هكذا نتخلّص من الأفكار السلبيّة
هكذا نتخلّص من الأفكار السلبيّة
روزيت الفار-عمّان
هل مرّت ببالكم فكرة سلبيّة ولاحظتم كيف جرّت خلفها عشرات من أفكار شبيهة جعلتكم بالنّهاية تشعرون بالكآبة والانقباض؟
الأفكار السّلبيّة التّلقائيّة واختصارها بالإنجليزية ANTs. أي “النّمل”. هي حالة ذهنيّة سلبيّة تشكّلت نتيجة تراكم لأفكار سلبيّة تُركت دون معالجة؛ فاستفحلت بالدّماغ وأصبحت مدمّرة.
والحالة الذّهنيّة ليست حالة مزاجيّة عابرة تتعلّق بالمشاعر وتنقضي بانقضاء السّبب؛ بل حالة تشمل المشاعر والأفكار معاً؛ فهي بالتّالي أشدّ تأثيراً على ىسلوكنا وشخصيّتنا. لذا؛ بات الحفاظ على سلامتها أمراً مُلحّاً.
علميّاً؛ بإمكان الدّماغ خلق آلاف الأفكار السّلبيّة باليوم الواحد. فالشّخص يميل عادة لتكوين هذا النّوع من الأفكار أكثر من ميله نحو الإيجابيّة، وذلك لسببين:
- طبيعي مرتبط بالتّكوين البشري؛ فقد لجأ الإنسان بفطرته لإيجادها لتأمين سلامته. “فالتّخيّل أو التّوقّع” هو أفضل ميزات العقل؛ إذ يستخدمه لتدارك مخاطر ما قد يحدث من تهديدات. لكن؛ قد تنقلب هذه الميزة إلى نقيضها ويتحوّل الدّماغ إلى مولّدٍ لأفكار سلبيّة عشوائيّة؛ يحاول بطرق خبيثة إقناعك بأنّها أمور آمنة وحقيقيّة، وهي بالطّبع ليست كذلك بل تحتجزك داخل دائرة مُدمّرة من التّوتّر تنتهي بك شخصاً بائسا.
- تحوّل التّفكير السّلبي إلى عادة. فقد أُثبت علميّاً بأَّنّ 90% من الأفكار مكرّر. فأفكارك اليوم، بمعظمها، أفكار الأمس. يُنشئ تكرار تلك الأفكار ممرّاً عصبيّاً يربطه بالدّماغ؛ يزداد قوّة بازدياد تكرار تلك الأفكار. وهذه هي الطّرق الّتي تتكوّن بواسطتها العادات، فيصبح كسرها عندئذٍ أو التّخلّص منها؛ أمراً صعباً.
أضرار هذه الأفكار:
رغم غايتها الطّبيعيّة لتأمين السّلامة؛ غير أَّنّ للأفكار السّلبيّة أضراراً تؤدّي لتوتّر مُزمن يعمل على خفض الدّماغ إلى مستويات حمضه النّووي، ممّا يُحدِث تغييراً بكيمياء الدّماغ؛ تتبعه مصفوفة من الآثار السلبيّة تشمل:
- استنفاذ المواد الكيماويّة المفيدة للدّماغ؛ أي النّاقلات العصبيّة مثل السّيروتونن والدّوبامين (هرموني السّعادة).
- إبطاء انتاج البروتين الّلازم لتكوين خلايا جديدة للدّماغ؛ بمعنى تسريع شيخوخته.
- تقليص حجم الدّماغ وزيادة حجم “الّلوزة” Amygdala، مركز الخوف بالدّماغ والجزء المسؤول عن أخذ القرار بالدّفاع أو الهروب.
- زيادة مخاطر الإصابة بأمراض عصبيّة ونفسيّة مرتبطة بالتّدهور المعرفي والإدراك.
لاحظ أطباء النّفس -ومنهم Aaron Beck مؤسّس “المعالجة المعرفيّة”- تتابعاً لتيّارات من الأفكار السّلبيّة لدى مرضى الاكتئاب أثناء معالجتهم. مثل: “أنا لا أفعل أبداً أيَّ شيء صحيح”. “أنا فاشل للغاية”. “الكلّ جيّد إلّا أنا” إلخ… وحصر أفكارهم السّلبيّة تلك بثلاثة فئات: أفكار تتعلّق بشخصهم، وأخرى بمن حولهم ، وثالثة بالمستقبل.
