كيف يُعيق مجلس الأمن ملاحقة نتنياهو

محمد محمود شحادة
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية يوم الخميس بتاريخ ٢١ تشرين الثاني ٢٠٢٤ مذكرات اعتقال بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية بن يمين نتنياهو ووزير الدفاع السابق بوآف غالانت، على إثر الجرائم المرتكبة في غزة منذ ١٣ شهراً و راح ضحيتها ٤٥ الف شهيداً وأكثر من ماية الف جريح والباقون مهددون بالإبادة الجماعية والجوع والتشريد، فاللذاك رأت المحكمة أن السلوك الأخير لنتنياهووغالانت يقع ضمن اختصاص المحكمة.
أمَّا الحديث عن متابعة وتعقب مجرمي الحرب فهو تصور لمجمل السيناريوهات المتوقعة لما يسمى ”الإجراءات التنفيذية لمتابعة مجرمي الحرب” ، ومع ما يترافق ذلك من معضلة عامة لإجراءات المتابعة و للملاحقة الجزائية سواء في داخل الدولة ( محلياً) او خارجها ( دولياً).
المسار القضائي الدولي بعد الحرب العالمية الثانية كان ينطلق نحو العدالة الدولية من اجل تحقيق ضمانات القانون الدولي الإنساني، فكانت الضرورة لإنشاء محكمة جنائية دولية لمعاقبة مجرمي الحرب وأصحاب الجرائم الدولية بعد إبرام اتفاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة والذي اعتمد عام ١٩٩٨ في المؤتمر الدبلوماسي في روما ودخل حيز التنفيذ باكتمال التصديق عليه عام ٢٠٠٠ ومقرها في لاهاي(هولندا)، ولكن تقتصر الاختصاصات على المجرمين ذوي الشخصية الطبيعية (تحاسب الافراد وليس دول ومنظمات) وفق الجرائم التالية: ١- جريمة الإبادة الجماعية ٢-جرائم ضد الإنسانية ٣- حرائم الحرب ٤- جريمة العدوان.
في الواقع ان المحكمة لم تصدر حكمًا بحق نتنياهو وغالانت حتى الآن بل مذكرة توقيف، لأنها لازالت (مذكرة المحكمة) في المرحلة التمهيدية، لكنها أصدرت أوامر بالقبض عليهم بسبب وجود أسباب وجيهة للظن بأنهم ارتكبوا هذه الجرائم، وأنه من الضروري أن يدافعوا عن أنفسهم أمام القضاة، وهنالك حقوق دفاع محفوظة لهم، وبالتالي هم ليس مدانون قضائياً من المحكمة حتى الان.
إن الملاحقة الدولية التي هي أمام مسارين داخلي وخارجي، فهل على الدولة التي ينتمي اليها مجرم الحرب الذي اصبح مداناً دولياً بمذكرة توقيف صدرت عن المحكمة الجنائية الدولية أن تقوم بتوقيفه وتسليمه للمحكمة للمباشرة بالمحاكمة العادلة؟ أم أنَّ خضوع نتنياهو في جريمة الحرب -كجريمة دولية- لمبادئ تطبيق القانون الجنائي الداخلي يعطي حق المحاكمة في داخل الدولة؟
على المستوى الدولي كيف تتم إجراءات متابعة مجرمي ألحرب أمام القضاء الدولي الجنائي وإجراءات سير الدعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة والعوائق المواجهة؟
الأصل في الاختصاص القضائي الجنائي أن ينعقد للقضاء الوطني،
والأصل في القضاء الوطني بالمحاكمة وسلطة العقاب على أية جريمة يكون وفقاً لمبدأ الإقليمية، أي إقليم الدولة وتقع بالمخالفة لقوانينها العقوبية.
ولكن هناك استثناءات على هذا الأصل تغلب فيها اعتبارات أخرى مثل اعتبار المساس بمصالح الدولة في جرائم معينة حتى لو كان خارج حدودها الإقليمية وهذا ما يسمى بمبدأ العينية او الإختصاص العيني.
