آخر خبرمقال اليوم

استقبال الأسد في الإمارات: رسائلُ الشكل والمضمون

استقبال الأسد في الإمارات: رسائل الشكل والمضمون

 
سامي كليب 
تعمّدت الإمارات العربيّة المتحدة استقبالَ الرئيس السوري بشّار الأسد بحفاوةٍ بالغة، موحيةً برغبتها بعثَ رسائل في اتجاهاتٍ متعدّدة للقريب والبعيد، وكأنّها أرادت القول بهذا الاستقبال اللافت شكلاً ومضمونًا، إنّ زمنَ نهاية الحرب السوريّة قد حان، وزمنَ عودةِ سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربيّة قد آنَ، وسطَ مؤشّرات عن قربِ لقاءٍ سعوديّ-سوريّ. 
      هي زيارةٌ رسميّة أريدَ لها عمدًا أن تكونَ أمام الكاميرات العربيّة والعالميّة، فحضرَ رئيسُ دولة الامارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان شخصيًّا إلى المطار يستقبل ضيفَه، ومعه كبار الشخصيّات الاماراتية وأركان الدولة: الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني، والشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير ديوان الرئاسة، والشيخ حمدان بن محمد بن زايد آل نهيان، والشيخ محمد بن حمد بن طحنون آل نهيان مستشار الشؤون الخاصة في ديوان الرئاسة، و علي بن حماد الشامسي الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن الوطني، والدكتور أنور بن محمد قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة، وسهيل بن محمد فرج فارس المزروعي وزير الطاقة والبنية التحتية، وعبد الله بن طوق المري وزير الاقتصاد، و عبد الله بن سلطان بن عواد النعيمي وزير العدل، وخليفة شاهين المرر وزير دولة.
ورافقت طائرةَ الرئيس السوري وعقيلته أسماء الأخرس، طائراتٌ حربيّة اماراتية ترحيبًا بالزيارة ولمزيدٍ من الحماية، كما جرت مراسم استقبال رسميّة لدى وصول الموكب الى القصر الرئاسي ” قصر الوطن” برفقة الرئيس الاماراتي، واعتلى الضيف والمضيف منصّة الشرف يستمعان مُبتسمَين لعزف نشيد السلام الوطني السوري، كما اطلقت 21 طلقة من فوق ثلةِ حرس الشرف. 
الشكلُ في هذه الزيارة الثانية للرئيس السوري إلى الامارات منذ اندلاع الحرب السوريّة، له رمزيته الكبيرة وهو حتمًا باهمية المضمون وأكثر، وذلك لأنّه ياتي في ظل العقوبات الأميركية والغربيّة المُستمرّة على سوريا وعلى الأسد وقيادته. لعلّ هذه كانت أولى الرسائل في الاستقبال الرسمي الحافل. هي رسالةٌ للأميركيين حتمًا ولكنّها رُبّما أيضًا الى الدول التي ما زالت متردّدة في سرعة الانفتاح على سورية، وأمّا الرسالةُ الأهم التي أرادت أبو ظبي بعثها في أكثر من اتجاه، فمفادُها أنّ استئناف العلاقات السورية العربيّة، يجب أن يترافق مع الجهود المبذولة لتصفير المشاكل بين السعودية وايران من جهة وبين تركيا والعرب من جهة ثانية، وسط صراع دوليّ يشتد حدة ويتعمّق بين الصين وروسيا من جهة والغرب الأطلسي من جهة ثانية. 
لم تكن الامارات العربية المتحدة من الدول التي تدخّلت عسكريًّا في سوريا لاطاحة الأسد، فالعارفون بالأمر، يُدركون أن أبو ظبي ودبي كانتا منذ سنوات طويلة على علاقة مستمرّة مع القيادة السورية، وسعتا لتسريع الحلول السياسيّة، وابقتا على بعض المساعدات غير المُعلنة، ومنعتا المُعارضة من العمل على أراضيهما، وذلك لانّ الامارات كانت تُدرك تمامًا انَّ انهيار الوضع السوري سيُعزّز الفوضى وقد يأتي بالاخوان المسلمين الى السُلطة، وانّ ابتعاد العرب عن دمشق سيقوّي من شكيمة إيران على الارض السوريّة كما حصل في العراق واليمن ولبنان. كانت أبو ظبي وما زالت تعتبر أن تخفيف الحضور الايراني يتطلّب توسيع الحضور العربيّ. 
صحيح أن الامارات والبحرين كانتا في طليعة الدول العربية التي استأنفت العلاقات مع دمشق، بالاضافة طبعا إلى دول لم تقطعها أصلاً مثل الجزائر والعراق وحتّى مصر ( التي أبقت على سفارتها مفتوحة)، وصحيح أن الفارقَ كان كبيرًا بين موقف الامارات وموقفي قطر والسعوديّة حَيال سوريا ومقاتلي المعارضة، لكن الأكيد أن هذا الانفتاح الكبير حاليًّا على دمشق، يأتي في ظل متغيّرات إقليميّة ودوليّة جذرية، ووسط تفاهمات ايرانيّة خليجيّة تتعمق وبعد زيارة وزير الخارجية المصرية سامح شكري الى دمشق ، وزيارة كبير المسؤولين الامنيين الايرانيين علي شامخاني قبل أيام الى أبو ظبي. 
من غير المعروف تمامًا ما اذا كانت الزيارة الرسميّة للأسد قد نُسقّت بين أبو ظبي والرياض، وما اذا كانت السعوديّة تُريد فعليًّا مثلَ هذه الاستقبالات الحافلة للأسد قبل الحصول على تنازلاتٍ سياسيّة منه، لكن الواضح أنّ الامارات التي افادت حتمًا من الرياح الايجابية بين الرياض وطهران واستمعت جيّدًا الى التصريحات الأخيرة لوزير الخارجيّة السعودية الامير فيصل بن فرحان عن ضرورة الحوار مع دمشق، اختارت طريقًا مغايرة تمامًا تعتقد أنّها باتت ضروريّة لعودة سورية الى اسرتها العربيّة وعودة العرب إلى دمشق، بغض النظر عمّا اذا كان ذلك مشروطًأ أم لا بخطواتٍ ايجابيّة حيال المُعارضة.  ولا شكّ في  أن أبو ظبي ستكون في طليعة الدول التي ستلعبُ دورًا محوريًّا في الورشة الهائلة لاعادة الاعمار في سوريا. 
هذه أمورٌ لافتة ومُهمّة، وتؤكد أن المصالح تحكم علاقات الدول أكثر من أيّ شيءٍ آخر، خصوصًا اذا ما علمنا أن تطوير العلاقات السورية والايرانيّة مع أبو ظبي، جاء بالرغم من التطبيع الاماراتي مع اسرائيل، وأن أبو ظبي في هذا تحتاجُ الى تطوير علاقتها مع سوريا وايران في استراتيجيّة التوازن الدقيق التي تعتمدها بين الانفتاح على اسرائيل وتعزيز العلاقة مع المحور الاخر. 
نحن أمامَ تحوّلات مفصليّة في المنطقة، شهدت توتّرات كثيرة بين السعودية والامارات من جهة وحليفهما التقليدي الولايات المتحدة الاميركية من جهة ثانية، وشهدت توسيع حجم التبادل والتحالف بين الخليج والصين حتى باتت بكين الشريك التجاري الأول لعدد من هذه الدول، وشهدت خصوصًا نُذُرَ حربٍ عالميّة ثالثة عبر اوكرانيا، وهذا ما يتطلّب تعديل الكثير من الاستراتيجيات بانتظار ما ستؤول إليه أوضاع العالم وحروبُه وأزماتُه، وما قد يسمح لاحقًا بتوظيف هذه العلاقات الاماراتية الدوليّة لتغيير مجاري الرياح في سوريا وفي علاقاتها مع العالم. 
اختصر البيان الرسميّ في ابو ظبي الصادر عن رئيس الامارات المشهد بقوله :  إنّ “غياب سوريا عن أشقائها قد طال، وحان الوقت إلى عودتها إليهم، وإلى محيطها العربي ويجب  بذل جميع الجهود المتاحة لتسهيل عودة اللاجئين السوريين بعزة وكرامة إلى بلدهم”، معربا عن “دعم دولة الإمارات للحوار بين سوريا وتركيا لإحراز تقدم في ملف عودة اللاجئين
وأمّا في تفاصيل الزيارة التي نشرتها الوكالات الاماراتية والسورية فنقرأ التالي : 