اقتنع حينها Beck بأنّ تلك الأفكار أثّرت بشكل سلبي على سعادة مرضاه وجعلتهم مكتئبين، فأطلق عليها إسم “الأفكار السّلبيّة التّلقائيّةAutomatic Negative Thoughts وحروفها الأولى كلمة لا ننساها؛ هي ANTs أي النّمل، لشدّة التّشابه بينه وبين تلك الأفكار من حيث إفساد الحياة عند غزوهم لها وتفشّيهم فيها.
تبعه عالم النّفس والكاتب الأمريكي الأوسع شهرة، Daniel Amen، فأكّد استخدام الكلمة ANTs)) في كتابه “غيّر عقلك، غيّر جسمك”. والّذي يختصر به أنماط التّفكير السّلبي ويعتبرها تشوّهات وانحيازات معرفيّة وفيرة تتغيّر بتغيّر مصادرها، ووصفها بأنَّها أنماط مزيّفة ومخادعة.
أشار Amen إلِى تسع أنماط من تلك الأفكار، وقال بأنَّ “النّمل الأحمر”هو الأشدّ خطورة. فهو الأسرع انتشاراً. وأضاف بأنّ تطوير “قاتل أو آكل نمل داخلي”، سيكون أفضل العلاجات ويعمل كمضاد اكتئاب فعّال ضدّ انتشارها وتفشّيها.
وهناك أساليب أخرى تفيد في التّحكّم بها. منها:
- التّركيز على الجوانب الإيجابيّة للأمور. فبدل أن تحزن لوجود شوك بين الورود، افرح لرؤية ورد بين الأشواك.
- عليك عدم قراءة أفكار الغير. فأفكارك السّلبيّة التّلقائيّة تقودك لأن تعتقد بأنّهم يفكّرون بك بطريقة تختلف عن رؤيتك لنفسك. ولا تأخذ الأمور بشكل شخصي. واعلم بأنّك لست محور الكون وقد لا تعني أمورُك للآخرين شيئاً.
- عدم التّفكير بعاطفة. يحدث هذا عند وجود مشاعر سلبيّة دون استجوابها. فقد تكون بحالة تشعر فيها بأنّك غبيّ؛ فيسهل عليك بعدها تكوين فكرة أنّك غبي.
- لا تحكم على نفسك بكلمات مثل “يجب” و”لا يجب”. واحذف المسمّيات، مثل “سمين”، “فاشل” “كسول”، وكلّ ما يشعرك بالذّنب ويزيد من خلق الأفكار السّلبيّة. واختر لنفسك كلمات ومسمّيات أكثر إيجابيّة. فبدل “أنا سمين” أو “أنا مدخّن” استخدم، “مهم أن أمارس الرّياضة”. “سأشعر بالفخر إن تركت السّجائر”.
- تعامل مع الأفكار السّلبيّة كأنّها شخص ممل يكرّر الحديث ذاته في كل مرّة تلتقيه، أو ككائن شرير يجثم على صدرك وتريد التّخلّص منه.
- لا شك من أنّ ممارسة الرّياضة والتّأمل والامتنان كأساليب حياة؛ أثبتت نجاحها في حلّ كثير من المشاكل النّفسيّة والجسديّة.
- دوّن أفكارك السّلبيّة. فقد تكتشف بأنّ الكثير منها مُكرّر ونمطي. فتشعر بالنّفور وبضرورة التّخلّص منها.
- خذ دور المرشد لصديق جاء يطلب نصيحتك. قم بتطبيق نصائحك الّتي تقدّمها له، على نفسك.
- استجوابك لتلك الأفكار فيما إذا كانت حقيقيّة ومنطقيّة وتخدمك؛ يساعد كثيراً في حذف بعضها.
بالنّهاية؛ اقتناعك بأنّ أسباب أفكارك السّلبيّة هي من صناعتك، فسيسهل عليك صناعة آكل نمل داخلي يبيدها تماماً ويريحك.