ثقافة ومنوعاتآخر خبر

البقعة العمياء في شخصيتنا كما في السيّارة، كبيرة الخطورة

البقعة العمياء وخطرها على التّفاعلات الاجتماعيّة Blind Spots and Social Interactions.

روزيت الفار -عمّان 

حين يتعلّق الأمر بقيادة السّيّارة؛ فالبقعة العمياء هي المكان الّذي تنحجب فيه رؤية السّائق ولا يكون باستطاعته رصد أي جسم يريد تجاوزه؛ ما قد يعرّضه لحادث خطير إن لم يقم بتوجيه رأسه نحو كتفه ليتأكّد من خلو تلك البقعة تماماً من أي سيّارة قادمة بجانبه.

وفي تركيبة العين؛ فالبقعة العمياء هي نقطة دخول العصب البصري على الشّبكيّة حيث لا إحساس للضّوء أو الألوان لانعدام مستقبلات لهما، لكن باستطاعة الدّماغ وبالتّعاون مع العين الأخرى معالجة الأمر وحل المشكلة.

لكن ماذا بشأن هذه البقع في شخصيّتنا والّتي تشوّه علاقاتنا الاجتماعيّة وتؤثّر على بلورتها وتشكيلها -وهي بنظر علماء النّفس- الأشدّ خطورة خصوصاً وأنّ معظم علاقاتنا تحدث ضمن إطارها سواء كانت علاقات عاديّة بسيطة أو جدّيّة معقّدة كما الحال في أمور السّياسة والدّين والاقتصاد؟

النّقطة العمياء بالشّخصيّة هي الفجوة بين نظرتك عن نفسك ونظرة الآخرين عنك وهي بمثابة العامل الخفي الصّامت الّذي يهدّد ويدمّر علاقاتك بالآخر؛ إن لم يتم التّعرّف عليها ومعالجتها بالوقت المناسب لأنّ بعدها؛ لن يكون أمراً عرضيّاً بل يتراكم ليصبح نمطاً سلوكيّاً تزداد خطورته مع الأيّام.

إنّ التّحيّز أمر طبيعي يحدث لدى الجميع دون استثناء، فيه يبحث كلّ فرد في تفاصيل الأحداث عمّا يدعم أفكاره ومواقفه أكثر من بحثه في المعلومات الحقيقيّة حوله والّتي -غالباً ما تخالفه- ويفسّرها بطريقة تناسب أفكاره بغية إثباتها، ويعتبر نظرته حول ذلك الموضوع نظرة موضوعيّة ونظرة الآخرين منحازة. ويطلق علماء النّفس على هذا السّلوك عند الأفراد مسمّى “الإنكار” حيث يلجأ إليه الشّخص لتجنّب ألم معرفة الحقيقة.

يضع كلٌّ منّا بذهنه صورة وفرضيّات يرسمهم لذاته لا تتطابق مع نظرة الآخرين لها. وسبب المشاكل مع الآخرين يتأثّر كثيراً بثقتك الزّائدة بأنّ ما تراه هو الحقيقة وبأنّ على النّاس أن ترى فقط ما تريدهم أن يرونه فيك. وعادة ما يكون تقييمك لنفسك أعلى من تقييم النّاس لك أو عمّا هو بالحقيقة. (اعتبر علم النّفس تلك الحالة كأحد أوجه الذّهنيّة الثّابتة Fixed Mindset. وعكسها الذّهنيّة المتطوّرة أو النّامية Growth Mindset. القابلة للتّعلّم والتّطوّر).

تُحلّ المشاكل بالأساس من خلال الإقرار بها وتحديد أسبابها. فكيف يمكننا حلّ مشكلة ينكر أصحابها أصلاً وجودها ويتجاهلوا حلولها؟ هم فقط يكتشفوا أنَّهم يعانون من توتّر أو قلق يؤثّر سلباً على أدائهم وإنجازاتهم وعلاقاتهم مع الغير دون معرفة مصدره الّذي تشكّله نقاط سلوكه العمياء.

تتكوّن النّقاط العمياء من إيمان أصحاب هذه الذّهنية بالمسلّمات كاعتقادهم بأنّ ما يولد عليه الفرد من صفات يبقى ثابتاً مدى الحياة وغير قابل للتّغيير أو التّطوير. كقولهم بالعاميّة: “هيك الله خلقني” بمعنى أنّ عليك أن تؤمن بما آتي به دون نقاش.

