آخر خبر

انتخابات فرنسا: هزيمةٌ لماكرون، واختراق تاريخي للوبن وانتعاشٌ لليسار

باريس-ميراي حدّاد

ما كاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يفرح بفوزه في ولاية ثانية في قصر الأليزة، حتى سقطت نتائج الانتخابات التشريعة اليوم على رأس كالمطرقة من اليمن واليسار، وترنحّت ولايته الثانية منذ بدايتها، فهو لم يعجز فقط  عن تأمين الغالبية التي يحتاجُها لتمرير مشروعه واصلاحاته، وإنما فوجيء كما استطلاعات الرأي ومعظم الفرنسيين بإختراق كبير لليمين المُتطرف شكّل سابقة حيث باتت السيدة مارين لوبن تتربع على كتلة نيابية تضم ما لا يقل عن 89 نائبا ( ربما 90) ، وذلك فيما اليسار بقيادة جان لوك ميلانشون الذي لن يقل ازعاجا لماكرون عن لوبن حصد ما يقارب 149 مقعداً.

كان ماكرون والفرنسيون ومراكز استطلاع الرأي، ينتظرون أن تأتي الضربة من تحالف اليسار وأحزاب البيئة والخضر بقيادة جان لوك ميلانشون، لكنها جاءت من التحالف الوطني اليميني المتطرف، وهو ما يضع سيد الأليزة في وضع لا يُحسد عليه، خصوصا أن شعبيته تراجعت حتى بين دورتي الانتخابات التشريعية الأولى والثانية. وفي النتائج الأولية فهو قد يحصل على 224 مقعدا، اي بعيدا جدا عن الغالبية المُطلقة التي كان يحتاجها أي 289 مقعدا. 

ما حصل اذاً تصويتٌ لمعاقبة ماكرون فور استهلاله ولايته الثانية في قصر الاليزة، أو قُل هو “كابوس” أو ” زلزال” أو “هزيمة نكراء”  كما وصفه الإعلام الفرنسي وعدد من المعلّقين. لكن ما حصل أيضا يسير في السياق الطبيعي لتقدم اليمين المتطرف في عدد من الدول الأوروبية، وهو بالمقابل نوعٌ من الأوكسيجين الضروري لليسار ولأحزاب البيئة والخضر. 

ما ان بدأت النتائج الأولى بالظهور، حتى سارع الوزير غابريال آتال المنتمي لفريق الرئيس الى اعلان الهزيمة بقوله ” اذا تأكدت هذه النتائج، فاننا بعيدون جدا عمّا أمِلنا به” وهو ما وافقته عليه الناطقة باسم الحكومة  اوليفيا غريغوار بقولها:” لا شك أننا خذلنا عددا لا بأس به من الفرنسيين، والرسالةُ واضحة” . 

سينام ماكرون الليلة اذا على وقع الكوابيس، هذا اذا استطاع الى النوم سبيلا، أما خصمه الشرس واليساري الذي أتقن تماما اللُعبة ميلانشون فإنه سيحتفل حتى الصباح ثم ينام قرير العين،  فهو لم يقف مكتوف اليدين بعد هزيمته في الانتخابات الرئاسية مُحتلاً المرتبة الثالثة بعد ماكرون، وانما أعاد تعبئة صفوف اليسار وصاغ الاتفاقات وانقذ المهزومين من اليسار التقليدي وأنعش أملا كبيرا في صفوفه. 

ومنذ بدأت النتائج الأولى بالظهور، انطلقت الاحتفالات في المقر العام لتحالف ميلانشون المعروف باسم ” التحالف الشعبي والبيئي والاجتماعي الجديد” والمُختصر باسم NUPES ، وتقدّم ميلانشون المحتفلين قائلا :” انها حقيقةٌ مُفاجئة للجميع، لم ينتظرها أحد، انها غير متوقّعة، فهذه هزيمة نكراء  شاملة لحزب الرئيس ” وكذلك اعتبر القيادي في حزب البيئة جوليان بايو ان الاختراق الذي حققه اليمين المتطرف ليس هزيمة لليسار وانما لماكرون وقال :” لقد حاولوا تفادي الهزيمة من خلال موازاتنا وعلى نحو عديم الشرف بأعداء الجمهورية ( اي اليمن المتطرف)، لكنهم حصدوا الهزيمة وفقد الشرف معا”. 

من الصعب بعد اليوم أن ينجح ماكرون في تمرير مشاريعه الاصلاحية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، فهو سيكون عالقاً بين سندان اقناع الخصوم بأي مشروع يُريده، وهذا صعب ان لم نقل مُستحيلاً، أو سيُصابُ بالشلل الكامل على مستوى التشريعات، وبالتالي الاصلاحات، ولا شك أن فرنسا ابتداء من غد الاثنين ستكون في حالة مُعقّدة جدا حيال معظم القرارات التي تتطلب أغلبية في مجلس النواب. 

صحيح ان الجمهورية الخامسة عرفت أكثر من مرة تعايُشا بين اليمن واليسار التقليديين، لكن هذه المرّة هناك انتعاش لليسار واليمين المتطرفين أيضا، ومع هؤلاء لن تكون الأمور سهلة، بل قُل ستكون شبه مُستحيلة، وهذا يفرض انتظار تعقيدات كُبرى في السياسة الخارجية والاوروبية ولكن أيضا على المستوى الداخلي، ومن غير المُستبعد أن تترافق هذه النكسات والزلازل مع حراكات شعبية ومطلبية بعد الصيف. وعلى سيد الأليزة، المعروف بذكائه وحيويته ولكن أيضا ببراغماتيته وتكيّفه، ان يختار بين الصعب أو المُعقّد، ذلك ان كلا الطرفين أي ميلانشون ولوبن سينتظرانه عند كل مُفترق للقضاء على كل آماله بتمرير مشاريعه الاقتصادية والمالية والاجتماعية، الا اذا نجح في احداث اختراق بشأن بعض القرارات وجذب بعضا من اليسار التقليدي واليمين التقليدي الجمهوري لاحقا .

لا شك ان فرنسا تطوي صفحة كبيرة من تاريخها الحديث، وأما الصفحة المُقبلة فمفتوحة على المجهول. الاسباب كثيرة، لكن الأكيد ان السبب الأساس هو غياب الأفكار الكُبرى في بلاد فيكتور هوغو وروبيسبيير وجان جاك روسو ومونتسكيو ، وربما هذه الهزة تُعيد فرنسا الى التفكير عميقا باستعادة شيء من وهججها الفكري بدلا من الغرق بخطابات متطرفة تارة ضد المُهاجرين وتارة اخرى ضد المسلمين، ومرة ثالثة ضد أوروبا أو الصين وروسيا وغيرهما،  فقط لجذب أصوات من هُنا أو هناك بعامل الخوف لا الاقناع. 

 

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button