ثقافة ومنوعاتشباب 20

كيف جعل الرجالُ المرأة جاريةً أو ملكةً عبر التاريخ؟

هادي صبرا

يتزايد الحديث عن حقوق المرأة يوماً بعد يوم و إمكانية خلق المساواة في الفرص الاجتماعية و الاقتصادية التي تمكنها من لعب دورها كفرد فاعل و قادر على الإنتاج داخل المجتمع، إلا أنّها ما تزال ترزح تحت وطأة الضغوط العائلية و العادات و التقاليد التي تحصر دورها داخل الأسرة الضيّقة و الاهتمام بتدبير شؤون المنزل و تربية الأطفال و تقديم فروض الطاعة للزوج. فكيف تغيّر دورها عبر التاريخ البشري والذكوري في معظمه بين جارية وملكة؟ 

بطبيعة الحال لم يكن موضوع دور المرأة و مكانتها داخل المجتمع وليد الفترات الحديثة، بل أنّه نشأ مع تأسيس أول حضارة بشرية على الأرض و مع أولى الأساطير التي نُسجت في تلك الحضارة، فتارة تُرفع إلى قمة الهرم المجتمعي و تارة تنحدر إلى أسفله بل و كانت تُهمش في أكثر الأحيان. منذ بداية ذلك التاريخ البدائي يعمد فرديريك إنجلز في كتابه “أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدّولة” لتقسيمه إلى مرحلتين هما: التّوحش و البرابرة، بعد ذلك يدخل الإنسان مرحلة التّحضر ، بعدها تبدأ  هيمنة الرجل على العائلة و ارتباط الأبناء بأب واحد، و لإعطاء الميراث إلى هؤلاء الأبناء كان على المرأة حجر نفسها لضمان نسبهم و بالتالي ثقة الرجل في سلالته العائلية.

في نهاية العصر الباليوليتي الأعلى بدأ الإنسان بتصوّر آلهته على شكل أنثى و ذلك لما تحمله من أسرار الحياة و العطاء و مسؤولياتها عن الحمل و الولادة و الرضاعة، و هذا كان الفهم البدائي لدى الإنسان القديم لتلك المعجزات التي تحملها المرأة. هذه القراءة لهذا الجزء من الفكر البشري يرفع بالمرأة إلى مستويات أعلى في الوعي البشري الجماعي. و تُظهر الدّراسات الأنثروبولوجية و الحفريات الأركيولوجية عدد من تماثيل الإلهة الأم بارزة المفاتن للدلالة على الخصوبة و وهب الحياة، إلّا أنّ هذا المفهوم اندثر مع بداية الانقلاب الذكوري الذي حصل مع بدء عصور اكتشاف المعادن حوالي 5000 سنة ق.م. تقريباً، بحيث انتزع الرجل هذه المكانة من المرأة و كُتبت العديد من الديانات و الأساطير فيما بعد بتعابير و مفاهيم ذكورية.

تجدر الإشارة إلى أنّ المرأة في مرحلة النظام الأمومي تمتعت بحريّة واسعة قبل أن تُهمش مع الانتقال إلى مرحلة النظام الأبوي، فقد مارست الزراعة و تربية الأطفال و الحيوانات، و بهذا اكتسب تلك الحريّة من خلال الوظيفة الإنتاجية التي قامت بها. و يوجد هذا المفهوم في بعض الأرياف المعاصرة و ذلك بقدرة المرأة على المشاركة في عملية الإنتاج.

مع بداية الألفية الرابعة ق.م. و مع ظهور الحضارة السومريّة حول نهري دجلة و الفرات نرى من خلال أسطورة نشأة الكون أنّ الكون متجسّد في الإلهة “نمو” و بهذا فالحياة تكون قد اكتُسِبت بصورتها الأنثوية و الذكورية في شخص “آن” و “كي” و هذا ما يعكس مساواتها مع الجنس الآخر. و هنا من المفيد الحديث على أنّ بعض اللغات القديمة تُظهر عدم وجود تمييز بين الرّجال و النساء من خلال استعمال الضمائر المشتركة. فمثلاً في اللغة الفنلندية تستخدم كلمة “han” للجنسين و يُستدل على جنس الشخص المقصود من سياق الجملة.

عند البابليين آلهة الأمومة هي الأرض و التربة الخصبة، و كذلك عند الكنعانيين أصبحت الأرض هي الأم و مركز الحياة الروحية و التّعبّدية، مع انهيار الحكم العسكري للآشوريين استعادت المرأة أهميتها التاريخية و دورها الاجتماعي بعدما كانت خاضعة لسلطة الرجل و إبقائها في المنزل. في فترة أخرى جاء سادس ملوك بابل “حمورابي و مع سنّه لشرائعه أعطى للمرأة حقوقاً عديدة كالشهادة و الإرث… إلّا أنّها لم تحصل عليها إلى يومنا هذا.