قال الرئيس الاماراتي مُغرّدًا الليلة  على تويتر “أرحب بالرئيس بشار الأسد في الإمارات، أجرينا مباحثات إيجابية وبناءة لدعم العلاقات الأخوية وتنميتها لمصلحة البلدين والشعبين الشقيقين، وتعزيز التعاون والتنسيق في القضايا التي تخدم الاستقرار والتنمية في سوريا والمنطقة”.

من جهته اعتبر الرئيس الأسد أن مواقف الإمارات كانت دائمًا عقلانية وأخلاقية، وأن دورها في الشرق الأوسط إيجابيٌّ وفعّال لضمان علاقات قوية بين الدول العربية، مشدداً على أنَّ هذا الدور يتقاطع مع رؤية سورية في ضرورة تمتين العلاقات الثنائية بين الدول العربية وصولاً إلى العمل العربي المشترك والذي يشكل الانعكاس المنطقي لما يجمع بين هذه الدول وشعوبها ويحقق مصالحها.

وقال الأسد كذلك إنّ التنافر وقطع العلاقات هو مبدأ غير صحيح في السياسة، وأن الطبيعي أن تكون العلاقات بين الدول العربية سليمة وأخوية. واصفاً الدور الإنساني لدولة الإمارات في مساعدة سورية لتجاوز آثار كارثة الزلزال المدمر  بالدور الفعال والذي حمل في طياته محبّة صادقة واندفاعاً أخوياً نقياً، وكان له أثر ٌمهم في التخفيف من تداعيات الزلزال عن المتضررين منه في سورية.

 أضاف : لن ننسى موقف الإمارات معنا خلال الحرب، والذي استمر بأخوية ولهفة أثناء كارثة الزلزال، وقد نقلت شكر الشعب السوري على دعم الإمارات الكبير والمستمر، حيث لم تنقل الطائرات الإماراتية المساعدات العاجلة فقط، بل نقلت عميق الإحساس تجاه الشعب السوري والتضامن معه في محنته.

وشرح أنّ هذه الزيارة محطة أساسية مفصلية في العلاقات بين البلدين، وعكست كل تفاصيلها حجم الود والأخوة والصداقة بيني وبين الشيخ محمد بن زايد، وإن شاء الله ستنعكس إيجاباً على الشعبين الشقيقين السوري والإماراتي.

من جهته، قال الشيخ محمد بن زايد أنّ الإمارات العربية المتحدة تقف مع سورية قلباً وقالباً، وستستمر في التضامن والوقوف مع الشعب السوري فيما تعرض له جراء الحرب وجراء الزلزال، وفي تقديم مختلف أنواع المساعدات لدعم جهود الحكومة السورية في هذا المجال.

ونوه  بن زايد بالجالية السورية الموجودة في الإمارات معتبراً أنه كانت لها بصمة خاصة وإيجابية في بناء دولة الإمارات ونمو عجلة الاقتصاد فيها.

 

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button