ثقافة ومنوعات

صراع الليل والنهار في قصّة حب شمشون ودليلة

صراع الليل والنهار في قصّة حب شمشون ودليلة

 مقاربة بين الميثولوجيا والتاريخ  .

ريم حبيب

إنَّ  أسطورة شمشون ودليلة واحدة من الأساطير التي خلبت لبَّ كلَّ من قرأها وسمعها ، فهل هما عاشقان تحابّا أم كوكبان تصارعا ؟ وما الصلة بين حبّهما المستعر والصراع بين التقويمين الشمسي والقمري ؟ وهل كان شمشون   اسماً  لبطل أسطوري أم هو رمز ديني  للمخلّص الذي سيطهر بنيرانه على سائر الجماعات الوثنية ؟

يقال  للزمن ثلاثة أبعاد في هذا العالم ، ماض ،حاضر ، ومستقبل  ، وينقسم إلى ثلاثة عوالم ، فيما الأسطورة تحتوي على عدد لا نهائي من العوالم ومن هنا ينبع سلطانها وسطوتها على الإنسان وكأنّها أساس الأشياء ، فهي التي تعيد ربط حاضره بماضيه وتجعله أكثر انسجاماً مع نفسه  ومع الكون والوجود ، لذا لا بد من تحرير أساطيرنا وحكايتنا في ظل التفتت والتبعثر والتزوير والعبث الذي ينال منها ومنا ،وإعادتها في حلّة تعيد ربطها بأصولها  ، وهذا يحتاج إلى باحثين في الأنثروبولوجيا والسيكولوجيا والميثولوجيا وعلم الأديان ومختلف العلوم الإنسانية قادرين على استعادة التسلسل والترابط والبداية والذروة والنهاية .

إنَّ للأسطورة  أثرًا فعّالًا في توصيل الأفكار المجردة وفي بناء الذهنية المجتمعية ، وتكوين المفاهيم ضمن عالم مفهوم ومرتب ، وفي هذا السياق يمكننا أن ندرج الكثير من الأمثلة التي اهتمت بتحليل السرديات من الذهنية الزائفة  ويمكن أن نذكر تجرية المفكر العربي فاضل الربيعي وهو من الحريصين على تفكيك البنية التأريخية التقليدية ، بنية الأحداث والشخصية ووحدة الزمن المنطقي التي تمكن القارئ من أن يجاوز قراءة الأسطورة بما يعيد إنتاج دلالتها .

ففي كتابه  (الألغاز الكبرى في اليهودية  ) يبدد لنا قصة الحب التي احتلت في وعينا العربي  مكانتها  و يضعنا أمام عقيدة سبئية الجذور ، ويخبرنا بأنَّ دليلة هي الليل وشمشون هو النهار  وما بينهما هو صراع بين التقويمين الشمسي والقمري .

يقول النص: جاء في العهد القديم في سفر القضاة ـ ص 408″ أن  شمشون  كان جبَّاراً عاتياً يمكنه أن يواجه قبيلة بمفرده؛ فيقتل ألف شخص بفك حمار؛ فلما أراد الفلسطينيون الإمساك به عجزوا عن ذلك لقوته الخارقة؛ فأرسلوا له  دليلة  فوقع في غرامها وباح لها بسر قوته قائلاً: “إنَّ قوتي في جدائل شعري السبعة فإذا حُلقتْ ذهبت قوتي”.

فقَصَّت دليلة له شعره وقُبض عليه .

يوضح لنا الدكتور فاضل الربيعي الصراع بين التقويمين الشمسي والقمري ، ومن المؤكد أن الفارق الزمني الفاصل بين التاريخ السبئي – الحميري، والميلادي يدلل على هذا الصراع ، فالسبئيون ثم الحِميرون ظلّوا متأخرين عن التقويم الميلادي بنحو 109 أو 115 عاماً كما جسّدته أسطورة شمشون ودليلة .

إن اسم دليلة صيغة فونيطيقية مألوفة في لهجات اليمن ولغاتها القديمة من الاسم (ذي ليلى) وهو من الأسماء الخمسة (ذا، ذو، ذي. الخ)التي وظّفت في وقت ما من تطور اللغة السبئية – الحميرية كأدوات تعريف منقرضة وتعني : الليلة والاسم نجده حتى اليوم بصيغته هذه في جغرافيا اليمن : جبل أم ليلى فيما يدل اسم شمشون إلى الشمس .

إن لحظة الغرام التاريخي التي عاشتها القبائل بعبادة الشمس والقمر في وقت واحد، تُجسّد محنتها الحقيقية في اختيار التقويم، ونحن نعلم أن الفارق بين التقويمين أحدث فوضى في تحديد، الأشهر التي تقع فيها مناسبات دينية هامّة مثل الحج والصوم والخ

إن تحوّل الشمس إلى آلهة أم في المعتقدات السبئية الحميرية، ثم زواجها بالإله المركزي للسبئيين ،الإله المقه (مكا) يمثّل الحقبة الانتقالية في هذا الصراع حول التقويم .إذ أنَّ الصراع الذي تفجَّر بين شمشون ودليلة بعد الحب و من منظور رمزي،  يعني أنَّ المصالحة الدينيّة بين عبادة الإله شمس والإله القمر انتهت ، ثم انهارت كلياً بعد أن اتَّخذ مسارُ الأحداث طابعاً خاصاً ،فقد سعت دليلة (الظلام) إلى الاستحواذ على سر قوة الشمس ( النور ). و بكلام آخر حاول أنصار القمر فرض التقويم القمري من خلال قهر (شمشون /الشمس )، وسرقة قوته الخفيّة أي قص جدائله الذهبية، وهذا الجانب من الأسطورة له صلة عضوية بالتاريخ اليمني القديم .

اصطدم التحالف السبئي الحميري الذي كان يتعبد للشمس بمملكة معين مصرن (الكنعانيون – المعينيون في مملكة الجوف) الذين كانوا يعبدون الإله القمر (ود) وفي القرآن ثمة ما يؤكد أن مملكة سبأ كانت تتعبد للشمس ( قال إني رأيت قوماً يسجدون للشمس ).

علينا أن نجهد في سبيل تحرير عقلنا من ذهنية النقل، قبل أن يتحوَّل إرثُنا المعرفي إلى تكثيف سردي، وجمع تخييلي بين المحكي العجائبي والأسطوري والأحلام. وفي هذا السياق، فإن حفاظنا على هويتنا يصبح صراعاً ضد كلّ القراءات الخاطئة التي حوَّلت أهدافنا في هويتنا الثقافية إلى مرويات تروى وفق خطاطات متحولة وبدل أن توضح  ذاتنا الشعورية والوجدانية،  وتشد الفرد فينا إلى جماعته وثقافته، تغدو  مثل هاوية ، هائجة كالبحر ،ومظلمة وموحشة وجرداء كصحراء  .

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button