آخر خبرافتتاحية

عودة عربية الى دمشق،ماذا عن إيران ولبنان؟

سامي كليب:

                في أوج القطيعة الخليجية مع لبنان، وصل الى دمشق وفدٌ إماراتي رفيع بقيادة الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي في دولة الإمارات العربية المتحدة، يرافقه خليفة شاهين وزير الدولة في الخارجية وعلي محمد حماد الشامسي رئيس الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ. وإذا سارت الأمور على نحوها الإيجابي فقد نشهد قريبا قمة بين الرئيسين السوري والإماراتي، وذلك في سياق التمهيد لعودة من بقي من العرب الى دمشق، بعد فتح سفارات عديدة، وعودة سورية الى مقعدها في جامعة الدول العربية.

            علاقة الإمارات بالدولة السورية بقيت طيلة سنوات الحرب قائمة، ذلك أن أبو ظبي منعت منذ فترة طويلة أي تحرّك معارض على أرضها، وأدركت بعيد فترة وجيزة على اندلاع الحرب السورية، أن سقوط النظام يعني وصول الاخوان المسلمين الى السلطة، ما يهدّد لاحقا وصولهم أيضا الى الخليج نفسه بعدما كانوا قد تولّوا الرئاسة في مصر ومقاليد كثيرة من السلطة في تونس ثم لاحقا الحكومة في المغرب، وإمارة الحرب في ليبيا وغيرها.

           أما أن يأتي رئيس الدبلوماسية الإماراتية ( أو كما يسميه البعض بكيسنجر الإمارات)  الى دمشق على رأس وفد كبير، ففي الأمر رسائل كثيرة تتخطى مسألة المصالحة أو المساندة الاقتصادية نحو آفاق أخرى مهمة، ويمكن أن نرصد منها التالي:

