آخر خبرافتتاحية

لبنان على فالق الطاقة العالمي بين السعوديّة وإيران

لبنان على فالق الطاقة العالمي بين السعودية وإيران

سامي كليب

قالت وزيرة الخارجيّة الفرنسيّة كاترين كولونا بعد اتصالها بنظيرها الأميركي أنتوني بلينكن يوم الجمعة إنّهما ناقشا “ضرورةَ عودة إيران إلى التزاماتها الدوليّة وتعاونها الكامل مع وكالة الطاقة الدوليّة، كما انَّ الوزيرة تطرّقت الى النشاطات الإيرانيّة المُزعزِعة والتهديد المتنامي الذي يمثّله تطوير مخزونها من الصواريخ الباليستيّة وتوريد صواريخ الى ميليشيات، ونقل المسيّرات، وضرورة تدعيم الرد الدولي على هذا التهديد”.

كان هذا ثاني هجوم تشنّه كولونا ذات الباع الدبلوماسيّ الطويل على إيران، وذلك بعد أن قالت كلامًا مُماثلاً عن النظام الإيراني في صحيفة ” الشرق الأوسط” خلال زيارتيها الى السُعوديّة والإمارات، تمامًا كما وصفت الرئيس السوري بشّار الأسد ب “الكاذب” والنظام اللبناني ب” الفاشل”.

تُساق ثلاثةً أسباب لتفسير هذا الموقف الفرنسي المُستجدّ في الهجوم على إيران: أوَّلُها وقوف القيادة الإيرانيّة إلى جانب روسيا سياسيًّا وعسكريًّا في غزوة أوكرانيا، وثانيها احتجازُ 7 فرنسيّين في إيران، وثالثُها عدمُ تعاون طهران مع وكالة الطاقة الدوليّة، ما يُنذر بالوصول إلى انتاج قنبلة نوويّة، وهو الموضوع الذي كثّف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضغوطه حياله أثناء زيارته الى باريس قبل فترة قصيرة، والتي اختارها أولى محطّة خارجيّة له بعد توليه أكثر الحكومات تطرّفًا وخطرًا.

أمّا السببُ غيرُ المُعلن، فيتعلّق بالطاقة. لنتذكّر أنّ إيران كانت قد أعربت في شهر أيلول/سبتمبر من العام الماضي، على لسان وزير نفطها جواد أوجي عن استعدادها لتعزيز أمن الطاقة العالميّ، وقال الوزير صراحة :”إنّ إيران مستعدّة للمساعدة في عرض النفط وتعزيز أمن الطاقة  باعتبارها منتجاً رئيسًا للنفط والمشتقات النفطية في العالم”.

دروب النفط الإيراني إلى الصين

كان الغربُ مُستعدًّا لمُبادلةِ الانفتاح الإيراني بمثله. لكن حرب أوكرانيا قلبت كلّ الموازين، ليس في مواجهة روسيا فحسب، بل في ما يتعلق بالتحدّي العالميّ الأكبر بالنسبة للأطلسي والذي تمثّله الصين. يتبيّن وفق التقارير الموثوقة أنَّ هذا البلد الأسيوي الهائل يستورد معظمَ النفط الإيرانيّ وهو سيستقبل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قريبًا لإزالة غمامة موقف بكين المؤيد للخليج حيال الجزر الإماراتية الثلاث. يتبيّن كذلك، أنَّ إيران وبالرغم من الحصار، زادت انتاجها بنحو 40 ألف برميل يوميًّا لترتفع صادراتها الى نحو 1،4 مليون برميل يوميًّا، وهذا أعلى مستوى في 4 سنوات، وكشف الوزير أوجي إنَّ طاقة إنتاج النفط الإيرانية تقترب من أربعة ملايين برميل يوميًّا، في حين تبلغ الطاقة الإنتاجيّة للغاز الطبيعي مليارَ مترٍ مكعب يوميًّا.  وهي ارقامٌ قريبة من تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكيّة التي قالت إنّه:” في حالة رفع العقوبات على إيران، فإن إنتاجها قد يعود إلى أقصى طاقته والتي تقدر بحوالي 3.7 مليون برميل يوميًّا”.

هذا هو عامل القلق الحاليّ، وقد اكدّ روبرت مالي المبعوث الأميركيّ الخاص لشؤون إيران في حديث لتلفزيون” بلومبيرغ” أنّ بلاده “تسعى إلى زيادة الضغط على الصين لوقف وارداتها النفطيّة من طهران، وذلك لأنَّها الوجهة الرئيسة للصادرات غير الشرعية لإيران”.

في المقابل تكثّف الدول الغربيّة لقاءاتها في الخليج خصوصًا مع السعوديّة والإمارات، وتستضيف مصر مؤتمرًا هذا الاثنين لأمن الطاقة وتعزيز مذكّرة التفاهم الثلاثيّة الموقّعة بين الاتحاد الأوروبي والقاهرة وإسرائيل لتأمين بدائل عن واردات أوروبا من الغاز الروسي، وفي هذا السياق تزور مصر مفوضة الاتحاد الأوروبيّ للطاقة كدري سمسون، والتي تشارك في معرض ومؤتمر مصر الدوليّ للبترول 2023 ويفتتحه الرئيس عبد الفتّاح السيسي.

