آخر خبرمقال اليوم

خيرات القطب الشمال قد تُشعل حروباًُ

هادي جان بو شعيا 

تعمل روسيا على تطوير مشروع جديد في منطقة القطب الشمالي لبناء محطة ستكون لديها القدرة على التعامل مع نحو 20 مليون طنٍّ من الغاز الطبيعي المسال سنويًّا، على أن تزيد هذه النسب بحلول عام 2024. ومع زيادتها، يرتفع منسوب الخلافات بين الدول المطلّة على تلك المنطقة. ذلك أن ثماني دول تطلّ على القطب الشمالي وهي روسيا والولايات المتحدة الأميركية وفنلندا والسويد وكندا والنرويج والدنمارك وأيسلندا، وجميعها ذات عضوية في مجلس المنطقة القطبية الشمالية، وهو منتدى حكومي دولي يعزز التعاون والتنسيق والتفاعل بين هذه الدول.

ذوبان جليد القطب الشمالي ألهب صراع الكبار وباتت ثرواته النفطية الدفينة وقود هذا الصراع. فالقطب الشمالي يكتنز أكبر احتياطي غير مكتشف للنفط والغاز في العالم ويقدّر بنحو 25% من الاحتياطي العالمي، ناهيك عن تقديرات بنحو 35 تريليون دولار أميركي لقيمة المعادن التي تتصارع عليها، ليس فقط الدول المطلّة، بل دول بعيدة من القطب الشمالي مثل الصين التي تعتبر نفسها “دولة شبه قطبية”، في حين تعتبر روسيا من أوائل الدول التي استطاعت استخراج النفط والغاز من تلك المنطقة، معتمدةً بذلك على كاسحات جليد نووية لتسريع عمليات الإكتشاف وبناء مطارات ومشاريع أخرى في المنطقة. كما أعلن رئيسها فلاديمير بوتين أن هذه المنطقة باتت تشكل استراتيجية وأولوية كبريَيْن لروسيا.
 
