آخر خبرمقال اليوم

جزيرة الثعبان في الحرب الأوكرانية، من تلدغ؟

هادي جان بو شعيا

أكدت القوات المسلحة الأوكرانية، ان القوات الروسية نشرت حوالي 12 وحدة عسكرية في جزيرة الثعبان التي ذاع صيتهُا كثيرا منذ بداية الحرب كأحد أبرز جيوب المقاومة ضد الغزو الروسي ، وأظهرت الاقمار الصناعية قطعتين بحريتين كبيرتين أيضا هما عبارة عن بارجة روسية كبيرة ومركبة إنزال ، اضافة الى نحو 10 مركبات أخرى ، وفيما يُعتقد ان في الأمر محاولة روسية لرفع زورق وبعض المعدات الروسية التي أصيبت في القتال الشرس هُناك ونقلها الى الجزيرة القرم، فإن لا أحد يعرف تماما حتى الآن التبديلات العسكرية الروسية في عملية قضمه التي يبدو أنها أكثر صعوبة بكثير مما توقّع وأنها ستطول أكثر بكثير مما خطط، رغم التقدّم العسكري الذي يحققه. وكل العيون مُسلطة حاليا على هذه الجزيرة التي تُعتبر خطيرة جدا. 

 قبل أشهر قليلة لم يكن يعرف جزيرة الثعبان على الأرجح الاّ أهلها وبعض العارفين بجغرافيا أوكرانيا وروسيا والبحر الأسود، أو بعض المغامرين للاكتشاف والسياحة.   لكن مع التوغلّ الروسي في المدن الأوكرانية، سُرعان ما انتشر خبر الجزيرة، وذلك حيث طالب الجيش الروسي ومن على البارجة الشهيرة “موسكوفا” عبر أجهزة اللاسلكي حرس الحدود الأوكرانيين  بالاستسلام، فجاء الرد من على الجزيرة : “اذهبوا أنتم وسفينتكم إلى الجحيم”. انتشر الفيديو كالنار في الهشيم، خصوصا ان أخبار المقاومة الاوكرانية للجيش الروسي تلقى حاليا  صدى واسعا في أوساط الرأي العام الغربي وفي الاعلام الاطلسي الذي يتابع أدق تفاصيلها بينما حُجبت مؤسسات اعلامية تُقدم الرواية الروسية في الكثير من الدول الغربية.   

لم تذهب القوات الروسية الى الجحيم، بل تحوّلت الجزيرة الى جحيم من نار ودمار، حيث قصفتها البارجة “موسكوفا” بكثافة صاروخية ونارية دمّرت كل ما عليها، وسيطر الروس عليها، وتمّ أسر الجنود الأوكرانيين قبل الإفراج عنهم لاحقًا في خلال عملية تبادل أسرى مع موسكو.
 