وتظهر بشكل لفظي أو سلوكي أو الإثنين معاً. فمثلاً يعتبر المزاح من الأشكال اللّفظية المُسيئة للآخرين خصوصاً إن كان يحمل معنى السّخرية دون انتباه الشّخص المتحدّث لذلك، ويكتشف بعد حين أنّ هؤلاء قد “تغيّروا معه”. كذلك مفاجأة شخص لم تره منذ مدّة، وتخبره بأنّ وزنه زاد، أو أنّه يبدو أكبر من عمره. قد يحدث أيضاً في مسائل أكثر جدّيّة كأن تتّهم شخصاً بتغيّر توجّهه وسلوكه في موضوع حسّاس، أو كأن تعبّر بوجهك بنظرات أو إيماءات تحمل معانٍ وأحاسيس سلبيّة. كذلك كثرة العتاب أو إلقاء اللّوم على الآخرين واتّهامهم بالتّقصير ولعب دور الضّحيّة، أو انتقاد الآخر في العلن، وحتّى قضايا النّظافة والمظهر الخارجي للشّخص. يعتبروا جميعاً من سلوكيّات النّقاط العمياء.

يمكننا أحياناً ضبط لساننا وألفاظنا؛ لكن يصعب علينا فعل ذلك حينما يتعلّق الأمر بلغة الجسد، فقد يعرف الشّخص ماذا يقول ولكنّه لا يعرف كيف يقوله. فالأسلوب هنا مهم. كأن تلقي التّحيّة على أحدهم -وهو أمر مُستحب- لكن بطريقة أو بصوت أو بنظرة استعلاء؛ ما يفقدها معناها الطّيّب. فمشكلة النّقاط السّوداء في السّلوك أنها تنقل التّركيز من المضمون إلى الأسلوب.

نتعامل عادة مع الأقربين -كأفراد العائلة والأصدقاء- بتلقائيّة زائدة قد تؤذيهم، ونكون أشدّ حرصاً في لغتنا وأسلوبنا مع الغرباء، ربما لترك انطباع جيّد عن أنفسنا عندهم، غير مدركين بأنَّ “الأقربين أولى بالمعروف” والأهم؛ لأنَّ علاقتنا بهم مستمرّة وعلاقتنا مع الغريب غير مضمونة.

بعض من الأمور الكثيرة الّتي من خلالها يمكننا تجنّب هذه الحالة والّتي أهمّها:

  1. الحاجة إلى رؤيا ووعي عند تقييم الذّات وعدم رفض الحقيقة مهما كانت مؤلمة.
  2. الوعي الفردي بأنّك الأصل ولست الاستثناء. حيث أنّك لست الوحيد في هذا العالم ومحور تحرّكاته.
  3. التّخلّي عن الاعتقاد بأنّ الجميع يفهم ما تقصده كما تريده أنت.
  4. عدم الافتراض بأنّ النّظرة العامّة تجاهك هي نظرة منحازة ضدّك.
  5. مركزك الاجتماعي لا يغفر لك سوء معاملتك للآخرين.
  6. مدح الآخرين وإظهار تقديرهم لا ينتقص من شأنك.
  7. حسن الإصغاء للآخر وتفهّمك لحقيقة مشاعره ورغباته.
  8. الصّدق مع النّفس ومع الغير والاعتراف بالخطأ.
  9. الابتعاد عن التّعميم السّلبي. فليس هناك أسوأ من السّلبيّة سوى تعميمها.
  10. مراقبة كلماتك. فالكلمة بعد خروجها صعب إعادتها إلى حيث كانت.
  11. التّنازل عن الأنا ووقف التّبرير المستمر لتصرّفاتنا والسّماح لرأي الآخرين للدّخول إلى عقليّتنا من أجل التّطوّر والتّغيّر.

بالنّهاية؛ علينا معرفة أنّ الغرض من العلاقات الاجتماعيّة هو زيادة السّعادة وتحقيق السّلام لنا وللغير. هذا الغير الّذي لا يمكننا العيش دونه.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button