ثقافة ومنوعات

أنا ملالا، حاولتم قتلي وقلمي، لكننا صمدنا.

ديانا غرز الدين 

أخافتهم فتاة مراهقة سلاحها الوحيد هو فكر حرّ و إرادة صلبة، واجهت بهما ظلام عقولهم المتحجرة و ارهابهم الذي لم يخفها او يوقفها عن نشاطها و سعيها الى العدالة و الحرية لاطفال بلدها.. ففي وادي سوات الباكستاني الشهير، “سوات فالي”، الذي يعتبر من اجمل المناطق الطبيعية سحرا و ابهارا في العالم،  لتمتعه بمناظر خلابة ، تميزه جباله الشاهقة المكللة بالثلوج التي تحيط به ، و سهوله الشاسعة الخضراء و بحيراته الصافية المياه ، تدور معظم احداث الرواية . وذلك بعد تحوّل المكان من معقل للارهاب الطالباني الى واحة سياحة عالمية.

تقطن هذا الوادي  قبائل و شعوب البشتون، و هي مجموعة عرقية تعتبر نواة الاعراق البشتونية المتواجدة في باكستان و افغانستان و الهند.  و هي اقوى و اكبر قبائل العالم، افرادها محافظون متدينون متمسكون بتراثهم و عاداتهم و تقاليدهم. هم اهل نخوة و كرامة و اصحاب شجاعة و قوة لا مثيل لها. تصدّوا عبر العصور للغزاة و المحتلين و اسقطوا امبراطوريات بدءاً بالامبراطورية الصينية و البريطانية وصولا السوفييتية و الاميركية.  فأرضهم هي مقبرة الغزاة ، لذلك نجد ان عزتهم و كرامتهم هما في سلاحهم. انبثقت منهم مجموعة متطرفة سميت “طالبان”  روّعت اهالي الوادي و زعزعت استقراره و نكلت بكل من حاول الاعتراض و تفشى ارهابهم الكريه في كل البلاد. حتى الآن ما تزال الروايات حول نشأة طالبان  في أفغانستان كثيرة، خصوصا أنهم في مرحلة الوجود السوفياتي هناك حصلوا على دعم وتدريب أميركيين وكانت واشنطن تسميهم” طلاّب الحرية” ، قبل أن يصبحوا ارهابيين بنظرها ثم تعود الى محاورتهم مرارا خصوصا عبر الوساطة القطرية.

” انا ملالا : ناضلت دفاعا عن حق التعليم و حاول الطالبان قتلي” هكذا تقول ملالا يوسفزاي في كتابها ” أنا ملالا”  وهو مزيج بين الرواية و السيرة الذاتية كتبته بالتعاون مع الصحافية البريطانية كريستينا لامب و تم نشره عام ٢٠١٣ .

 

ملالا يوسفزاي ابنة ال١٥ ربيعا هي اصغر ناشطة في مجال تعليم الاناث، و اصغر حاصلة على جائزة نوبل (عام ٢٠١٤) لدفاعها عن حقوق الانسان و خاصة حق المراة في التعليم. حملت قضيتها و ناضلت من اجلها و كادت ان تدفع حياتها ثمناً لها.  كانت منطقتها تعاني من محاولة حظر التعليم للفتيات من قبل الطالبان و منعهن من الذهاب الى المدارس. يتناول الكتاب تفاصيل حياتها و نشاطها و صعود و سقوط حركة طالبان باكستان في وادي سوات و محاولة اغتيالها في اكتوبر عام ٢٠١٢ بواسطة رجل مسلح اوقف حافلتها المدرسية و اطلق عليها ٣ رصاصات ، اخترقت احداها عينها اليسرى وخرجت من كتفها،  فيما تعرضت صديقتاها لاصابات غير قاتلة. كما يتناول التطورات التاريخية و الاجتماعية و السياسية لبلادها و كيف وقعت في قبضة التنظيم الارهابي عام ٢٠٠٦ الذي فرض عليها طوقا من العتمة و الظلم و العنف و القمع.  و كان مصير كل معارض هو الاغتيال و التنكيل. حتى اصبحت المنطقة خارج التاريخ و العصر و تحولت الى بؤرة ارهاب وتخلّف . لكن ملالا انتصرت لقضيتها و تحدت الجهل و التخلف.

” ما يبعث على السخرية حقا ان هذا الذي يُسمّى عالما انما ينشر الجهل بين الناس”.

تصف ملالا طفولتها و منزلها في وادي سوات حيث ترعرت مع والديها و اخويها.  فهي ولدت عام ١٩٩٧، كان والدها ضياءالدين دبلوماسيا متعلّما وحائزاً على ماجستير في اللغة الانكليزية ، و هو يختلف عن معظم رجال البشتون من حيث الآراء و الافكار و القناعات.  فقد سُرّ لمولد ابنته و اسماها ملالا تيمنا بالبطلة الافغانية ملالاي مايواند التي ينظر اليها البشتون باحترام و اجلال فائقين. كان ضياءالدين رجلا منفتحا مثقفا آمن برسالته و بأهمية التعليم و كان مديرا لعدة مدارس.  تحدى قرار الطالبان و قراراتهم بإغلاق المدارس وواظب على فتحها و ممارسة عمله التعليمي. كان يجلب الاطفال الفقراء و يوفّر لهم اماكن مجانية في مدارسه و هذا ما عرضه للملاحقة و للتهديد بالقتل.

كان ابوها يقول: ” ملالا سوف تكون مثل طائر حر طليق” .وهي رفضت ان تكون صورة عن نساء بلدها المقيدات بالاعراف و العادات و اعتبار واجبهن الوحيد هو البقاء في المنزل و الطهي و خدمة الاشقاء و الاباء.

” يستطيع الطالبان ان يأخذوا اقلامنا و كتبنا، لكنهم لا يستطيعون ان يمنعوا عقولنا من التفكير”. استيقظت بعد ايام من محاولة اغتيالها في مستشفى برمينغهام البريطاني حيث خضعت للعديد من الجراحات لترميم وجهها و اصلاح سمعها و نظرها.  و في يناير ٢٠١٣خرجت من المستشفى و هي تعيش في بريطانيا و تخطط لمواصلة نشاطها باسم ” الفتاة التي قاتلت من اجل التعليم.” و قد حصلت حملاتها على دعم دولي وصل صداها الى قاعات الامم المتحدة في نيويورك.  استقبلتها العديد من وسائل الاعلام و حصل كتابها على  جوائز  عديدة  ( نحو 45 جائزة) على الرغم من حظره في كثير من مدارس باكستان . واختلف بعض النقّاد بشأنه، فبعضُهم رآه رواية وسيرة ذاتية لفتاة كادت تفقد حياتها وهي تدافع عن أفكارها وحرية شعبها وبنات بلدها، والبعض الآخر اعتبره نوعا من الدعاية غير المباشرة للأميركيين في باكستان وافغانستان.

في كل الأحوال، وبعيدا عن الرأيين، الكتاب يستحق القراءة، ولا شك ان ملالا كانت وستبقى أحد رموز الحرية ومواجهة الظلامية في عصرنا.

 “انهم يخافون من قوة القلم”. هكذا قالت ملالا، وما زالت تقول.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button