آخر خبرثقافة ومنوعات

المحميات الطبيعية في يومها الوطني

الشيخ الاستاذ كامل فرحان العريضي

كانت الطبيعة ومازالت الملجأ والحاضن للإنسان منذ فجر التاريخ، وبحسب علم الاجتماع يعتبر اكتشاف الزراعة من أهم الاكتشافات البشرية التي أتاحت للإنسان التوطن والإقامة في أرض محددة بدل الانتقال الداعم بحثا عن الكلأ والماء. ومن هنا، بدأت عوامل التحضر والحضارة. ومع تمادي الإنسان لاسيما بعد الثورة الصناعية، بالقضاء على المساحات الخضراء بسبب الاسمنت والمصانع والمواد الضارة بالبيئة والملوثة للتربة والماء والهواء، وما عاناه من أمراض ومشاكل في التوزان البيئي وارتفاع الحرارة وذوبان الجليد في القطبين وثلوث مياه الشفة، كان لا بد له من العودة الى الذات وحماية الكون من ضرره، فكانت فكرة المحميات الطبيعية للحفاظ على ما تبقى في العالم من مصادر للثروة البيئية والحرجية والبحرية والحيوانية.

تعريف المحميات الطبيعية

المحميات الطبيعية هي عبارة عن مساحة من اليابسة أو البحر ذات الطابع الإيكولوجي الهام أو المنظر الطبيعي المميز، وهي ثروة طبيعية جمالية ثقافية وسياحية مخصصة لحماية وصيانة الموارد الطبيعية وخصوصاً التنوع البيولوجي، وتمثل النظم الإيكولوجية المختلفة.

تاريخ المحميات الطبيعية في لبنان

تبلورت فكرة حماية الموارد الطبيعية في لبنان الحديث، بعد ورودها في القوانين اللبنانية منذ الثلاثينيات من القرن الماضي. كان أولها في القانون الصادر في 8/ 7/ 1939 المتعلق بحماية المناظر الطبيعية، حيث نص على ما يأتي: «تعد بمنزلة مناظر ومواقع طبيعية، جميع الأراضي أو العقارات والأشجار وفئات الأشجار المنفردة التي يستصوب حفظها بالنظر إلى عمرها أو جمالها أو قيمتها التاريخية، وبعد قيد الأراضي في لائحة الجرد العام للمواقع الطبيعية، فإن المالك لا يستطيع أن يباشر في أرضه أي تغيير في العقار المقيد أو في جزء من هذا العقار. وعليه الامتناع عن كل عمل من شأنه أن يغيّر الهيئة العامة أو المواقع الطبيعية أو يفسد أو ينقص من أهميتها السياحية». لكن إنشاء محميات حسب المعايير الدولية في لبنان، لم تبدأ إلا العام 1992، مع صدور القانون الرقم 121 في 9/ 3/ 1992، الذي أنشئ بموجبه محميتا حرش إهدن وجزيرة النخل في شمال لبنان. ويوجد حاليا في لبنان 18 محمية طبيعية رسمية، تساهم في الحفاظ على البيئة اللبنانية وتغطي 3% من مساحة لبنان، كما تعتبر من أبرز المعالم المقصودة من قبل هواة السياحة البيئية، وتشكل عامل جذب للسياحة الوطنية بشكل عام. وبهدف تشجيع المواطنين والمقيمين على زيارة تلك المحميات فقد أقرت الحكومة اللبنانية يوم العاشر من آذار من كل عام يوما وطنيا للمحميات الطبيعية في لبنان، وعادة ما يترافق هذا اليوم الوطني بأنشطة بيئية مختلفة من قبل وزارة البيئة اللبنانية والأحزاب والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات التربوية تهدف الى زيادة الوعي البيئي لدى المواطن. وبحسب وزراة البيئة اللبنانية فالمحميات ال 18 هي:

