آخر خبرمقال اليوم

عالم جديد يتشكّل بعد أوكرانيا..ماذا فيه؟

 هادي بو شعيا

أحدث الغزو الروسي لأوكرانيا اهتزازا كبيرا في  النظام العالمي خصوصًا في أوروبا، وبوتيرة لم يشهدها العالم منذ نهاية الحرب الباردة وتفكّك الاتحاد السوفياتي قبل ثلاثة عقود. فهو فجّر مفاجآتٍ عدة، لعل أبرزها تخلّي سويسرا عن حيادها المعهود. إذ قامت هذا الأسبوع، وبعد تردّد لم يدُم طويلاً، بإعلان تبنّيها للعقوبات المفروضة من الاتحاد الأوروبي على روسيا وأبرزها ما يتعلق بتجميد أصول وحرمان أثرياء روس من الوصول إلى ودائعهم في سويسرا.
 تُعتبر سويسرا أبرز منصة مصرفية عالمية، حيث تمرّ عبرها الإيداعات المالية الروسيةالخاصة والحكومية. كما تستحوذ مدينة جنيف على ثلث المعاملات الخاصة بالطاقة، بالإضافة إلى بعض المواد الأولية مثل الحبوب التي تمرّ عبرها. ما يشكل تحوّلاً كبيرًا في السياسة الخارجية لسويسرا المعروفة بحيادها، وهي ليست عضوًا في الاتحاد الأوروبي.
عقيدة برلين تتغيّر!
أما المفاجأة التاريخية الأخرى التي فجّرها الغزو الروسي، فتتعلق بألمانيا التي أعلنت تسليم العاصمة الأوكرانية كييف أسلحة فتّاكة في قرار شكّل انفصالاً تاريخيًا عن عقيدة برلين؛ التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية؛ والتي تمنتع فيها ألمانيا عن إرسال السلاح إلى مناطق النزاع. كما صاحبت الخطوة قرارات داخلية وُصفت بالتاريخية وتعكس مدى التغيير الذي فرضه الغزو الروسي عبر تخصيص 100 مليار يورو لتحديث منظومة ألمانيا الدفاعية، فضلاً عن استثمار أكثر من 2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في المجال الدفاعي.
أوروبا موحّدة و”الفناء الخلفي” نحو الناتو
كذلك وثّق الغزو الروسي أواصر العلاقة بين أعضاء حلف شمال الأطلسي “الناتو”، كما بين الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الأوروبيين، بالإضافة إلى ظهور موقف موحّد من الاتحاد الأوروبي تجاه الغزو بعد أعوام من الانقسامات الأوروبية بخصوص العلاقة مع روسيا. كذلك دفع الغزو الروسي بـ”الفناء الخلفي” الذي يتشكّل من السويد وفنلندا؛  الى الانتقال من سياسة عدم الانحياز التي تطبّقا الدولتان منذ العام 1949 إلى حقبة جديدة عبر إرسال شحنات من الأسلحة إلى الجيش الأوكراني، ناهيك عن تنامي الحديث في كلتا الدولتين عن إمكانية طلب الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.
الصين والأرضية المحايدة
في ظل هذا العالم الجديد الذي يتشكّل، خصوصًا مع تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قال: “العالم لن يعود كما كان بعد هذه الحرب”، لا بد من التعريج هنا على حليف روسيا الأبرز، أي الصين التي تجد نفسها في مأزق بعدما كانت ولا زالت تعمل لتقوية علاقاتها مع روسيا ليشكلا سويّا ثقلاً مضادًا للغرب؛ ذلك أن موسكو تخطت بغزوها هذا ما كانت تريده بكين في ظل رد الفعل العالمي المناهض لتغيير الحدود والاستيلاء على أراض ودول (…)، كلها عوامل ستدفع حتمًا بالصين لإعادة النظر مليّا وطرحها السؤال الآتي: ما الذي سيحدث في حال غزو تايوان؟ وهل ستواجه العقوبات الاقتصادية ذاتها؟
صحيح أن الصين تتربّع على عرش اقتصادات العالم؛ إلا أن بكين تراقب من بعد وهذا ما تجلى في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، حيث امتنعت عن التصويت  أي أنها لم تساند روسيا كما لم تُدِنْها أيضًا، ولكنها حاولت البحث عن أرضية محايدة للحؤول دون الانخراط في هذا النزاع.
وقد لوحظ أن الاستعدادات الصينية والروسية سبقت بثلاثة أعوام على الاقل الغزو الروسي، ذلك ان تخفيف الاجراءات الجمركية والانتقال الى تعزيز استخدام العملة الصينية “اليوان” في المبادلات، ورفع الحظر عن استيراد القمح الروسي، وانشاء شركات عملاقة بين القطبين، كلها إجراءات تُشير بوضوح الى عودة العالم الى خرائط تشبه ما كانت عليه  الأوضاع في عز الحرب الباردة السابقة بين قطبين اشتراكي-شيوعي من جهة ورأسمالي-ليبرالي من جهة ثانية. فالواضح أن الصين وروسيا تشعُران أيضا بخطر تكتل حلف الاطلسي خلف أميركا ومعهم استراليا وكندا واليابان وغيرها. وهنا يجب النظر عن قرب أيضا الى ما يحصل بين الصين وروسيا من جهة وباكستان والهند من جهة ثانية، ناهيك عن ايران ومنطقة بحر قزوين ومنظمة شنغهاي. 
في المحصلة، مما لا شك فيه أن أسبوعًا واحدًا فقط قلب موازين القوى الدولية وأعاد رسم أخرى. ذلك أن أوروبا توحدت أكثر من ذي قبل وستبحث في خلال القمة الأوروبية المرتقبة الأسبوع المقبل في قصر ڤرساي عن كيفية حماية نفسها في ظل هذه التهديدات المتواصلة، وبات حلف شمال الأطلسي أقوى بعدما كان الرئيس الفرنسي قد وصفه منذ سنة ونصف السنة بأنه بحالة موت سريري”.

بيد أن مستقبل دولة عظمى مثل روسيا بات على المحك عقب مغامرتها في أوكرانيا. أما الحل، ومن منطلق علم فضّ النزاعات  فان القنوات الديبلوماسية المفتوحة قد تمثل الملاذ الأخير للخروج من هذه الحرب.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button