آخر خبرافتتاحية

  أين الأردن من الأسد والمعارضة السورية؟

ماذا لو أن حقيقة موقف الأردن حيال الحرب السورية تختلف تماماً عن ظاهره؟   أنقلُ في هذه الافتتاحية حرفيا ما سمعته من الاردنيين، وأترك للقاريء العزيز الحكم عليه.             

سامي كليب:

يروي مسؤول عربي مُقيمٌ في الأردن، أن ضابطاً سورياً كبيرا كان قد انشق عن الجيش السوري، قدّم معلومات للدول الغربية عن مواقع صواريخ سورية موجّهة ضدّ إسرائيل، وبعد الاجتماع، هاجمه زميلُه وهو أيضا ضابط مُنشّق قائلا:” أنت أصغر بكثير من النجوم التي على كتفك ولم تكن مُضطّراً لخيانة بلدك لصالح عدوه”.

وفي مرّة أخرى، التقى مسؤولان أمنيان كبيران أردني وغربي، وكان المُترجم سوريّاً، فسأل المسؤول الغربي:” كيف وضع الُمعارضة السورية في الأردن”، فأجابه نظيره الأردني:” هم متخاذلون وضعفاء ومن المُستحيل أن يُشكّلوا بديلا عن النظام”، فارتبك المُترجم، ثم صمت.

استقبل الأردن نحو 5 آلاف ضابط وعسكري سوري منذ بداية الحرب، وتعرّض لضغوط كبيرة كي ينخرط مُباشرة بعمليات عسكرية ضد الجيش السوري، وتم تأسيس غرفة عمليات غربية عربية مُشتركة على أرضه عُرفت باسم ” الموك”( The Military Operation Center )، وقيل إن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني كان قد طالب الأسد حين اندلعت الحرب بأن يُغادر السُلطة.

يبدو، من الروايات الكثيرة التي سمعناها من الأردنيين، أن ما كان تحت الطاولات يختلف تماما عمّا فوقها، فالقرار المركزي الأردني كان يعتبر أن سقوط الدولة السورية يعني الفوضى رغم المآخذ الكثيرة على سياسة القيادة السورية، ولذلك كان ثمة اتفاق ضمني بين الجانبين السياسي والعسكري في الأردن، بعدم السماح بتحويل الأراضي الاردنية الى مُنطلق لأي أعمال عسكرية ضد الجيش السوري، حتى ولو بدا ظاهر الأمور في مراحل مُعيّنة غير ذلك.

فالأردن الذي تعرّض لضغوط هائلة أميركية وغربية وإسلامية وعربية وإسرائيلية للانخراط مُباشرة في الحرب لم يكن مُشاركاً فعّالا في غرفة ” الموك” وإنما كان بصفة مُراقب، وفق ما يروي أحد المسؤولين الذي شاركوا في الغرفة المذكورة، والخطاب الملكي الذي قيل إنه دعا الأسد للرحيل كان الهدف منه عكس ذلك تماما بحيث أن الملك عبدالله الثاني كان يُشير على نحو غير مُباشر الى أنه لو كان مكان الأسد لما استطاع البقاء في الُسلطة.

ويقول ضابطُ أردني كبير مُتقاعد:” نحن نعتبر أن إدارة الجيش السوري للحرب تُعتبر ظاهرة عسكرية فريدة تُقارب المُعجزة ذلك أنه لم ينجح جيش في العالم في اختراق مدن فيها معارضة مُسلّحة أو إرهابيون مدعومون من الخارج، ونحن نرى اليوم مثلا كم يُعاني الجيش الروسي في اختراق مدن اوكرانية ، وأما الانشقاقات العسكرية السورية فهي بقيت هامشية جدا ولم تؤثر في سير المعركة او في تماسك الجيش خصوصا أن عددا كبيرا من الذين انشقوا لم يُقدِموا على ذلك بسبب عشقهم للمعارضة وقلب النظام وإنما كانت لديهم أسباب إدارية وشخصية وربما كان بعضهم قد شارف على انهاء خدمته أو الانتقال الى مكان لا يُريده ..”.

وحين يُقال للضابط نفسه:” لكن المعروف أن المساندة الكبيرة التي تلقّاها الجيش السوري من إيران وروسيا وحزب الله هي التي قلبت المُعادلة، يُدافع بشراسة عن عكس ذلك، قائلا:” إن العماد الأساسي للحرب كان وما زال الجيش السوري، فهو بقي مُتماسكاً وصمد في مواجهة الحرب النفسية الشرسة، وما كان أي دعم خارجي سينفعه لو أنه ضعُف أن تخاذل أو تراجع، وهذا يعود الى تركيبة الجيش نفسه، وكيفية انشائه وتطويره والى عقيدته منذ أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد”.