  • محمية حرج إهدن الطبيعية (قضاء زغرتا)
  • محمية جزر النخل الطبيعية (الميناء/طرابلس)
  • محمية غابة أرز تنورين الطبيعية (قضاء البترون)
  • محمية مشاع شننعير الطبيعية (قضاء كسروان)
  • محمية بنتاعل الطبيعية (قضاء جبيل)
  • محمية اليمونة الطبيعية (قضاء بعلبك)
  • محمية أرز الشوف الطبيعية (أقضية الشوف وعاليه والبقاع الغربي).
  • محمية شاطئ صور الطبيعية (قضاء صور).
  • محمية وادي الحجير الطبيعية (اقضية النبطية وبنت جبيل ومرجعيون).
  • محمية كرم شباط الطبيعية (قضاء عكار).
  • – محمية رامية الطبيعية (قضاء بنت جبيل).
  • – محمية كفرا الطبيعية (قضاء بنت جبيل).
  • محمية بيت ليف الطبيعية (قضاء بنت جبيل).
  • محمية دبل الطبيعية (قضاء بنت جبيل).
  • محمية ارز جاج الطبيعية (قضاء جبيل).
  • محمية جبل حرمون الطبيعية (جبل الشيخ) (قضاء راشيا).
  • محمية شاطئ العباسية الطبيعية (قضاء صور).
  • محمية النميرية الطبيعية (قضاء النبطية).

وفي المعلومات التاريخية، أنه خلال حكم الرومان للبنان، منذ حوالي ألفي عام، وجد الإمبراطور الروماني «أدريان»، أن قسمًا كبيرًا من غابات لبنان قد تعرّض للقطع، فعمد إلى تحديد مساحة ما تبقى بحجارة منقوشة، يعلن فيها ملكية الإمبراطورية لهذه الأحراج لحمايتها. ويمكن القول إن الإمبراطور، بهذا العمل، قد أنشأ أول محمية لبنانية.

لمحة تاريخية عن المحميات الطبيعية العالمية

أما عالميا، فيرى البعض أن إقامة المحميات الطبيعية والمنتزهات الوطنية في العالم بدأت منذ حوالي 150 سنة، وذلك عندما أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية أول منتزه قومي، هو منتزه “يللوستون” في ولاية “وايومينغ” العام 1872. وأول محمية بحرية عرفها العالم كانت محمية “فورت جيفرسون” بالولايات المتحدة الأمريكية أيضا، وكان ذلك في عام 1935م، وكانت تشغل مساحة مقدارها 250 هكتاراً فقط. وفي السنوات التالية أنشئت عدة محميات تحت الماء في ولايتي فلوريدا وكاليفورنيا وفي البحر الكاريبي. لكن المصادر التاريخية تشير إلى أن فكرة المحميات الطبيعية قديمة في التاريخ. فمنذ آلاف السنين، اعتبرت بعض الأراضي في بعض الدول مناطق «مقدّسة»، فكان هناك أيضًا جبال مقدّسة لها تاريخ وسحر خاص في كل من استراليا وأوروبا. والعام 252 ق.م، أقرّ إمبراطور الهند «أسوكا» قانونا لحماية الحيوانات والأسماك والأحراج.

وفي العالم العربي عرفت المحميات منذ زمن بعيد، حيث كانت كل مجموعة من السكان أو القبائل تتولى حماية ينابيع المياه والمراعي والأشجار القائمة حولها لتستأثر القبيلة برعي مواشيها وبالشرب من مياه المحمية الخاضعة لحمايتها. وفي أوائل عهد الإسلام أعلن رسولنا النبي محمد (ص) «منطقة النقيع» منطقة محمية.

أما في أوروبا، فقد أمر الملك وليم الأول الإنكليزي، العام 1084، بإعداد مسح شامل للأراضي والغابات ومناطق السمك والمناطق الزراعية ومحميات الصيد والمصادر المنتجة للمملكة لوضع خطط مناسبة للتنمية والإدارة.

تصنيف المحميات الطبيعية

يتم تصنيف المحميات الطبيعية إلى فئات مختلفة اعتمادا على نظام التصنيف الدولي للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة (IUCN) ويتم تصنيف مناطق المحميات الطبيعية وفقاً لأهدافها الإدارية وهي :

– محمية طبيعية صارمة.

