لا لأسلمة المسيحيين.. بل لأسلمة المسلمين
من عدل الله – عز وجل – أنه لا يعذب حتى يبعث رسولا، وما من أمة إلا خلا فيها نذير، ومن هؤلاء الرسل من قصّهم علينا ومنهم من لم يقصُص. ثم ختم الله – عز وجل – هؤلاء الرسل الكرام وأنبياءه الأخيار بأفضلهم، محمد – عليه وعليهم – الصلاة والسلام مما امتاز وتميّز به أفضلُ الخلق، وحبيبُ الحق أنه بُعث للناس جميعا، وأمره الله أن يبلّغ ما أنزله إليه، وقد فعل رسول الله – عليه الصلاة والسلام – ما أمره به الله – عز وجل – حتى أنه راسل ملوك وأمراء عصره المحيطين بجزيرة العرب، ثم قال لمن كانوا معه من الصحابة – رضي الله عنهم – في حجة الوداع: “بلّغوا عني ولو آية”، واستشهدَهم ثم أشهدَ الله عز وجل.
لقد بلّغ المسلمون الأولون دين الله – عز وجل – ودخل فيه كثيرٌ من الشعوب والأقوام لِما وجدوا فيه من مبادئ سامية، وقيم عالية، سواء في القرآن الكريم أو في سنة رسول الله – عليه الصلاة والسلام – أو في سيرة خير القرون…
ثم بدأ المسلمون يتخلون شيئا فشيئا عن دينهم، وبعد ما كانوا “خير أمة أخرجت للناس” صاروا إلى ما يراهم الناسُ عليه من انحطاط في جميع الميادين… وما قرأنا تصنيفا عالميا للدول إلا وجدنا أن الدول التي تحتل ذيل الترتيب محسوبة على الإسلام، ورجعنا على ما سماه الإمام الإبراهيمي: “جاهلية من غير أخلاق الجاهلية”.. بل إنَّ الإمام الآبلي – أستاذ ابن خلدون – في القرن الثامن الهجري قال عن تدهور أحوال المسلمين: “لولا انقطاع الوحي لنزل فينا أكثر مما نزل في بني إسرائيل، لأننا أتينا أكثر مما أتوا، وما ذلك إلا لغلبة الهوى، واندراس معالم التقوى”. (أبوراس الناصر: الحلل السندسية… ص 457).
وقد كتب الأستاذ نذير المصمودي رحمه الله كتابا عنوانه: “متى يدخل الإسلاميون إلى الإسلام”.
و”الإسلاميون” يُفترض فيهم أنهم أكثر التزاما بالإسلام في جميع مناحي الحياة، فإذا صورة كثير منهم “أسوأ” من أسوإ غير الإسلاميين، إلا من رحم الله، وقليل ما هم.
وتفاءلنا بما ذهب إليه الأستاذ مالك بن نبي في رسالته – وهي من آخر إنتاج في حياته – أعني “دور المسلم ورسالتُه في الثلث الأخير من القرن العشرين”، وهو أن المسلمين في هذا المدى الزماني عليهم أن يقدِّموا إلى الإنسانية ما هي أحوج إليه وهو الأخلاق، وانقضى الثلثُ الأخير من القرن العشرين وتبعه الربعُ الأول من القرن الواحد والعشرين و”دار لقمان” ليست على حالها؛ بل هي أسوأ، بل أكثر سوءا.
إن هذا الأكثر سوءا جعل “أمير المؤمنين” الحسن الثاني يقول لصحفيٍّ فرنسي إن الذي يزعجني هو “الرشوة الصغرى”، وذلك عندما قال الصحفي إن المغاربة يتكلَّمون عن كبار رجال الدولة بأنهم يأخذون الرشوة. (أنظر كتاب: ذاكرة ملك. ص 105).
وما قيل هنا يقال عن كل الدول “الإسلامية”. هذه الأوضاع الأسوأ في العالم هي التي دعت الأستاذ عز الدين بليق اللبناني إلى تأليف رسالة صغيرة عنوانها: “لا لأسلمة المسيحيين، بل لأسلمة المسلمين”، الذين يخادع أكثرُهم اللهَ، وما يخدعون إلا أنفسَهم.
المقال منقول عن صحيفة الشروق الجزائرية ورابطه هو التالي:
https://www.echoroukonline.com/%d9%84%d8%a7-%d9%84%d8%a3%d8%b3%d9%84%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%8a%d8%ad%d9%8a%d9%8a%d9%86-%d8%a8%d9%84-%d9%84%d8%a3%d8%b3%d9%84%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85%d9%8a