  • تحتل الإمارات منذ سنوات موقعا متقدّما في السياسة الخليجية، اتفقت في بعضها مع السعودية وتنافست معها في بعضها الآخر وتنافرت في بعضها الثالث مع قطر. ولذلك فان فتح سفارتها في دمشق، ثم هذه الزيارة الرفيعة وما بينهما من اتفاقات، يعني أن قسما كبيرا من الخليج قد عاد فعلا الى سورية، ذلك ان الدول الأخرى مثل الكويت وسلطنة عمان والبحرين قد أعادت علاقاتها الكاملة أو شبه الكاملة، كما جرت اتصالات بين السعودية وسورية، وأما قطر التي وضعها يبقى أكثر صعوبة فهي في تنسيق ممتاز مع إيران.
  • جاءت الزيارة أيضا بعد ضوء أخضر أميركي قضى باستجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر الأراضي السورية الى لبنان، وإعادة فتح المعابر بين دمشق والعراق.
  • للإمارات لوبيات قوية جدا في الولايات المتحدة الأميركية، وهي قادرة على تعديل الكثير من صورة سورية في بعض مراكز القرار وأيضا في الإعلام الأميركي، ولعب دور الوسيط، وحمل رسائل بين الجانبين.
  • للإمارات كذلك علاقات متنامية مع إيران لا بل انها وكما كان قد قال رئيس غرفة التجارة الإيرانية الإماراتية المشتركة، فرشيد فرزانكان في العام الماضي، أصبحت ثاني أكبر شريك تجاري لإيران منذ حوالي سنتين، وفي شهر أيلول/سبتمبر الماضي أعلن المتحدث باسم الجمارك الإيرانية روح الله لطيفي أن حجم التبادل التجاري بين إيران والإمارات سجل زيادة نسبتها 24% بالوزن و54 % بالقيمة، خلال آخر خمسة أشهر، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ما يعني أن إيران لا تستطيع مطلقا أن تلوم حليفها السوري على هذا الانفتاح على أبو ظبي.
  • على المستوى الدولي تحتل الإمارات العربية المتحدة موقعا طليعيا في الشراكة مع الصين، حيث أن التبادل التجاري غير النفطي خلال النصف الأول من العام الحالي وصل الى أكثر من 103 مليارات درهم، بنسبة نمو فاقت 25 %، واستحوذت الصين على 12 % من التجارة الخارجية غير النفطية ، واستثمرت 20 مليار درهم في الامارات، بينما بلغت الاستثمارات الإماراتية في الصين نحو 30 مليار درهم، لتصبح الصين أكبر شريك تجاري للإمارات عالميا والسوق الأول للاستثمار الصيني، وبوابة الصين تجاريا نحو ثلثي العالم، ويكفي ان نذكر أيضا ان 4 آلاف شركة صينية تعمل في الامارات وتوظف أكثر من 400 ألف شخص، لندرك أن العلاقة بين الجانبين قطعت شوطا كبيرا جدا . لا شك ان هذه العلاقة الصينية الإماراتية وكذلك العلاقات الإماراتية الروسية، ستسمح لأبو ظبي بسلسلة من الاستثمارات الكبيرة المشتركة مع الصين في سورية في سياق إعادة الاعمار لاحقا.
  • الإمارات العربية طبّعت علاقاتها مع إسرائيل، وهو ما يسمح لها بلعب دور الوسيط الذي كانت تلعبه تركيا حين توسطت بين دمشق وتل أبيب منذ أواخر العام 2007، ذلك أن دمشق في حينه لم تكن تثق بواشنطن كثيرا، وأرادت أن تتولى الوساطة دولة مهمة لها استراتيجيا وعمقها سُنّي. فلو ذهبت الأمور مستقبلا نحو إعادة إطلاق مفاوضات سورية إسرائيلية كما تريد روسيا وترغب واشنطن، فلعل أبو ظبي ستكون قادرة على لعب دور القناة الخلفية. وربما هي تحاول حاليا.
  • علاقات الامارات الجيدة مع إسرائيل وسورية، جعلت الأميركيين الذي يفاوضون لبنان على ترسيم الحدود، يقترحون شركات إماراتية لاستخراج الغاز وتسويقه في المناطقة الحدودية اللبنانية الفلسطينية في حال تم توقيع اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل ولاحقا مع سورية. كما ان خبرة الأمارات في إدارة مرافئ العالم ( حيث تدير اكثر من 70 مرفأ عبر العالم) تجعلها قادرة على التحرك عبر المعابر والمرافئ البحرية بالتوافق مع شركات عالمية في مجالات النفط وإعادة الاعمار.
  • لا شك أن دعم الإمارات لسورية يفترض مساندتها في مواجهة التمدد التركي من شمال سوريا الى شمال لبنان.
  • لا شك كذلك ان زيارة الوزير الاماراتي فتحت الباب واسعا لعودة سورية الى جامعة الدول العربية خصوصا ان ثمة دولا عديدة تُريد ذلك من الجزائر حتى العراق.

الواضح إذاً أن المصالح المشتركة الإماراتية السورية كبيرة في الوقت الحالي، فكان طبيعيا هذا الانفتاح الكبير

 

 

ماذا عن لبنان؟

  لبنان الذي نجح في طرد المحتل الإسرائيلي بالقوة، أثبت بالمقابل أنه عاجز عن إدارة نفسه بنفسه، وانقسم بين محورين، الأول  وهو الأقوى أمنيا وسياسيا واقتصاديا تقوده إيران، والثاني يلقى دعم بعض الدول العربية والخليجية ودعما غير واضح المعالم من قبل الدول الغربية بسبب رغبة هذه الدول بمغازلة ايران.

لا يطمئن العرب كثيرا في الوقت الراهن للولايات المتحدة الأميركية في سياق مواجهتها لإيران. ويشعر الكثير منهم بأن واشنطن قد تضحي بمصالح عربية كثيرة لأجل اتفاقها النووي مع طهران رغم كل الكلام المعسول الذي تقوله عن حماية حلفائها.

