أشكال الذكاء وعلاقتها بالشّخص بالنجاح
أشكال الذكاء وعلاقتها بالشّخص بالنجاح
روزيت الفار-عمّان
“الذكاء”، تعبير يشمل القدرات الذّهنيّة المتعلّقة بالقدرة على التّحليل والتّخطيط وحلّ المشاكل وبناء الاستنتاجات وسرعة التّصرّف وقدرة التّفكير المجرّد وجمع وتنسيق الأفكار والتقاط الّلغات وسرعة التّعلّم. ويشمل أيضاً قدرة فهم الطّبيعة والبيئة، وكذلك قدرة الإحساس وإبداء المشاعر وفهم وتفهّم سلوك ومشاعر الآخرين. وعليه؛ لم تعد اختبارات معدّل الذّكاء IQ tests؛ المقياس الأوحد لتحديد ذكاء الشّخص. فهناك الذّكاء الّلغوي والرّياضي والحسّي والحركي والبصري والمكاني والموسيقي والذّكاء الطّبيعي (المتعلّق بفهم الطّبيعة) والذّكاء الشّخصي الدّاخلي (معرفة الشّخص لذاته) الخارجي الخاص بمعرفة وفهم الآخرين وحسن إدارة التّعامل معهم أيّ الذّكاء الاجتماعي.
بحث علم النّفس بطريقة مفصّلة كلّاً من تلك الأنواع وبيّن أهميّة امتلاك الفرد لها في نجاح حياته العمليّة وعلاقاته الاجتماعيّة، وأفاد بأنّ الشّخص النّاجح هو القادر على الجمع بينها.
بتاريخ 24 أيّار 2023، نشر موقع Hack Spirit، المتخصّص بالمقالات العلميّة الخاصّة بتطوير الذّات والنّمو الشّخصي وبأساليب الحياة بنوعيّة أفضل وبفن التّواصل مع الغير، تقريراً علميّاً حول صفات الشّخص النّاجح اجتماعيّاً بقلم الكاتب والأستاذ الجامعي Lachlan Brown مؤلِّف كتاب “فنّ المرونة “، “The Art of Resilience”، الّذي يعتبر دليلاً علميّاً لتطوير القوّة العقليّة ولاستراتيجيّات العقل والجسم والتّدريب الرّياضي.
يشرح فيه “براون” أشكال الذّكاء ويقول بأنّ كلّاً منّا يمتلك منها ما يجعله مختلفاً عن الآخر. فلا عجب من وجود أشخاص يجذبون الآخرين دون جهد ويصبحون من المشاهير. فالقضيّة هنا لا ترتبط بسحر مظهرهم أو جاذبيّة لغة جسدهم بقدر ارتباطها بالموهبة والقدرة على جعل الآخرين يشعرون بأهميّتهم.
للشّخص النّاجح الذّكي؛ صفات، أهمّها:
- حسن انتقاء الكلمات ولغة التّخاطب والتّفكّر فيما سيقول؛ ليس لإرضاء السّامع؛ بل لعدم إيذائه. ومقدرة الإنسان على إيضاح نفسه أمام الآخرين تعزّز من جاذبيّته وسحره وهو الأمر الّذي يدركه الأذكياء.
- الانتباه الجيّد للانتقادات. ففي حين يُنصح بعدم الالتفات لما يقوله الآخرون. نرى الشّخص الذّكي يحرص على الانتباه لما يوجّه له من انتقادات ويختار منها ما يراه حقيقيّاً ويستثمره في إصلاح أخطائه وجوانب النّقص الّتي يعاني منها بهدف تطوير ذاته وتقدّمه. فالانفتاح على الغير وتقبّل آرائهم، لا يعتبره الأذكياء مصدراً للأذى بل أداة مهمّة في صنع أفضل نسخة منهم، وهذه من صفات الشّخصيّة الجاذبة الدّيناميكيّة.
- الاصغاء أكثر من التّكلّم وخلق جوٍّ مريح يمنح الأذكياءُ من خلاله الآخرين فرصةً للتّحدّث وللمشاركة وللّتعبير عمّا يجول بأذهانهم وعن آرائهم ومشاعرهم، ممّا يزيد من احترامهم وإعجابهم للشّخص الّذي قام بذلك.