وهناك استثناء اسمه الإعتبار الشخصي وفيه يغلب إعتبار جنسية مرتكب الجريمة حتى لو ارتكبها خارج إقليم الدولة التي يتمتع بجنسيتها.
وهناك حالات الاختصاص العالمي وهي الجرائم الفادحة التي تأخذ طابع ماس بمجمل المجتمع الدولي مثل جرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وهو الاختصاص العالمي ففيه يتم تغليب اعتبار نوع الجريمة على الرابطة التي تجمع الدولة برعيتها، فيكون الإختصاص بالمحاكم والعقاب عليها لأي دولة.
وفي مبدأ الإقليمية يحق للمحكمة الوطنية بمحاكمة مجرم الحرب الذي ارتكب جريمة حرب وانتهك القانون الدولي الإنساني على أراضيها الإقليمية هنا تختص بمحاكمته محاكم تلك الدولة وتوقع عليه العفاب وفقاً لقوانينها اذا كانت تلك الجريمة الدولية واردة ضمن تشريعاتها العقابية
هناك استثناء على الاختصاص العيني و الشخصي و العالمي
وهي انتهاك للقانون الدولي الإنساني بحسب الأحوال فطبيعة الجريمة الماسة بمصالح المجتمع الدولي والدول جمعاء حتى لو ارتكبت خارج الإقليم تقضي ملاحقة واخذ إجراءات متابعة من أي دولة وفقاً للسوابق القضائية القليلة.
يقصد بمبدأ اقليمية النصّ الجنائي تطبيق التشريع العقابي الوطني على كافة الجرائم المرتكبة ضمن حدود إقليم الدولة بصرف النظر عن جنسية الجاني والمجنى عليه.
عندما قام المجتمع الدولي بإنشاء محاكم جنائية دولية لمتابعة مجرمي الحرب و ادراج معاهدات دولية جديدة تكفل تقنين التجاوزات والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان من طرف القوانين الداخلية للدولة كان ذلك من خلال توسيع الإختصاص ليشمل الجرائم الدولية، وكما هو معروف فان المحاكم الوطنية لا تنص على متابعة مجرمي الحرب فهذا متروك للمحاكم الجنائية الدولية وللمحاكم المدولة .
في الفترة بين ١٩١٩ و ١٩٩٨ تم انشاء خمسة لجان تحقيق دولية خاصة (اللجنة الخاصة بتحديد مسؤوليات مبتدئي الحرب وتنفيذ العقوبات لعام ١٩٩١ – لجنة الأمم المتحدة لجرائم الحرب لعام ١٩٤٣ – لجنة الشرق الأقصى لعام ١٩٤٦ – لجنة الخبراء المعينة في يوغسلافيا السابقة لعام ١٩٩٢ – لجنة الخبراء لروندا لعام ١٩٩٤ لجنة تحقيق خاصة بالسودان إقليم دارفور ولجنة تحقيق خاصة بتقصي الحقائق في ليبيا) .
واربع محاكم جنائية دولية خاصة وثلاث محاكم وطنية مفوضة دولياً.
اليوم لقد تحرك مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية تلقائياً بدعوة ضد رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بن يمين نتنياهو و وزير الدفاع يواف غالانتس بتهمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة منذ ٧ اوكتوبر ٢٠٢٣ إضافة الى جرائم الحرب الممارسة في القطاع، وذلك لأن المدعي العام رأى أن هناك سبباً فورياً لبدءالتحقيق بعد موافقة الدائرة التمهيدية التي فوضته بالتحقيق، وهذا يعتبر تقدماً احرزه النظام الأساسي للمحكمة أي منح المدعي العام سلطة تحريك الدعوة دون انتظار دعوة احد اطراف المحكمة أو الإحالة من قبل مجلس الأمن.