وبعد اختراق إيران لخمس دول عربية هي العراق وسورية واليمن ولبنان وفلسطين وتعزيز قدراتها فيها، يتبين اليوم أن غياب المشروع العربي عن الساحات العربية، افسح في المجال لهذا التقدم الإيراني والتركي والإسرائيلي، ولو سقطت مأرب اليمنية بأيدي أنصار الله الحوثيين وحُسمت حرب اليمن لصالحهم فإن الوضع سيصبح أكثر سوءا بالنسبة للعرب القلقين من إيران حتى ولو ان حلفاء طهران في العراق أصيبوا بنكسة انتخابية مؤخرا.

الواقع أن لبنان يُشكل ساحة مهمة جدا لتعديل المشهد قليلا، فاذا كانت السعودية في ظل القيادة الفعلية للأمير محمد بن سلمان، باتت تنظر الى لبنان على أنه مجرد قاعدة عسكرية لحزب الله وقاعدة خلفية لإيران، فان ثمة قلقا عربيا آخر يتمحور حول حقيقة الأهداف الأميركية المتوسطة والبعيدة المدى. فماذا لو اعتبرت واشنطن ان ترسيم الحدود بموافقة الحزب ثم لاحقا استخراج الغاز وتجديد الهدنة مع أسرائيل، أمورا كافية لتعزيز دور الحزب في مستقبل النظام السياسي اللبناني؟

انطلاقا مما تقدم، فإن ثمة رأيا يُناقش على مستوى الخليج منذ فترة غيرة قصيرة، ومفاده، أنه أمام ضعف الأطراف اللبنانية المناهضة لحزب الله وعجزهم عن مواجهته، لا شيء سيعيد التوازن الى الداخل اللبناني سوى العودة السورية اليه، فحين كانت التسويات الكبرى الخليجية السورية تحصل وبينها مثلا تحالف ” سين- سين” أي السعودية وسورية، لم يكن الدور الإيراني قادرا على تغيير المعادلات.

من هذا المنطلق، يعتقد بعض العرب، بأن إعادة التوازن الى الساحة الداخلية اللبنانية وإعادة دور عربي أكبر الى سورية ولبنان، تتطلبان تعاونا وثيقا مع دمشق، وطي صفحة الماضي، ولعل هذا ما يُناقش أيضا في دوائر غربية وبينها البنتاغون نفسه وفق مصادر موثوقة. فاستنهاض مشروع عربي بات أمرا مُلحاً وفق عواصم عربية وغربية لوقف التمدد الإيراني الذي بعد حرب اليمن والاتفاق مع واشنطن سيصبح أمرا واقعا وثقيل الوطأة على خصوم طهران.

لا شك أن هذا الأمل العربي، يصطدم، على الأقل حتى الساعة، بواقع آخر يقول إن تحالف سورية-إيران-حزب الله ليس قابلا للتفكيك لأنه ضرورة حيوية لهذه الأطراف الثلاثة…وان انسحاب أي ضلع منه يعني انهيار المثلث…

في جميع الأحوال، لا يمكن النظر الى زيارة وزير خارجية الامارات على رأس وفد رفيع الى دمشق على أنه أمرٌ عابر. ففيها من الرسائل ما يحتاج الى تفكير عميق لكونه يطال دولا وأطرافا كثيرة ، أما اليقين الوحيد في هذه الزيارة، فهو أن سورية متجهة للخروج ليس فقط من حربها ولكن أيضا من عزلتها، وسنشهد قريبا مفاجآت أخرى، بعد ان صار الرئيس بشار الأسد أمرا واقعا عربيا ودوليا ينبغي التعامل معه، وفق ما قال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في خلال زيارته الأخيرة الى بغداد، اما اميركا فهي ستضطر لشجب اي انفتاح على سوريا علانية حتى ولو انها ضمنيا ما عادت تمانع ، واما اسرائيل فهي وفي فترة شد الحبال ستبقي غاراتها مستمرة على المواقع الايرانية في سورية لانها جزء من استراتيجيتها القائمة على مبدا  الاستمرار في اشغال ايران .

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button