شبحُ حرب أوكرانيا ينتقل الى تايوان
شبحُ حرب أوكرانيا ينتقل الى تايوان
أيمن المرادي-بكين
نفّذت الصين أمس مناورات بالذخيرة الحيّة تحت اسم” السيف المُشترك” شاركت فيها حاملة الطائرات “شاندونغ”، قرب جزيرة تايوان التي تطالب الصين بالسيادة الكاملة عليها، وذلك فيما أبحرت مدمّرة أميركيّة جديدة الى بحر الصين الجنوبي، لترتفع حرارة الوضع هُناك مُنذرة بانتقال شرارة الحرب في أوكرانيا الى تلك المنطقة البالغة الحساسيّة، بالرغم من عدم مصلحة الطرفين الأميركيّ والصينيّ حاليًّا باندلاع حرب، نظرًا لخطورة ذلك، وللمصالح الاقتصاديّة المُشتركة والكبيرة بينهما.
لم تُخف الصين أهداف المناورات، فاعتبرتها جزءا من محاكاة عملية عسكرية واسعة على وفي محيط تايوان المُحاصرة من قبل الجيش الصينيّ. وتندرج هذه المناورات في سياق استكمال بكين طوقها للجزيرة التي كثّفت الولايات المتحدة الاميركية وحلف الأطلسي التصريحات الداعمة لها، وذلك فيما القوّات الصينية البحرية والجوّية تزداد حضورًا.
وقال التلفزيون الحكومي الصيني إنّ الجيش الصيني أجرى الأحد محاكاة “لضربات دقيقة” ضد “أهداف رئيسية في جزيرة تايوان والمياه المحيطة” بمشاركة عشرات الطائرات وقوات برية، مشيراً إلى أنّ هذا الانتشار “سيُواصل الإبقاء على تطويق وثيق للجزيرة”.
كما أرسل سلاح الجو عشرات الطائرات “للتحليق فوق المجال الجوي المستهدف”، ونفّذ على الأرض مناورات “لإطلاق النار بدقة على أهداف عدة” وفق تعبيره.
وفيما دعت واشنطن الى ضبط النفس وعدم تغيير الوضع القائم واشارت الى أنّها تُراقب الوضع عن كثب، فإن تايوان التي شجبت بشدة المناورات، كشفت أنّها رصدت صباح اليوم الاثنين 59 طائرة عسكرية صينية عند حدودها وأنّ 39 طائرة بينها عبرت الخط الأوسط الذي يمتد على طول منتصف المضيق الفاصل بين تايوان والصين ودخلت مناطق الدفاع الجوي التايواني.
وقالت رئيسة تايوان التي زارت واشنطن قبل أيامٍ قليلة والتقت رئيس مجلس النواب الاميركي كيفين مكارثي مثيرة حفيظة الصين، إن هذا التوسّع الصيني ” يحمل كل وجوه الاستبداد، وان تايوان تواصل العمل مع الولايات المتحدة والدول الأخرى، لدعم قيم الحرية والديمقراطية”. وبدأت المناورات الصينية بعد اجتماع الأربعاء الماضي في كاليفورنيا بين الرئيسة التايوانية ورئيس مجلس النواب الأميركي كيفين مكارثي.
ما يزيد الأمر تعقيدًا هو
أن البحريّة الأميركيّة أعلنت ارسالَ المدمّرة المحمّلة بصواريخ دقيقة إلى بحر الصين الجنوبي مُبرّرة ذلك بالقول إنّ “عملية حريّة الملاحة هذه تدعم الحقوق والحريات والاستخدامات المشروعة للبحر”. وهو ما سارعت بكين للتنديد به، حيث قال الناطق باسم القيادة الجنوبية في الجيش الصينيّ إنّ هذه المدمّرة :” توغلت على نحو غير قانوني في المياه المحاذية لشعاب ميجي في جزر نانشا الصينية دون الحصول على موافقة الحكومة الصينية وإنَّ سلاح الطيران الصينيّ يتابع المدمّرة ويراقبها “.
هذه ليست المرّة الأولى التي تتبادل فيها واشنطن وبكين الاتهامات حول التحرّكات العسكرية في بحر الصين، ذلك أن خلافًا مُماثلاً وقع في خلال الشهر الماضي بشأن مدمّرة أميركية دخلت بحر الصين قرب جزر باراسيل، وهي منطقة بحريّة بالغة الأهمية والحساسية ذلك أن الحركة التجاريّة فيها تدرّ آلاف مليارات الدولارات سنويًّا. ودائمًا ما تُشدّد بكين على احقيّتها في مساحات شاسعة من تلك المنطقة
ما عاد خافيًّا على أحد أن الولايات المتحدة الأميركية والحلف الاطلسي، باتوا يعتبرون الصين العدو الأول لهم في العالم، حتى قبل روسيا، وذلك ليس بسبب منطقة بحر الصين فحسب، ولا بسبب قضية تايوان التي تسعى الصين الى استعادتها منذ نهاية الحرب الصينيّة في العام 1949 ، وإنّما لان بكين التي باتت تتفوق على الكثير من الاقتصادات العالمية وتتجه لاحتلال المركز الأوّل في التكنولوجيا والاتصالات ومعظم الصناعات العالميّة، بدأت تعتمد سياساتٍ أكثر اندفاعًا على ساحاتٍ عالميّة كانت حتّى الامس القريب تُعتبر فناءً خلفيًّا للأطلسي. فهي وبعد أن شهرت مرارًا الفيتو ضدّ التدخل الغربي في سوريا، ووقفت الى جانب الرئيس فلاديمير بوتين في حربه الأوكرانيّة رغم أنها تدعو هُناك الى حلّ النزاع بالطرق السياسيّة وتسعى للوساطة، ها هيّ تُحقّق مؤخرًا انجازًا كبيرًا أقلق واشنطن، وتمثّل بجمع السعودية وإيران على أرضها ورعاية اتفاقهمها.
هل بدأت نُذُر حرب أوكرانيا تستعر في بحر الصين؟ رُبما من السابق لأوانه توقّع حرب واسعة، ذلك أنّ لا مصلحة لواشنطن ولا لبكين في ذلك، الاّ أنّ الولايات المتحدة الاميركية تُريد ازعاج الصين في محيطها، وهذا ما يجعل أيّ خطأ في التقديرات قابلاً للانزلاق نحو اشتباكاتٍ مُباشرة، قد لا تصل الى الحرب، لكنّها حتمًا ترفع حرارة بحر الصين عاليًّا.