ويروي رئيس مجلس الاعيان ورئيس الوزراء السابق طاهر المصري، أنه ذهب على رأس وفد من المجلس الى دمشق في العام 2011 والتقى بالرئيس السوري حافظ الأسد، ونصحه بالانفتاح على المُعارضة وتجنّب غرق سورية في ما غرقت به دول أخرى، وكان الأسد مُستمعاً جيدا ويطلب من مساعديه (وكانت المستشارة د. بثينة شعبان الى جانبه) أن يسجّلوا مُلاحظات الوفد الأردني التي كانت طبعا مقرونة بتحيات ملك الأردن وقوله إنه حريص على حاضر ومُستقبل سوريا. وكان الرئيس السوري إيجابيا جدّا في ذلك اللقاء، خلافا لمسؤول سوري كبير (ربما رئيس مجلس الشعب آنذاك) الذي وجّه اتهامات للأردن بتسليم المعارضة هواتف عبر الحدود، فما كان من طاهر المصري الا أن ابتسم وقال له :” يا أخي الهواتف لا تعمل أصلا في المنطقة الحدودية بيننا بسبب التشويش”.  

صحيح أن الحركة الإسلامية في الأردن رفعت مستوى الضغوط كثيرا على القيادة لاتخاذ موقف حازم ضد الأسد وقيادته، ووصل الأمر ببعضها الى رفض التحاور مع الملك بسبب سوريا، لكن العارفين بخفايا الأمن والاستخبارات يؤكدون أن العلاقات الاستخبارية بقيت مُستمرّة، ومن غير المُستبعد أن يكون الأردن ساهم في تقديم معلومات دقيقة للجيش السوري في إحدى العمليات الكُبرى التي قضى فيها على مجموعة كبيرة ممن يتهمهم بالإرهابين.

معروف ان الحركة الإسلامية في الأردن قوية جدا، وهي مناهضة جداً أيضا للأسد وقيادته، لكن القيادة الأردنية تُدرك أنه لو سيطر الاخوان المسلمون على سوريا لكان الأردن اليوم في وضع لا  يُحسد عليه، خصوصا أنه مع بداية ” الربيع العربي” كان ثمة احتضانٌ غربي كبير للإخوان ودعمٌ لوصولهم الى السلُطات في الدول العربية.

كذلك فإن أموالاً عربية طائلة دُفعت لجماعات في الأردن بغية القيام بعمليات عبر الحدود وتهريب المسلّحين والسلاح والأجهزة وغيرها، لكن العشائر الأردنية بقيت بشكل عام أقرب الى الدعم الضمني لسوريا التي تربطها بعشائرها علاقات وطيدة، حتى ولو أن عمليات التهريب القديمة في موروث الحدود الواسعة أوحت بعكس ذلك في بعض المرّات. وأما ما قيل عن تسليح العشائر من قبل الجيش الأردني، فكان لصد أي هجمات إرهابية من الأراضي السورية، خصوصا أن الأردن كان يشعر بأن ثمة رغبة غربية بتقسيم سوريا وبأن تحقيق ذلك يتطلب الكثير من الحروب عند المناطق الحدودية.

لا يأخذ الأردنيون بكثير من الجد أو حتى الاهتمام ما يُحكى عن اختراق إيراني أو لحزب الله عند الجبهة الجنوبية لسوريا، ذلك أن ثمة اتفاقا ضمنيا مع روسيا قضى بعدم تعريض الأردن لأي أذى من الجانب السوري، ثم إن المسؤولين الأردنيين يعلمون جدا، على ما يبدو، بأن لا الجيش السوري يقبل بقيام جبهة غير تابعة له في الجنوب ضد إسرائيل، ولا القوى الكُبرى تسمح بإنشاء خلايا مُسلّحة عند منطقة حسّاسة تجاور فلسطين والأردن.  

يقول الأردنيون إنهم تحمّلوا جدا عبء النزوح السوري عندهم ( والذي يشبه النزوح السوري الى لُبنان بعدده وتمدّده) وان الدول الغربية ضغطت غير مرة لتوطين قسم من هؤلاء، ويقولون أيضا إن الولايات المتحدة الأميركية التي تعتزم إقامة أكبر سفارة لها في العالم على أرض الأردن وتكثيف القواعد العسكرية ( ربما في سياق مواجهة روسيا وإيران وأيضا لترسيخ بقاء القوات الأميركية في الشمال السوري حتى اشعار آخر) ما زالت تضغط كثيرا حيال الملف السوري، لكنهم يؤكدون أن الموقف الرسمي السياسي والعسكري ما زال حتى اليوم وكما كان في أوج الحرب السورية يميل الى بقاء القيادة السورية واستعادة الجيش السوري لكل المناطق، لان البديل بالنسبة لهم كان على الأرجح فوضى عارمة تزعزع استقرار الأردن وتضع المنطقة على كف عفريت.

لا شك كذلك أن الأردن يدعم ضمنيا عودة سوريا الى مقعدها في جامعة الدول العربية حتى ولو أنه كما بعض الدول العربية الأخرى يتعرّض لضغوط أميركية للحؤول دون ذلك. لكن عمّان وكما الكثير من العواصم الأخرى تُدركُ حاجة الدولة السورية الى الانفتاح وتعزيز المشاركة في السُلطة والتخلّي عن وجود إيران وحزب الله المُباشر على الأراضي السورية، لأن في ذلك فقط السبيل الى حلّ سياسي يؤدي لاحقا الى الشروع في إعادة الاعمار والعودة العربية الاستثمارية والاقتصادية والسياسية الى دمشق.

اذا كانت القيادة السورية، بالنسبة للأردنيين، نجحت في ربح القسم الأكبر من الحرب العسكرية، فإن عليها وضع مشروع سياسي جديد منفتح وتصالحي يختلف تماما عمّا كان قبل الحرب.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button