- إظهار التّعاطف الصّادق مع الآخر. يملك الشّخص الذّكيّ ميزة فريدة تجنّبه استدراج عطف الغير من خلال الظّهور بمظهر الضّحيّة المُساء إليها. بل على العكس، فهو إضافة لميله لعادة حسن الإصغاء والتّحقّق من أن يكون حديثه خالٍ من أيّة كلمات أو جمل مسيئة، نجده أيضاً حريصاً على إبداء تعاطفه مع من حوله مُتحسِّساً لمشاعرهم باهتمام؛ الأمر الّذي يجعله بارعاً في تحسين مزاجهم؛ وبالتّالي التّمكّن من كسب دعمهم وولائهم واحترامهم. كذلك يستطيع من خلال ذلك؛ معرفة وتحديد ما عليه القيام به في مختلف المواقف والظّروف. ويساعد هذا الإحساس الزّائد من التّعاطف مع الغير؛ في تجنيب الشّخص من الظّهور بمظهر الإنسان الّلامبالي أو العدائي المؤذي.
- تجنّب التّذمّر والشّكو المتواصل. يمتلك الشّخص الذّكي توجّهاً فريداً في تعامله مع “السّلبيّة” ويرفض العيش معها. فهو لا ينكر مشاكله، لكنّه يحرص على ألّا يزيد من هموم الآخرين وأعبائهم ويفضّل الظّهور بشكل إيجابي حتّى وإن كان يعاني.
- عدم استغابة الغير أو إصدار أحكام تُدينهم. فالإنسان الذّكي يدرك أنّ لكلٍّ منّا قصّته يخبرها هو عن نفسه حين يشاء وان نشرها ومشاركتها مع الغير ليسا من شأنه؛ بل على العكس، يركّز على تفهّم الآخرين وإيجاد قواعد مشتركة يقيم عليها علاقات تواصل إيجابيّة متعاطفة معهم مُدركاً بأنّ التّعامل مع الغير عبر احترام خصوصيّتهم هو مفتاح التّواصل المتين.
- عدم الظّهور بمظهر “العارف بكلّ شيء”. الأشخاص الأذكياء يدركون بأنّ النّاس يمقتون هذا النّوع من الشّخصيّات ولا يحترمونها. فبدل أن يتبجّحوا بامتلاكهم كامل المعرفة بكلّ الأمور يقوم الأذكياء بتطبيق ما يعرفون على الواقع، إذ أنهم واثقون من أنفسهم وليسوا بحاجة لأيّ استعراض لمعرفتهم أو لطلب الإشادة بها. فهناك فرق بين من يعرف ويُظهر ومَن يعرف ويُخفي. فالأوّل شخصيّة مُتعالية غير محبوبة، والثّانية ذكيّة وقريبة من الغير.
- تذكّر تفاصيل صغيرة كان قد شاركها معك الآخرون سواء بشكل متعمّد أو عفوي، يعطي انطباعاً بأنّك شخص مُهتم ويقرّبك منهم ويجعلهم يحبّونك ويقدّرونك، والأشخاص الأذكياء يدركون ذلك.
- تشجيع النّاس المنغلقين والقانعين على ترك منطقة الرّاحة الّتي يعيشون بداخلها والقفز والخروج والتّحدّي بهدف تطويرهم وتحسين نوعيّة حياتهم؛ دون ضغط أو إكراه بل عن طريق منحهم مساحة وخلق جوٍّ يتيح لهم القيام بذلك.
- حبّ التّعلّم من الغير. فالشّخص الذّكي هو من يسعى باستمرار لمعرفة المزيد ولا يفترض بأنّه يعرف كلّ شيء. إضافة لأنَّ التّحاور مع الغير والحديث إليهم يساهم في توسيع الشّبكة التّفاعليّة وتمتينها ويتيح للشّخص انتقاء الجديد والمفيد منها ورفد مخزون معلوماته به.
بالنّهاية، أن تكون ذكيّاً اجتماعيّاً، سلوك -كغيره من السّلوكيّات- يتطلّب حسن اهتمام ورعاية وتدريب. والشّخص الذّكيّ هو الّذي يدرك بأنّ الغير سيتعامل معك بالأسلوب الّذي تعامله به.