آخر خبرافتتاحية

من بحر عُمان الى جنوب لبنان.. معركة واحدة

سامي كليب:

يعيش الشرق الأوسط حاليا على وقع 3 جبهات متزامنة، في بحار الخليج، والجبهة الجنوبية السورية المحاذية لفلسطين، وجنوب لبنان، أما في الشمال السوري فيعود شبح داعش للظهور عبر عناصر أوزباكستانية وغيرها. من الصعب التفكير بأسباب كثيرة  غير أمرين: أولهما تعقيدات التفاوض الإيراني الغربي، وثانيهما العمل الإسرائيلي الدؤوب لمنع انتعاش طهران بالتفاوض.

             لم يُخفِ حزب الله يوما إستراتيجيته الجديدة القائلة بوجود ” محور مقاومة” كامل يمتد من لبنان وفلسطين الى سوريا واليمن والعراق وصولا الى طهران، هذا المحور يتحرّك منذ مُدّة عبر كل الجبهات تقريبا لتعديل الأوضاع، ورفع مستوى الضغوط، ليس للذهاب صوب حرب واسعة وإنما لفرض واقع جديد من منطلق ” القوة”. هذا الواقع تُريده إيران وسورية (التي رفع رئيسها مؤخرا لهجته بصورة لافتة)، وحزب الله ولكن أيضا روسيا والصين. لذلك فإن صواريخ الحزب التي أصابت إسرائيل في اليومين الماضيين كانت بمثابة التذكير بثوابت الردع المتبادل، ولم تشأ إيقاع قتلى لأن ذلك سيؤدي إلى تدهور أوضاع تريده إسرائيل .

         ولم تُخف إسرائيل يوما عزمها على ضرب المستندات الأساسية لهذا المحور في لبنان وسوريا والعراق، وهي مستمر في ذلك، بدعم غربي، وفي بعض المرّات بغض طرف روسي على الأراضي السورية.

         حرب الناقلات في بحار الخليج والمعابر الدولية، لا يختلف أبدا عن التوترات عند الحدود اللبنانية الفلسطينية، أو في درعا السورية، ولا اختلف عن الحرب الأخيرة على غزة، وهذا كلّه لا يختلف كثيرا عما يحصل في هونغ كونغ أو أوكرانيا أو القرم.

          الطرف الغربي الإسرائيلي مع بعض الدول العربية يعتقد أن الوقت مُناسب تماما لوقف البرنامج النووي الإيراني والحد من ” تدخلات” إيران في المنطقة، ووقف خطر الصواريخ الباليستية، وبعض هذا الطرف يرغب ضمنيا بسحب إيران عبر الاغراءات من الفلك الروسي الصيني صوب التقارب مع إدارة بايدن. بالمقابل فإن المحور الذي تقوده إيران، يرى أن أميركا التي انسحبت من أفغانستان والتي ستضطر للانسحاب من سورية والعراق، ليست في وضع يسمح لها بفرض الشروط التفاوضية، وإنها عاجلا أم آجلا ستعود الى الطاولة بالشروط السابقة للاتفاق النووي. وقد شكّل الاشتباك الأميركي مع الصين وروسيا دافعا لهذا المحور لرفع مستوى التشدد.

في هكذا اشتباك قبل التفاوض، تلتهب الجبهات، وتشتعل الساحات البديلة، ويُمكن الجزم بأنه منذ تفجير مرفأ بيروت المقصود حتماً، مرورا بأحداث خلدة في لبنان بين بعض العشائر العربية ومقاتلي حزب الله، وصولا الى تبادل الصواريخ عبر الجنوب اللبناني مع العدو الإسرائيلي وما تلاه من اعتراض لناقلة الصواريخ من قبل بعض الأهالي، وكذلك تعقيدات تأليف الحكومة اللبنانية، يُمكن الجزم بأن هذا كلّه جزء من المرحلة الفاصلة بين الاشتباك والعودة الى التفاوض.

قد يُقال إنها فترة وتمضي، وسيعود الطرفان الغربي والإيراني الى الطاولة، نظرا لحاجاتهما لذلك، لكن إسرائيل ترى أن الوقت مناسبٌ الآن تماما لتحويل الضغوط الدولية الى مرحلة متقدّمة، وهي على الأرجح ستضرب في قلب إيران أو ستقصف مصالح إيرانية في الخارج بحرا أو برا، لاعتقادها بأنها تتمتع حاليا بغطاء وتبريرات دولية للقيام بهذا العمل. وقد فُهم من التصريحات الأميركية والبريطانية الأخيرة أن هذا ليس مسموحا فقط وإنما قد تؤمن واشنطن ولندن الغطاء له، لكن أميركا تُدرك أيضا أن الأمر يجب أن يبقى في حدود مقبولة، والا فإن كل العملية التفاوضية ستنهار.

انهيار التفاوض يعني عودة طهران الى تخصيب اليورانيوم، ويعني زيادة القلق من انتاجها قنبلة نووية، لذلك، فإما أن تكون الضربات محدودة في سياق الدفع للعودة الى التفاوض وإقناع الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي بالتخلي عن إستراتيجية القوة، أو تكون كبيرة بحيث تشلّ القدرات الإيرانية النووية. ولا شك أن رئيس ومن خلفه كل التيار المحافظ الذي يتولى معظم السلطات حاليا، ليس بوارد اظهار بوادر ضُعف في مستهل عهد الرئيس الجديد.

حتى الآن ما تزال الأطراف جميعا راغبة بالعودة الى التفاوض، لكن كلا منها يسعى لرفع الثمن. ولا يوجد ما يُقلق سوى عمل عسكري إسرائيلي يتخطى المقبول ويدفع صوب مواجهة أوسع.

في هذا الوقت ستبقى الساحات العربية، مسرحا لشد الحبال وتبادل الرسائل الدموية، لأن قرارات العرب ببساطة ليست بأياديهم، لذلك فالآتي في الأيام والأسابيع المقبلة عنوانه استمرار التوتر ورفع وتيرته ومنسوبه قبل التفاوض.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button