افتتاحية

الوهم العربي الكبير في فلسطين

سامي كليب

في السابع عشر من الشهر الماضي تبّنى البرلمان الإسرائيلي الكنيست بأغلبية 68 صوتًا من أصل عشرين عضوًا، مشروع قرار يرفض رفضًا قاطعا إقامة أي دولة فلسطينية في غرب نهر الأردن ، معتبرا  أن مثل هذه الدولة ستشكل “خطرا وجوديا على دولة إسرائيل ومواطنيها .

وكان لافتًا أن شخصيات بارزة من المعارضة الإسرائيلية، وفي مقدمها العضو السابق في مجلس الحرب بيني غانتس، أيدوا القرار.

بالمقابل كانت خمس دول جديدة هي النرويج وأيرلندا وإسبانيا وسلوفينيا وأرمينيا، قد اعترفت قبيل قرار الكنيست بالدولة الفلسطينية التي أُعلنت في الجزائر، عام 1988، وهناك دول سبقت وأخرى ستلحق بها.

 وفي الثاني عشر من أيار/ مايو الماضي صوتت   143 دولة، أي ما يفوق أغلبية ثلثي أعضاء الجمعية العامة من الحاضرين والمُصوتين في الجلسة، على قرار يدعم طلب فلسطين الحصول على عضوية كامل في الأمم المتحدة، لكن الولايات المتحدة تصدّرت قائمة ضعيفة عارضت ذلك وتضم 9 دول ليس معروفًا بينها على صعيد دولي سوى الأرجنتين، والجمهورية التشيكية، وهنغاريا، وإسرائيل. وامتنعت 25 دولة عن التصويت.

وفي 23 حزيران يونيو جاءت المفاجأة من الصين، حيث أعلن وزير خارجيتها  وانغ يي،  توقيعَ اتفاق بين 14 فصيلا فلسطينيا لتشكيل حكومة مصالحة وطنية موقتة لإدارة غزة بعد الحرب.  

كان قد سبق ذلك إتهام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبيل اجتماع وزراء خارجية منظمة شنغهاي في  كازاخستان ، الولايات المتحدة وإسرائيل بخلق كافة أنواع العراقيل للحيلولة دون قيام دولة فلسطينية على حد تعبيره ..

هكذا يتحوّل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مرّة ثانية الى ساحة لحروب إقليمية ودوليّة أوسع، ويُصبح السؤال عمّا إذا كان ما حصل في غزّة قد وقع بالصُدفة فعلاً وأنه ردُّ فعلٍ على ما قامت به حركة حماس والفصائل في 7 أكتوبر، أم أن الذي جرى هو أكبر من ذلك، ويسمح باستكمال مشروع إسرائيل الكُبرى بلا دولة فلسطينية، ويحوّل المنطق الى ساحة لحروب الكبار  بالوكالة في الشرق الأوسط

اللافت أنه في مثل هذه الأيام بالضبط من العام 2018 كان الكنيست الإسرائيلي نفسه قد أقرّ قانونا مثيرا للجدل يجعل من إسرائيل   دولة قومية  يهودية بشكل رئيسي، ويجعل من العبرية اللغة الأساسية للدولة، وهو ما اعتبره نتنياهو لحظة حاسمة في تاريخ إسرائيل.

قد يكون من السذاجة والوهم إذًا، تخيّل أن هذه الحرب الضروس التي بدأت في 7 أكتوبر، ستنتهي بالتفاوض وتبويس اللحى والعودة الى البحث بإقامة دولة فلسطينية، ومن السذاجة والوهم أيضًا توقّع انتهاء هذه الحرب بقبول إسرائيل بقاءَ حزب الله على هذه الترسانة الكبيرة من السلاح عند حدود فلسطين، وبقاء إيران متربّعة على عرش حلفائها المشاركين في هذه الحرب من العراق واليمن الى لبنان وسورية ففلسطين.

نحن أمام مرحلة هي الأخطر في تاريخ هذا الصراع، حيث تختلط فيها القدرات العسكرية مع العقائد الدينية والإيديولوجيات والمصالح، وكل طرف يعتبر ان الفرصة مؤاتية لاضعاف الطرف الآخر كي يقبل بشروطه التفاوضية، او حتى القضاء على الطرف الآخر.  

لا شيء سيمنع توسّع الحرب الحالية، لا بل لا شيء سيمنع تمدد الحرب، سوى أمرين لا ثالث لهما: اتفاقٌ عالمي خصوصًا بين أميركا وروسيا وأوروبا والصين يقضي بالتأسيس لإسرائيل جديدة وفلسطين جديدة، بحيث يتم ابعاد المتطرفين الدينيين عن سدة الحكم في إسرائيل، ويُصار الى تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية مقبولة عربيًّا ودوليًّا، وتنخرط إيران وسوريا في مفاوضات إقليمية ودولية لصفقة شاملة في الشرق الأوسط… أو انتصارٌ ساحق لطرف على الآخر وهذا يبدو مستحيلاً.

ومن يدري فقد تُنتج الانتخابات الأميركية مفاجآت كُبرى وربما توتّرات أمنية في الداخل الأميركي، وخصوصًا أيضًا أن علاقات اميركا مع روسيا كوراثية بسبب أوكرانيا، ومع الصين حذرة جدًا لانَّها تبقى العدو الأبرز والمنافس الأول لها.

خلاصة القول : قد تهدأ الأمور قليلا وتشتعل كثيرًا لكنْ واهمٌ من يعتقد أنّ أفكار التفاوض والسلام قريبة مع الأسف، فالمرحلة الحالية هي للغة الحرب حتّى ولو أن كثيرين لا يرغبون بها. فبين غزة وأوكرانيا الخيط رفيع، وبين البحر والنهر قد تسيل دماء كثيرة.  

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button