وفيما يخص تعاون دول الأطراف مع المحكمة الجنائية الدولية فانه بموجب المادة ٨٦ من النظام الأساسي يقع على عاتق الدول الأطراف التزام عام بالتعاون مع قرارات المحكمة بشكل يتلائم وتشريعاتها الوطنية ويتم التعاون من خلال القنوات الدبلوماسية او قنوات اخوى تكون محددة بالاتفاق وكذلك يتم التعزون مع المنظمة الدولية للشرطة الجنائية(الانتربول)
ويمكن دعوة أي دولة غير طرف للتعاون اذا كان تعاونها ضرورياً.
ان التزام الدول بالتعاون مع المحكمة يكون على أساس التزامها بأحكام ميثاق الأمم المتحدة المتمثلة في الفصل السابع وبذلك تستمد قرارات المحكمة قوتها من مجلس الأمن الدولي، ولكن تبقى إشكالية اللجوء الى مجلس الأمن قائمة فيما يخص مصالح الدول الكبرى وخير دليل قضية دارفور.
من المفترض ان أي تصرف لمجلس الأمن الدولي يكون وفقاً لأحكام الباب السابع من الميثاق الذي يقضي التحقق من وجود تهديد للسلم والأمن الدوليين او وجود عدوان مسبق وهو الأمر الذي لا يتحقق عند ارتكاب الجرائم التي تختص بها المحكمة بالنزاعات المسلحة غير الدولية ، فعندما اعتبر مجلس الامن ان النزاعات في رواندا وانغولا والصومال وأفغانستان وان كانت داخلية الا انها تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين وذلك من خلال تحرك اللاجئين وتهديد الوحدات الإقليمية للدول.
إلًا أن نظام روما خلق علاقة بين المحكمة و ومجلس الأمن وهده العلاقة ذات طبيعة قانونية ومنحت مجلس الأمن سلطة إحاله وسلطة إرجاء مما يؤثر على عمل المحكمة.
يعد مجلس الأمن جهازا سياسيا مرجعيته ميثاق الأمم المتحدة مكلفاً بأداء مهمة كبيرة وصعبة هي الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، يتصرف نيابة عن المجتمع الدولي ويملك في ذات الوقت اتخاذ أي تدبير يراه ملائما لتحقيق ذلك الهدف، كما كان إنشاء المحكمة الجنائية الدولية حدثا قانونيا دوليا رائدا في تاريخ البشرية، فهي تعد جهازا قضائيا مستقلا بمرجعيتها المتمثلة في نظام روما، وقد حدد هذا الأخير علاقة المحكمة الدولية بمجلس الأمن من خلال منحه حق تحريك الدعوى بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وفقا للمادة 13 من النظام الأساسي، كما أعطى لمجلس الأمن إرجاء التحقيق أو المقاضاة لمدة سنة كاملة قابلة للتجديد بناء على طلبه بموجب نفس الفصل وفقا للمادة 16 من النظام الأساسي، وهذا ما يعد مساسا لعمل المحكمة وخرقا لاستقلاليتها.
لذلك يعتبر البعض ان الربط لتنفيذ الأحكام بمجلس الأمن هو أمر غير مقبول لأنه يعتبر بشكل ما تدخلاً في عمل القضاء الدولي في حال عطل الحكم من قبل احدى الخمس دول الكبرى الدائمة العضوية بمجلس الأمن ولم تصدر قراراً بالتحرك الدولي لاعتقال مجرم الحرب حماية لمصالحها و الأصعب من ذلك اذا ما اعتبر مجلس الامن ان التحرك تجاه احد المجرمين الدوليين هو بحد ذاته يشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين فهنا يصبح الجاني اكثر حماية وحصانة وهذا ما وعِدَ به نتنياهو عشية اعلان وقف اطلاق النار في لبنان.
ونشير في النهاية الى أن المحكمة أصدرت مذكرة توقيف كذلك بحق القائد العسكري في حركة حماس محمد دياب إبراهيم المصري المعروف ب(محمد الضيف) إضافة الى نتنياهو وغالانت.