– منطقة برية.

– متنزه قومي.

– نصب تذكاري للمعالم الطبيعية.

– منطقة إدارة الموائل.

– المناظر الطبيعية المحمية.

– المنطقة المحمية للموارد الطبيعية.

فئات المناطق المحمية

المناطق المحمية هي المواقع المميزة بتنوعها البيولوجي أو بأهميتها الإيكولوجية أو الجيولوجية أو الجيومورفولوجية أو الأنتروبولوجية أو الثقافية أو جمال مناظرها والمتضمنة المناطق الرطبة أو الجبلية أو الغابات أو الأحراج أو الجزر أو السهول أو السواحل البحرية والمياه الاقليمية أو أي نُظُم إيكولوجية أخرى التي تتوافر فيها الحاجات أو الضرورات التالية على سبيل المثال لا الحصر:

  • حماية عناصر التنوع البيولوجي لا سيما المهدد منها بالانقراض أو النادرة أو المميزة أو المتفردة.
  •  إعادة تكوين ثروة التنوع البيولوجي طبيعياً.
  • المحافظة على النُظُم الايكولوجية.
  • حماية مآلف الطيور والحيوانات الساكنة منها والمهاجرة.
  • المحافظة على المناظر الطبيعية والمعالم الطبيعية المميزة.

كما وتُقسم المناطق المحمية إلى أربع فئات هي:

  • المحمية الطبيعية.
  • المنتزه الطبيعي.
  •  الموقع أو المعلم الطبيعي.
  •  الحمى.

أهمية المحمية الطبيعية

يتم تطبيق قوانين وقواعد على كل من يضر بالمحمية الطبيعية، حيث تقيد هذه القوانين أنواع الأنشطة البشرية وكميتها لأنه من دون القوانين يمكن أن تحدث أضرار في المواطن الطبيعية والنباتات والحيوانات وطبيعة الأرض في المنطقة وقد يتم ذلك بسبب الإهمال أو الأنشطة البشرية العشوائية أو نتيجة لسوء الإدارة، وللمحميات الطبيعية أهمية كبيرة منها:

  • تحمي المحمية الطبيعية الحياة البرية والمواطن الطبيعية وذلك من أجل عدم حدوث انقراض أنواع من الحيوانات، وتحمي أيضاً المعالم الطبيعية التي يمكن أن تختفي مع الزمن وتزول من كوكب الأرض.
  • للمحميات أهمية كبيرة في الحفاظ على مجموعة كبيرة من الجينات التي قد يتم استخدامها في المستقبل، ونظراً لتغير احتياجات السكان باستمرار، فيستطيع الباحثون والعلماء استخدام هذه الجينات في التهجين أو في عمليات التعديل الوراثي من أجل زراعة مصادر غذائية قد يحتاجها العالم.
  • تعمل المحميات على حفظ التنوع البيولوجي في البيئة الذي يعود على الإنسان بفوائد عدة، فهو يقدم العديد من الخدمات الطبيعية التي تتمثل في:

الحفاظ على النظام البيئي:

  • حيث إن التنوع البيولوجي السليم له دور هام في استقرار الأرض ومناخها ليكون مناسبا لحياة الإنسان.

 وهو إلى ذلك يحافظ على استمرار دورة المياه وعلى هذا يمكن الحفاظ على الموارد المائية التي يتم استخدامها لعدة أغراض مثل الشرب وغيره.

  • يساعد التنوع البيولوجي في تسهيل دورة النيتروجين الذي يجعل الأرض الزراعية أكثر خصوبة وإنتاجا.
  • توفير العديد من الموارد الحيوية للإنسان :

حيث يوفر التنوع البيولوجي كثيرا من أنواع الغذاء للإنسان وأيضاً كثيرا من العلاجات الطبيعية التي تساعده على تحسين صحته بالإضافة إلى المواد الخام التي تستخدم في صناعة منتجات يحتاج لها الإنسان مثل الورق.