بعد ساعة واحدة على بدء الهجوم  انقطع الاتصال بين حرس الحدود على الجزيرة الأوكرانية والقيادة في أوكرانيا. قالت  تقارير أوكرانية إن 13 من حرس الحدود رفضوا الاستسلام وقُتِلوا إثر اشتباكات مع القوات الروسية التي استولت على الجزيرة، إلا أن الحكومة الروسية عادت بدورها لتكذّب التقارير الأوكرانية بفي هذا الشأن ، وقالت إنها أغرقت ستة قوارب أوكرانية، فضلاً عن استيلائها على سفن وقوارب أخرى، بالإضافة إلى أسر 82 جنديًا أوكرانيًا واحتجازهم في سيباستوبول  أو أَقْيار، وهي إحدى مدن شبه جزيرة القرم المتنازع عليها بين روسيا وأوكرانيا.
بعد مرور أربعة أيام، تأكدت أكثر الرواية الروسية في سياق تبادل الأسرى، حيث عادت أوكرانيا لتؤكد أن جميع حرس الحدود في الجزيرة لا زالوا على قيد الحياة، واحتجزتهم البحرية الروسية قبل أن يتم إطلاق سراحهم في ما بعد ضمن التبادل.
لدغة الجزيرة
يبدو أنه بات لكل جزيرة من إسمها نصيب، فجزيرة الثعبان التي سيطر عليها الروس منذ الأيام الأولى للحرب نتيجة موقعها الاستراتيجي وقدرتها على تأمين سيطرة الروس على البحر الأسود، كرّرت لدغاتها للجيش الروسي حيث استهدفت القوات الأوكرانية مراكزه على الجزيرة في محاولة يائسة لمنعه من السيطرة على البحر الاسود، حيث تم  إغراق السفينة الروسية العملاقة “موسكوفا”، وبعدها بأيام تم الإعلان عن إغراق طرّاد روسي آخر بضربة صاروخية مباشرة. كما شهدت الجزيرة قصف وتدمير بطارية مدفعية روسية، ثم تلاها استهداف وتحطيم مروحية روسية كانت في طريقها لتحطّ بغية إجلاء عسكريين روس مصابين.
تم توثيق كل هذه الضربات للسفن والطائرات بفيديوهات بثّتها أوكرانيا، ما جعل الجزيرة ذات الأهمية الاستراتيجية تتمتع برمزية وطنية وعسكرية كبيرة أيضًا لدى الأوكرانيين.
أهمية الجزيرة استراتيجياً
جزيرة الثعبان التي تبلغ مساحتها فقط 0.17 كلم مربع وطولها 662 م وعرضها 440 م ، هي في الحقيقة منصة إطلاق خطيرة على كل من كان حولها. كما أنها تشكّل منطقة استراتيجية مهمة كونها تقع على مسافة نحو 50 كيلومترًا من مصبّ نهر الدانوب أحد الأنهار الرئيسية في أوروبا والطريق التجارية المهمة فيها، فضلاً عن كونها تقع على مسافة 100 كيلومتر من أوديسا، ما يجعل الجزيرة موقعًا استراتيجيًا لضرب الساحل الأوكراني بأكمله.
كذلك تقع جزيرة الثعبان على مسافة أقل من 200 كيلومتر من ميناء كونستانتسا الروماني الرئيس وتبعد أيضًا 300 كيلومتر من القاعدة الروسية الرئيسة في شبه جزيرة القرم في سيباستوبول.
يذكر أنه في أوقات السلم، توفر الجزيرة نطاقًا بحريًا واسعًا وتتمتع بثروات طبيعية على رأسها النفط. وجرّاء أهميتها الكبيرة كان على أوكرانيا ورومانيا تسوية نزاعهما حول جزيرة الثعبان أمام القضاء، حيث كانت كلتا الدولتين تهدفان للسيطرة على الموارد الطبيعية للجزيرة. وفي العام 2009، أصدرت محكمة العدل الدولية حكمها وقررت أن الجزيرة أوكرانية.
  يقول خبراء عسكريون إن جزيرة الثعبان نقطة استراتيجية أساسية يجب رصدها كونها تحول دون الوصول البحري والجوي إلى الشريط الساحلي الأوكراني بأكمله، وتشكل تهديدًا على مصبّ نهر الدانوب، فضلاً عن استخدامها من قبل الروس كمنصة لنصب معدات دفاعية مضادة للطائرات وللسفن وأنظمة صواريخ متوسطة المدى، بالإضافة للقوة النارية لأسطول البحر الأسود.

وتعتبر جزيرة الثعبان نقطة دعم تسمح للجيش الروسي بأن يكون أكثر ثقة في محاولات الاقتراب من السواحل الأوكرانية؛ وهذا كله يجعل الجزيرة معرّضة للخطر وهدفًا لهجمات ستأتيها من كل حدب وصوب، خصوصًا أنه وفق العرف العسكري يصعب حماية مثل هذه الجزيرة الصغيرة، ما سيجعل الروس يستمرون بتكبّد الخسائر بالعتاد والجنود طالما أنهم يسيطرون على جزيرة الثعبان التي لدغتهم مرارا. لكن الجيش الروسي يُدرك أنه بسيطرته على الجزيرة  حتى ولو بقي مكشوفا، ستكون خسائره مهما تعدّدت أقل من خسائرة لو لم يسطير عليها نظرا لموقعا الاستراتيجي رغم صغر مساحتها.  

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button