أين لُبنان في كلّ هذا؟

لُبنان الذي نجا بأعجوبة من الزلزال الطبيعيّة ربما بمِنَّة من الله عليه، بعد أن كثُرت هزّات السياسة والأمن والاقتصاد فوق جسده المُنهك، يقع حاليًّا على فالق زلزالَيّ الطاقة والحروب، فهناك من جهة ثروات الغاز العتيدة في البحر، ومن جهة ثانية أمن إسرائيل ومستقبل اللاجئين والنازحين.

لا ينظُر العالم إليه اليوم سوى من هذه الزوايا. ويتبيّن من تسريبات مؤتمر باريس الخُماسي بين فرنسا والولايات المتحدة الأميركية والسعوديّة ومصر وقطر، ومن اتصالات كاترين كولونا في الخليج ومع إسرائيل ثمّ مع الاميركيّين، أنّ الضغوط ستتزايد عليه لتسريع انتخاب رئيسٍ للجمهورية وتشكيل حكومة حقيقيّة وفعّالة تبدأ مرحلة الإصلاحات الجذريّة والاتفاق مع صندوق النقد الدولي وتضبط مسألة النازحين واللاجئين. أمّا الهدف الآني الأهم، فيتمثل بمساعدته انسانيًّا واجتماعيًّا كي لا تنهار على أرضه منظومة النزوح واللجوء.

حزب الله في المُعادلة

هنا بالضبط تبدو محوريّة حزب الله في المعادلة سلبًا أو ايجابًا. فالحزب الذي مرّر مسألةَ ترسيم الحدود ببُعدها الاستراتيجيّ المتعلّق بأمن الطاقة العالميّ والقابل بعدم الانجرار إلى إيّ حربٍ مع إسرائيل تعيق هذا الأمن راهنًا، سيتحرّك وفق 3 أجندات واضحة، أولُها الاجندة الإيرانية واشتباكها مع المجتمع الأطلسي حاليًّا ومآلاتها مع السعوديّة، وثانيتُها الاجندة الاستراتيجيّة الأشمل والممتدّة من بيروت وفلسطين الى سوريا واليمن فالعراق وإيران، وثالثُتها تحالفاتُه الداخليّة في سياق الرئاسة والتي تقتضي الأخذ بعين الاعتبار العامليَن الأوّلين.

بعد زلزاليّ سوريا وتركيَّا، وحلحلة “قانون قيصر” مؤقّتًا لصالح سوريا من قِبل إدارة جو بايدن، ومع مؤشرات التقارب السوري-التركي   ومسارعةِ دولٍ عربيّة من مصر حتّى الجزائر مرورًا بالخليج إلى نجدة المنكوبين ، تبقى مسألة اليمن أولويّة سعوديّة في التقارب السعودي-الإيراني العتيد.

يبدو حزب الله والرئيس نبيه برّي على الأقل حتّى الآن، متمسكّين بالمرشح غير المُعلن سليمان فرنجيّة، وثمة مؤشرات بأنّ طبخة تُطهى على نارٍ هادئة في عين التينة ويقترب منها رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط، ولو حصل برّي على ضوء أخضر أو حتّى أصفر سعودي، سيمضي في عقد جلسةٍ قبل نهاية حزيران/يونيو المقبل لانتخاب الرئيس.

تنشط قطر في الوقت الراهن على أكثر من خطّ بين مؤتمر باريس وطهران ولُبنان، قد تصلُ الأمور إلى صفقة، لا تتعلق بلُبنان فحسب بل أيضًا بتسويةٍ لحرب اليمن، هذا ما يُقلقُ فعليًّا أطرافًا لُبنانيّة تشعُر بأن الصفقة قد تمرّ في غفلةٍ عنها. وهذا ما يُفسّر قسمًا كبيرًا من التشدّد حيال الجلسة التشريعيّة.

هل تقبل إسرائيل؟

لكن بعيدًا عن الحسابات اللُبنانيّة الداخلية التي ليس لها علاقةٌ فعليّة بتحوّلات العالم، يبقى السؤال الأكبر والأهم والأخطر، هل ستقبل إسرائيل والأطلسي بأن تكونَ إيران متحكّمة بجزءٍ من أمنِ الطاقة العالميّ مع مخزونِها من الأسلحة واحتمال انتاج قنبلة نووية، وهل سيقبل الطرفان أيضًا أن يكون حزب الله متحكّما بأمن الطاقة والحدود في البحر المتوسط مع كل السلاح الذي يملكه؟   

الجواب، يفترض ثلاثة احتمالات: أما الحرب الضروس، أو التطبيع، أو المزيد من الاهتراء والحصار والعقوبات وخضّات أمنية داخليّة في ظلال ارتسامِ محاور اقليميّة ودوليّة جديدة…. لا يوجد غير هذه الاحتمالات. لعلّ الهزّة الاجتماعية والسياسيّة التي تضرب إيران داخليًّا منذ أشهر، ما زالت تُرجّح الاحتمال الثالث بانتظار صفقة على الأقل مع السعوديّة، لو حصلت ستكون السبيلَ الافضل لمساعدة لُبنان على انتخاب رئيس. أمّا إسرائيل فهي ستستمرّ على الأرجح في استهدافاها لإيران داخليًّا وعلى الأراضي السورية بعد أن تهدأ الحملةُ الانسانيّة التي فرضتها الزلازل والهزّات. فهي أيضًا، تمامًا كحزب الله وإيران، تُفكر استراتيجيًّا، ويزداد تفكيرُها خطرًا مع هكذا نوع من الحكومات التي لا يلجمها حاليًّا سوى أمن الطاقة العالميّ.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button