسماً في التصويت، لاسيّما بين ناخبي جوردان بارديلا. ففي نظر الناخبين، لا يلعبُ التصويت في الانتخابات الأوروبيّة دورًا مهمًّا في ميزان السلطة، الأمرُ الذي يعكسُ بعدًا تعبيريًّا في فعلِ التّصويت. ومع ذلك، فقد أشار أحدث مقياس شعبية عن المعهد الفرنسي للرأي العام IFOP، الذي نُشر في النصف الثاني من شهر مايو، إلى أن 31 بالمئة فقط من الذين شملهم الاستطلاع راضون عن أفعال رئيس الجمهوريّة وقراراته. لعلّها العبرةُ الأولى من الانتخابات الأوروبية : بروزُ حركة تصويت عقابيّ ضد إيمانويل ماكرون.
في الواقع، واجهَ عهدُ ماكرون منذ العام 2017 أزمات داخليّة وخارجيّة عديدة، لعبت دورًا كبيرًا في تقلّبِ شعبيته، لاسيّما حركة الّسترات الصفر التّي برزت عام 2018 احتجاجًا على ارتفاع الضرائب على أسعار الوقود وعدم العدالة الاقتصاديّة، حركةٌ سلّطت الضوء على التفاوت الاجتماعيّ. وفي مطلع عام 2020، ضربت جائحة كوفيد 19 العالمَ لتولّد أزماتٍ متعاقبة في مختلف القطاعات، لاسيّما الصحيّ والاقتصاديّ. وفي العام 2022، اندلعت حرب أوكرانيا، لتخلقَ انقسامًا حول العالم ولا تزال تداعياتها الاقتصاديّة مستمرّة حتّى الآن. ناهيك عن فشل سياسته الخارجية، لاسيّما في أفريقيا، والاحتجاجات التي شهدتها فرنسا مؤخّرًا ضد قانون التقاعد ومسائل الأمن الداخليّ وضبط الهجرة.
لا شكّ أن ماكرون، الذي أراد سلك نهجٍ مغاير منذ البداية بتعريف خطّه “لا يمينيّا ولا يساريًّا” أو “يمينيًّا ويساريًّا في آن”، واجهَ أزماتٍ عدّة، اتّسمت إدارتهُ لكلٍّ منها بالتشدّد والمجازفة، على غرار قراره الأخير في حلّ البرلمان، ردًّا على بروز اليمين المتطرّف بزعامة مارين لوبن، الذي قد يكونُ رهانًا خاسرًا بعد فشلهِ في مواجهته خلال السنوات الأخيرة، لا بل قد يكون بحلّه هذا يسلّمُ مفاتيح ماتينيون (رئاسة مجلس الوزراء) لأقصى اليمين ليفتحَ صفحةَ تعايشٍ سياسيٍّ مع اليمين الراديكاليّ الذي يعيشُ اليومَ عصرهُ الذّهبيّ.