إلى حضارة أخرى لا تقل أهمية عن الحضارة الرافدية، تُظهر الحضارة المصرية القديمة على أنّ المرأة حصلت على تكريم و احترام كبير و تمتعت بحقها في الملكية و الإرث، و فضلاً عن هذا كله كان الزوج يتنازل عن أملاكه لها عند الزواج منها، و ما يؤكد على ذلك هو زيارة المؤرخ اليوناني هيرودوت إلى مصر في القرن الخامس ق.م. و ما رآه من تحرّر للمرأة المصرية القديمة و طُرق تعاملها مع الناس، و هذا ما ذكرته أيضاً النقوش الفرعونية في الألف الثالث ق.م. بعد ذلك عاد و ساد النظام الأبوي من جديد مع احتلال الهكسوس لمصر فعملوا على الحد من الحريّات التي تمتعت بها المرأة سابقاً و انحسر دورها الاجتماعي من جديد.

تتجلى لنا إحدى صور مكانة المرأة في المجتمعات القديمة من خلال الأساطير التي تربط شخصية المرأة بالإلهة، إلّا أنّ مرتبة الإلهة كانت تختلف عن مرتبة المرأة العادية في تلك المجتمعات، و ذلك يظهر بوضوح في الحضارة الإغريقية بحيث كانت الآلهة الأنثوية أعلى شأناً و أكثر احتراماً من المرأة الإغريقية في عهود سقراط و أفلاطون و أرسطو و كانت تشكل جزءاً من ملكية الرّجل، و مُنع عليها الخروج إلّا مع أحد العبيد و الجواري، و في تلك الفترة كان يحق للرّجل إقامة علاقات خارج الزواج مع الجواري، و يتضح ذلك من خلال إحدى اللوحات الإغريقية التي تصوّر تصارع أخيل و أغاممنون للحصول على جارية حسناء، أمّا المرأة فعليها الإلتزام برجل واحد كما عمِد معظم الرّجال إلى وضع كلاب حراسة على زوجاتهم و بناتهم.

و أيضاً عند الإغريق لا بدّ من الإشارة إلى التفاوت الذي حصل في معاملة المرأة بين مدينة و أخرى، فمثلاً في أثينا و أيونيا لم يكن يحق لها مغادرة البيت و مجالسة الرجال و مُنعت من القراءة و الثقافة و الإرث باعتبارها مُلكاً خاصاً للرجل. أما في إسبارطة التي كانت تتمتع بنظام عسكري قوي، كانت تختلف الأمور فتمتعت المرأة بجانب مهم من الحرية، و ترافق ذلك مع انتشار البغي و الجواري، و حصل هذا أيضاً في الفترة الإسلامية الأولى مع خروج النساء بدون حجاب عندما سيطرت الجواري على عقول الرّجال و طالبت المرأة بحقها في التعلّم، كما طلبت من الشعراء التغزل بمفاتنها من أجل لفت نظر الرجال و إقدامهم على الزواج.

نأتي هنا على ذِكر الحضارة النبطية التي اشتهرت بالفنون و العمارة و إقامة المسارح و الواجهات الصخرية، و فيها تستعيد المرأة الدور و المكانة الاجتماعية، فتوضح لنا إحدى النقود التي تظهر الملكة شقيلة إلى جانب زوجها الملك الحارث الرّابع على قدم المساواة، و في هذا الوقت بالذات كان دور المرأة يتراجع عند الإغريق بسبب سيطرة الرومان على العالم القديم.

في الحضارة الرومانية حصلت المرأة على جزء من حقوقها و حرياتها و مع ذلك لم تتحرّر من سلطة الأب داخل الأسرة، و الزوج بعد الزواج.

مع إعلان الإمبراطور قسطنطين اعتناقه المسيحية، تظهر المسيحية إلى العلن في القرن الرابع الميلادي و تصبح الدين الرسمي للدولة، فتستعيد الأم في الثقافة المسيحية مجدها السابق بحيث أصبحت والدة الإله الذي تجسّد على شكل السّيّد المسيح، و بلغت درجة مهمة في الطقوس و العبادات، و عمِل السّيّد المسيح على رفع مكانة المرأة و دافع عن أمّه و أحسن إليها كما دافع عن حقوق الأرامل و الخاطئات و ذلك بقوله: “من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أوّلاً بحجر” (إنجيل لوقا).

و أخيراً و في الفترة التي سبقت الإسلام عاد نظام تعدد الزوجات و تعرّضت البنات التي تعاني من عاهة أو مرض للوأد و كانت ممارسة وأد البنات قد وُجدت أيضاً في أجزاء أخرى من العالم (الأمازون، أفريقيا…)، إلّا أنّه مع قدوم الإسلام و ظهور التشريع المحمدي تمّ التخلص من عادة الوأد مع الإبقاء على تعدد الزوجات في النص القرآني.  

————————————————————————————————————————————-

الكاتب : هادي صبرا 

طالب ماجستير في  علم الآثار في الجامعة اللبنانية

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button