لماذا يهزا بوتين بالعقوبات الأطلسية؟

سامي كليب:

حين قرّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إثارة العالم الغربي بحشد قواته عند الحدود، وتلاعبَ بأعصاب الأطسية موحياً باجتياح لم يحصل، على الأقل حتى الآن، رغم الإعلانات الأطلسية المُتكرّرة عن وقت حدوثه، كان يُدرك تماما أن الغرب سيفرض عليه سلسلة من العقوبات تبدأ بأميركا وأوروبا وتصل الى اليابان. لكنه لم يتراجع، ومضى بتحدّيه مُعلنا الاعتراف باستقلال منطقتين في أوكرانيا الراغبة بالانضمام الى الأطلسي.

لماذا يهزأ بوتين بالعقوبات؟

نجد عددا من عناصر الجواب على هذا السؤال، في الصحف الأميركية نفسها، فتقول مثلا صحيفة “وول ستريت جورنال” :” اذا كان الاتحاد الأوروبي هو حتى اليوم الشريك التجاري الأكبر لروسيا، فإن موسكو وسّعت نطاق علاقاتها مع بكين منذ زمن، وخصوصا حين فتحت خط الغاز باتجاه الصين منذ العام 2019″

كذلك الأمر بالنسبة لصحيفة “واشنطن بوست” التي تنقل عن عدد من الخُبراء قولهم ان هذه الإجراءات الأطلسية التي طالت قطاعات مصرفية وتجارية روسية لن تغيّر كثيرا في مخطّطات سيد الكرملين على المدى القصير، ولن تكون رادعة. وترى الباحثة والمستشارة السابقة في البيت الأبيض جوليا فريدلاندر إنه:” حتى لو أن الحكومات الغربية فرضت عقوبات قاسية جدا على موسكو في الأسابيع القليلة المُقبلة، فإن تأثيرها يحتاج الى أشهر عديدة كي يبدأ بالظهور على اوليغارشية الاقتصاد الروسي”

يبدو وفق هذه التحليلات أن بوتين الذي كان يستعد لهذا الوصول الى مشارف الحرب الباردة، قد خزّن منذ فترة طويلة، وتحديدا بعد العقوبات التي فُرضت على بلاده في أعقاب ضمّه منطقة القرم، وكذلك بعد اتهامه بتسميم مُعارضيه في الخارج، مبالغ كبيرة من العملات الأجنبية والذهب ومصادر أخرى عديدة كي يصمد لفترة غير قصيرة في وجه العقوبات.

من جانبها ترى صحيفة ” لوس أنجلس تايمز” أن الرئيس الروسي الذي عبّر في خطابه أمس عن رأيه بأن استقلال أوكرانيا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي هو كارثة في التاريخ الروسي، لن يتراجع وهو يُدرك تماما أن الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الاطلسيين لن يُرسلوا قوات للدفاع عن أوكرانيا.

لا تستبعد صحيفة “نيويورك تايمز” من جانبها، ان تؤدي العقوبات المفروضة على روسيا الى نتائج قاسية أيضا على الاقتصاد الأميركي وذلك لأنها قد ترفع أسعار الغاز، ولذلك فان جان بساكي الناطق باسم البيت الأبيض أنذر الاميركيين بضرورة الاستعداد للمرحلة المُقبلة، والأمر نفسه قد ينسحب على دول أوروبية خصوصا تلك التي تعتمد كثيرا على الغاز الروسي مثل المانيا وبولندا بعد اغلاق أنبوب نورث ستريم.  

الكاتب طوم نيكولا يُحلّل خطاب الرئيس الروسي أمس، فيقول في مقال موسّع في صحيفة ” اتلانتيك”  إن بوتين وجّه صفعة كُبرى للأسرة الدولية، موضحاً أنه اختار الحرب، تلك الحرب التي كان بالأساس قد شنّها ضد أوكرانيا في العام 2014، أما اليوم فهو يشنّها ضد النظام العالمي”.

يضيف الكاتب:” ان بوتين لا يبدو كرئيس واثق من نفسه، وإنما كمُراهق انخرط في مغامرة  سيئة الطالع ورفع عينيه صوب راشدين أغبياء، ولا يفهم كم أن العالم بات معاديا له، لكن ما يميّزه عن المراهق هو امتلاكه جيشا مؤلفا من مئات آلاف الجنود واسلحة نووية”.

ويجزم الكاتب بأن الرئيس الروسي سيجتاح عاجلا أم آجلا أوكرانيا، فيقول :” ان بوتين يؤكد اليوم على أمرين، رفضه إنتهاء الحرب الباردة، وعزمه على هزيمة النظام الأوروبي لحفظ السلام والأمن والذي بنته الاسرة الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة، فبعد دقائق معدودات على انتهائه من خطابه المُتلفز، أرسل قوات حفظ السلام الى شرق أوكرانيا، ولا شك أن المرحلة المُقبلة ستكون إيجاد ذريعة عبر حادث مُعيّن يسمح له باتهام الاوكرانيين بالاعتداء، تماما كما فعل مع جورجيا في العام 2008، فيدّعي أنه يرد فقط عليهم دفاعا عن الأقلية الروسية، ثم نراه قد أصبح في شوارع أوكرانيا”.

يبدو واضحا من الصحف الأميركية والأوروبية، أن بوتين قد أحدث زلزالا كبيرا في الأطلسي الذي لا يعرف كيف يضع حدا لطموحات القيصر وتحدّيه، فهل في الأمر عودة فعلية لتوازن العالم بين الأطلسي من جهة والصين وروسيا وحلفائهما وشركائهما الجدد في العالم من جهة ثانية، أم أن بوتين يلعب ” صولد” من منطلق عليّ وعلى أعدائي يا رب، وذلك بعد أن كال الغرب ضده منذ سنوات كل أنواع الاتهامات، وعاقب وحاصر روسيا اقتصاديا؟

لا شك أن ما سيحصل في الجبهات المُشتعلة من أوكرانيا الى سورية في الأشهر المُقبلة، سيحدّد الكثير في مستقبل هذا العالم المُضطرب، ولا شك أيضا أن أميركا ستكون على المحك لجهة صورتها في عالم اليوم، اذا ما نجح بوتين في كسب هذه المعركة. لعلّها وهي تواجهه، تنظر بكثير من القلق الى الصين.

لا شك كذلك أن بوتين وبعد خطابه الناري والواضح، يستعد لشيء أكبر، وهو حتما لن يترك منطقة شرق أوكرانيا عارية بوجه الاطلسي والقوات الاوكرانية، وقد نسمع في الساعات المُقبلة شيئا ما عل المستوى العسكري يُشبه الحرب او ربما الحرب. فما بعد الخطاب ليس كما قبله 

هل يصمد بوتين طويلا في وجه العقوبات ليعود الى التفاوض من موقع القوّة كما فعلت إيران مثلا؟ ربما نعم وربما لا، الاحتمالان قائمان…فلننتظر ونر.   

lo3bat elomam

Recent Posts

غيمةَ العطر..اسكبيها

مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…

4 days ago

Et si le maquillage n’était pas seulement une affaire de femmes !

Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…

5 days ago

هآرتس: لم نحقق شيئًا، ولم نهزم أحدًا، واقتصادُنا منهار وشبابُنا يهاجرون

ترجمة عن صحيفة هآرتس  لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…

5 days ago

ملتقى أبو ظبي: وهم الاستقرار في عالم مضطرب ولكن….

 ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…

6 days ago

Quand changer l’heure devient une affaire d’état !

Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…

2 weeks ago

ماذا سيفعل ترامب في فلسطين واوكرانيا

  Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…

2 weeks ago