قبضاي وزير نساء في تراث الرحابنة
هناء الصالح.
تعددت الشخصيات في الموروث الرحباني. و من ضمنها شخصية ” القبضاي”. وكان لتلك الشخصية وجوٌه و وظائف مختلفة. و اختلافها يعود للدور أو المهمة التي اوكلت اليها ضمن سياق المشاهد التمثيلية الغنائية.
القبضاي في الموروث الشعبي اللبناني عامة، والبيروتي على وجه الخصوص، هو ذاك الشخص المُفعم بالرجولة. صاحب سطوة وهيبة والمسؤول عن حماية الضعفاء و الذود عنهم. و قد عُرفت هذه الشخصية كثيرًا في القرن الماضي و كان لها صولاتٌ و جولات على الصعد الامنية و السياسية والاجتماعية.
في هذا البحث سوف نتطرق “للقبضاي ” الذي اظهر لنا وجها آخر، ارتبط بالحب وعشق النساء. فالحب ” كمان بيتنزه عالمراجل”. و لا يتألق القبضاي الا بوجود مكملات هذه الشخصية : اركيلة و”تنباك عجمي” والفرد “المسدس” وعصا الخيزران في يده و الطربوش على رأسه و لابد من يكون محاطا بالزلم أي الرجال.
“نحنا المراجل علامك , نحنا اللي منقاتل امامك
نحنا اللي مالت صوبنا ام الخلاخل, نشامة
……………………………………..
و الحب يرهج رهج و رصاص فردك وهج
يا قلب هاجر و هج بين الجدايل”.
تكمن هنا عبقرية عاصي و منصور الرحباني و حرفية المغني محمد السراج في جوانب عديدة. فلدى سماعنا الأغنية ’ نلاحظ بأن الكلام و الاداء في وادٍ وجوهرالكلام في وادٍ آخر. و اجتماع هذه العناصر ادى الى ولادة اغنية في الشكل قد تُشعل حربًا بينما في المضمون اعلان اعجاب و وتعبيرٌ عن الحبّ .
تعددت مشاهد المراجل و القبضايات فغنى ” محمد مرعي” اغنيته الشهيرة:
” تسرح و تمرح و اللحظ يجرح
و الشَعر يجدل مراجل و عيون تدبح”.
و القبضاي الثالث في الموروث الرحباني هو الممثل و المغني الظريف الراحل ابن مدينة طرابلس عصام كشتان الملقب ب “أبو الشباب”. فكان له ظهورمميز في مسرحية “لولو” حيث أدى أغنية فيها الحب و الحرب:
” سيف المراجل طايل يكتب قصيدة جديدة
خصر الصبية الحلوة مايل
و تضوي نجمة بعيدة”.
لم ينته به الامر عند هذا الحد فغنى في احد المشاهد التمثيلية في مسلسل ” من يوم ليوم” و هو بكامل عنفوان الرجل القبضاي الذي يذوب في عشقٍِ ما زا ده الا رجولة و تحدٍ:
” لاهديها الاساور واهديها الحراير
قولوا لابوها ييسرها
و ان كبرها … منكبرها”.
الرحابنة وصورة القبضاء
أعتاد عاصي و منصور الرحباني مشاهدة القبضايات. و ذلك اثناء مساعدتهم والدهم في خدمة زبائن القهوة التي يديرها في بلدته انطلياس. فألفا سماع قصصهم و اخبارهم و مغامرتهم على اختلافها. فوجود المرأة في اغاني القبضايات ليس الا انعكاس لما كانا يسمعانه في سردياتهما في حقبة, كانت للقوة الجسدية و زنها و تأثيرها في المزاج الشعبي و كان يصاحبها المال و رجاحة العقل.
و حضورالمرأة عند هذه الشخصية له حيثياته. فتترافق السطوة والقوة مع رقة المشاعر فيزداد القبضاي توهُّجًا من غير تزلّف او انكسار. و هو منها يستمد قوَّته و لا يزيده وجودها الا كبرا.
وبعيدا عن شخصية القبضاي, كان لزير النساء ايضا حضوره في بعض المشاهد التمثيلية الغنائية و كذلك المسرحية. و للمفارقة انَّ من قام بتجسيد هذه الشخصية هو حصرا الرائع والكبير غناء و تمثيلا الراحل “نصري شمس الدين”. و منعا للاطالة سو ف نكتفي بعرض دوره في مسرحية ” صح النوم”.
هو زيدون المستشار. يُدير امور الولاية التي يرأسها الوالي الذي يعتكف و ينام في قصر النوم طيلة الشهر و حين يخرج يختم معاملات الناس وعددها فقط ثلاث. تسرق فيروز”قرنفل” الختم و تخَتِم معاملات الناس. و للتمويه عن جريمتها امام زيدون المستشار قالت له:
” – قرنفل: يا مولانا بسمعهون عم يقولوا عنك..
– زيدون المستشار: مين؟
– قرنفل: الرجال.
– زيدون المستشار: مش وقتا
– قرنفل: و النسوان
– زيدون المستشار: ايه؟ شوعم بيقولوا؟
– قرنفل: عم بيقولوا هالمستشار نمس و ضريب دبس. قبضاي , هالقامة و هالشوارب, الله خلقو و كسر القالب.
– زيدون المستشار: في بنت شقرا شعرا مجدل, بيتا باخر الطلعة, شوفيلي ان كنّو بتقول شي. “
من المعروف ان نصري شمس الدين قد فاجأ ام اولاده بزواجه من امرأة ثانية. فهل شخصية زير النساء مستوحاة منه فعلياَ؟
يبقى لنا ان ندين لعاصي و منصور كل هذا الجمال و هذا الابداع. هما عند محبيهما حيّين يُرزقان و سنجد دائما من يدرس فنهما و فكرهما.