  • تقديم خدمات علمية وثقافية :

يستفيد الإنسان من التنوع البيولوجي في التعليم والبحث مما يساعده على فهم الإرث الطبيعي بشكل أفضل بالإضافة لتوفير نشاطات السياحة والترفيه والاستجمام للإنسان في البيئة الطبيعية.

يبدو واضحا أن الهدف الأساس من المحميات الطبيعية هو حمايتها من خطر الانسان لا من أي مخلوق آخر، حيث أمعن هذا الانسان في تشويهها وتلويثها طمعا بمكاسب مادية زائلة، وهذا ما دعا منظمة اليونسكو إلى إطلاق برنامج “الإنسان والمحيط الحيوي” عام 1971، الذي يهدف إلى إرساء أسس العلوم الطبيعية والاجتماعية من أجل ضمان الاستخدام الرشيد والمستدام لموارد المحيط الحيوي، وكذلك تحسين العلاقة العامة بين البشر والبيئات المحيطة بهم. إذ يتنبأ البرنامج بالنتائج المستقبلية للإجراءات المتخذة اليوم مما يزيد من قدرة البشر على إدارة الموارد الطبيعية إدارة فعّالة لضمان رفاهية المجتمعات البشرية والبيئة معاً. وأصبح عدد محميّات المحيط الحيوي المدرجة في الشبكة 714 محمية للمحيط الحيوي في 129 بلداً في جميع أنحاء العالم.

وبالرغم من كل الجهود الكبيرة التي تبذل في الحفاظ على خيرات كوكبنا الأزرق، يبقى الأمل على الوعي الإنساني لحماية بيئته وعالمه،  وإلا فلن تؤدي هذه الأعمال المشكورة هدفها النبيل كما تبتغيه وهذه المحافظة تبدأ من البيت إلى الشارع والقرية والمدينة والوطن ومن ثم العالم.

وفي الختام كلنا نرفع التحايا والتبريكات بأحر أنواعها مع الشكر والتقدير للعاملين والعاملات في حقل البيئة والمحميات الذين بهمتهم يخدمون البشرية جمعاء بشتى الوسائل والإمكانات.

المراجع:

  • 10آذار اليوم الوطني للمحميات الطبيعية؛ 10 آذار 2020؛ الموقع الإلكتروني الرسمي لوزارة البيئة الجمهورية اللبنانية.
  • وزارة البيئة في اليوم الوطني للمحميات الطبيعية:18 محمية شاهدة على ثروتنا الجمالية؛ 10 آذار 2021؛ الموقع الإلكتروني الرسمي لوزارة البيئة في الجمهورية اللبنانية.
  • عبير أنطوان؛ اليوم الوطني للمحميات الطبيعية في لبنان في العاشر من كل آذار؛17/03/2021؛ أفكار، أسبوعية سياسية.
  • د. علي زين الدين؛ دور المحميات الطبيعية في تنمية السياحة البيئية في لبنان؛
  • Issue Number 81 – July 2012دور المحميات الطبيعية في تنمية السياحة البيئية في لبنان؛ تموز 2012؛ مجلة الدفاع الوطني ” الجيش اللبناني”.
  • مايا نادر؛ محميات لبنان الطبيعية .. أين قانون حمايتها؟ مارس 9, 2019؛ 180 مجلة عربية شهرية تصدر من بيروت، العدد الأول أيلول 2019.
  • قانون المناطق المحمية ( في لبنان)؛ تاريخ النشر في الجريدة الرسمية: 30/04/2019 الصفحة: 51-58.
  • الدكتور مجد جرعتلي؛ أهمية وفوائد وأنواع المحميات الحيوية؛ 20/11/ ؛2011 دراسات خضراء
  • ايمان محمود؛ بحث عن المحميات الطبيعي؛12 فبراير 2022؛ المرسال.
  • المحميات الطبيعية أقسامها وخدماتها وأهميتها؛ موقع مفاهيم.
  • إدراج 25 موقعاً جديداً في شبكة اليونسكو العالمية لمحميّات المحيط الحيوي؛ 28/ 10/ 2020؛ موقع اليونسكو

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button