ثقافة ومنوعات

ماذا لو كانت العلاقات السامّة غير سامّة ؟

ماذا لو كانت العلاقات السامّة غير سامّة؟

أدم ياغي 

ما من شك أن شكل العلاقات الإنسانية أخذت الحيز الأكبر من عقول البشر في الوقت الحالي حتى لا تكاد تخلو صفحات مواقع التواصل الاجتماعي من آلاف الصور والمقولات إضافة للفيديوهات التي تحاول تقديم تصورات تبين الشكل المثالي للعلاقة سواء في الحيز العائلي .. الصداقة .. أو حتى الحب .

وفي عصرنا الذي وصفه عالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان بعصر “الحداثة السائلة” في كتابه القيم الذي يحمل الاسم نفسه شهدنا تسارعاً بانهيار سلطة المرجعيات التقليدية ومنها الأب والأم وانكماشاً لتأثير الوجوه الاجتماعية والدينية التي كانت تلعب دور الحارس للموروث الذي بات قيد التشكيك والتدقيق والمراجعة من قبل الأجيال الشابة التي أخذت تحاول صياغة قناعاتها من جديد من خلال العديد من المصادر ومنها “اليوتيوبرز” وقادة الرأي العام الفاعلين على السوشل ميديا .

ومن المصطلحات التي باتت متداولة بشدة خلال السنوات الماضية برز مصطلح “العلاقات السامة” وهو الذي يعني علاقة طرفين أحدهما ضحية يتعرض للأذى والآخر جلاد حيث هناك طرف يستنزف الآخر ولا يقدم شيئاً في المقابل ، ولا يبدو هذا المصطلح إلا أثراً لحالة القلق التي تعيشها البشرية اليوم وتحاول في خضمها الخروج بتوليفة مثالية للعلاقة الصحية المليئة بالتناغم والحب ويعتبر كتاب “علاقات خطرة” للكاتب المصري د.محمد طه صديق، واحدًا أجمل الكتب العربية التي تناولت هذا الموضوع بلغة عامية  سلسة ومحببة إلى القلب قدم من خلاله شخصيات وأنماط علاقات معينة ينبغي تجنبها وأخرى ينبغي اعتناقها خلال وأسهب في وصف السمات الشخصية “السامة” كالنرجسية والسادية وغيرها .

ولكن يبقى السؤال الكبير .. هل هناك فعلا علاقات سامة أو شخصيات سامة أم أن في الأمر مغالاة في التوصيف والتنميط ؟

من خلال اهتمامي البسيط بعلم النفس ومراقبة عشرات التفاعلات الاجتماعية – العاطفية التي تحدث يومياً لم ألمس نزوعاً مطلقاً للاستغلال من قبل الكثير من الشخصيات التي قد توصف علمياً بالنرجسية أو قسوة مطلقة من قبل الأشخاص الذين قد ينعتون بالسادية ، بل نجد الكثير منهم يمتلكون قلباً دافئاً ونزعة للعطاء في العديد من المواقف ومنهم من يمر بتجربة علاجية أو عاطفية ما على سبيل المثال فتتغير اتجاهاته جذرياً ، وفي الوقت نفسه نرى عدداً لا بأس به ممن يشكون مظلوميتهم وقلة حيلتهم ويصدعون آذاننا وعيوننا على وسائل التواصل الاجتماعي بالمنشورات المليئة برثاء الذات ولوم الآخرين .. نراهم يخلعون أقنعتهم الملائكية حين تتاح لهم الفرصة .. وهذا التناقضات تعكس الطبيعة البشرية المعقدة وتصدعاً للمصطلحات الحالية التي تميل لتنميط البشر على أنهم أخيار وأشرار ، حيث تكمن المشكلة الحقيقية من وجهة نظري في انعدام التوافق والقدرة على اختيار الشريك الصحيح في أية ميدان كان .

فمن الطبيعي أن الطرف ذا الميول العاطفية الجمالية على سبيل المثال سيشعر بأنه خيالي وساذج مع شريك ذي ميول عملية أو مادية بحتة والشخص المحب للتفاصيل سيشعر بالاهمال مع شخص اعتاد النظر إلى الصورة الكاملة ، والموظف المنظم للغاية سيشعر بقلة التقدير في بيئة عمل ابداعية وهذا لا يعني أن أيا من هؤلاء يعتبر شخصاً ساماً أو ضحية ، بل يعني مشكلةً في الاختيار واختلافاً جذرياً في القيم  ، نتجت عن الإيقاع السريع للألفية الجديدة وثقافة ال “fast food” التي تعني في جوهرها شيئاً مثيراً ينضج بسرعة ويُستهلك بسرعة أكبر ..  ومن هنا فالشخص السام بالنسبة لي قد يعني شخصاً مثالياً بالنسبة لك وفي اللحظة التي ندرك فيها استحالة الانسجام بين الزيت والماء سنخطو بثبات نحو إدراك جديد ..

ولا يبدو أننا اقتربنا من اجتراح حلول مثالية للوصول إلى علاقات إنسانية تنعم بالسلام والدفء خاصة أن الحديث عن هذا الموضوع مازال المادة الأكثر دسامة وإثارة للاهتمام على مختلف المنصات والوسائط ، إلا أن إبطاء الإيقاع والاهتمام بتفاصيل الآخر وشخصيته وتوجهاته خاصة في مرحلة التعارف أو الانخراط في بيئة جديدة قد يشكل قليلاً من الإحباط لكنه سيعني بالتأكيد تطوراً لنظرتنا الاجتماعية وتأسيساً لعلاقات طويلة الأمد مبنية على الثقة والتوافق ، وتجنباً لكل ما هو “سام” وبعبارة أدق :

لكل ما لا يشبهنا ويتوافق معنا .

الكاتب : أدهم ياغي :كاتب ومحامٍ سوري

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button