ووفق قاعدة أن المصالح تحتاج إلى قوة لتحميها،  أوعز بوتين في بداية العام الجاري بتشكيل قوة عسكرية في منطقة القطب الشمالي للدفاع عن مشاريع روسيا، حيث تمّت إقامة سبع قواعد عسكرية كما أجريت تدريبات عسكرية آخرها كان في آذار/مارس الماضي.
هذه التحركات العسكرية الروسية لم تكن بالطبع على هوى الدول المطلّة على القطب الشمالي، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، التي تبنّت مؤخرًا عقيدة استراتيجية جديدة في القطب الشمالي، منشئةً في ولاية ألاسكا أكبر قاعدة عسكرية فريدة من نوعها في العالم، حيث تضم مئة طائرة من طراز “إف ٣٥” F35.
مع التحركات العسكرية في المنطقة توالت تحذيرات ودعوات لتجنّب “عسكرة” القطب الشمالي، وكان هذا الأمر على رأس ملفات تمت مناقشتها مؤخرًا في خلال اجتماع وزاري لدول مجلس القطب الشمالي في أيار/مايو الماضي، حيث دافعت خلاله روسيا عن نشاطها العسكري وسيادتها على تلك المنطقة، في حين اعتبرت الولايات المتحدة بعض مطالب موسكو غير شرعية.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يؤكد أن للتنمية حصة من تحركات روسيا، حيث قال في منتدى القطب الشمالي الذي عُقد في شهر حزيران/يونيو الماضي في مدينة سانت بطرسبيرغ الروسية إن بلاده تولي اهتمامًا خاصًا لهذه المنطقة من خلال مشاريع استثمارية سيُكشف عنها في وقتها.
لكن لماذا صار القطب الشمال واعِداً ومُثيراً للقلق؟
في الواقع ينمّ القطب الشمالي عن مفارقة أساسية من مفارقتين عالميتين:
– المفارقة الأولى، أن حروب المستقبل قد تندلع حول أحقيّة بعض الدول على غرار روسيا والدول الإسكندنافية وربما الصين وكندا والولايات المتحدة بذريعة إدعاءات كل منها على حدة أن لديها سيادة على خيرات هذا القطب الشمالي.
– المفارقة الثانية، تعني ما يعرف بدول الجنوب، ولعلّ حروب المستقبل سوف تتمحور حول الماء، بمعنى مع ذوبان الجليد تلتهب شهوات الدول الكبرى من أجل المعادن والغاز الطبيعي ومخزون النفط. في حين أن ما يعرف بدول الشمال التي تعاني من التصحّر يدعوها بل يضطرها للاحتراب عاجلاً أم آجلاً بغية النزاع على المناطق الغنية بالمياه.
 قبل أربعة أشهر، قررت روسيا أن سيادتها تمتد إلى مساحة 705 آلاف كيلومتر مربع إضافية باتجاه جزيرة غرينلاند وكندا وإن كانت لا تريد الاقتراب من ألاسكا بسبب حساسية الموقف مع الولايات المتحدة.
من الواضح، أن موسكو ترسم خارطة طريق في محاولة لإقامة مناطق استيطان أو توسع وامتداد على أساس أن تحتكر منذ الآن المخزونات تحت الأرض، ولعلّ ما يساعدها في ذلك أن كوكب الأرض يشهد موجات عاتية من الاحتباس الحراري ما يؤدي إلى ذوبان كميات كبيرة من الجليد وبوتيرة متسارعة.
إذا بات القطب الشمالي يشكل محور علاقات دولية لم نشهدها في القرون الخالية ما يشي بأن التحرك الروسي يثير حفيظة العديد من الدول بدءًا بالدول الإسكندنافية بحكم القرب الجغرافي ما يشفع لها، إذا جاز التعبير، بامتلاك ما هو بالقرب منها، فضلاً عن الولايات المتحدة وكندا.
تجدر الإشارة هنا إلى أن ما نشهده اليوم هو عملية توسع باتجاه القطب الشمالي فيما يفتقر النظام الدولي ومعه الأمم المتحدة إلى آليات قانونية محددة، وربما أفضل ما هو موجود يتمثل بقانون البحار الذي يعود إلى عام 1982، والذي لم يعد مؤاتيًا للأزمات المستجدة الآن في خضم الهجمات على بعض المرافق والمرافىء والمضائق.
وإذا ما صفيت النفوس وتوافرت الإرادة في موسكو والعواصم الأخرى المعنية مثل بكين وستوكهولم وبقية العواصم الإسكندنافية وايضًا واشنطن ربما باستطاعة القوانين الجيوسياسية الحكم في هكذا نزاعات والسعي إلى إيجاد إطار قانوني يحدّد تقاسم الخيرات. إذ من المتوقع أن يشهد مجلس الأمن الدولي في المستقبل القريب نقاشات جديدة منها، على سبيل المثال لا الحصر، أين تنتهي سيادة الدول وأين تبدأ المناطق الإقليمية.
بناء على ما تقدّم،  يحتاج النظام العالمي الآن إلى مفهوم جديد يقول فيه ويحدّد أن المناطق الإقليمية في القطب الشمالي هي خارج طموحات ما يعتبر بالمياه أو الأراضي التابعة لسيادة هذه الدولة أو تلك.

في الختام، يبدو أن بعض الدول وبينها التعددية القطبية يجد نفسه أمام سوق جديدة لم تكن على راداره من قبل، وباتت قاب قوسين أو أدنى من تنافس شرس، إذ تعتبر كل دولة من الدول المعنية على حدة أن لديها الحق في رسم منطقتها تمامًا كما تفعل الأسود في الغابة، حيث ترسم مناطق سيادتها وربما هذه الصورة الايحائية هي خير تعبير وتجسيد لواقع يتربّص بمنطقة القطب الشمالي.

—————————————————————————————————————————————-
الكاتب: هادي جان بوشعيا-إعلامي وكاتب لبناني

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button