محمد محمود شحادة *
في منتصف العام الثالث من الحرب الروسية الأوكرانية، حذ~ر معهد دراسات الحرب في الولايات المتحدة الأمريكية من انه اذا توقفت اميركا عن تقديم الدعم لأوكرانيا فان ذلك سيمثل فرصة كبيرة للصين كي تهيمن على العالم، وبحسب التقرير فإن النصر الروسي لن يُمثّل نهاية أوكرانيا فحسب بل سينسبّب بإضعاف الولايات المتحدة الامريكية في أوروبا وبالتالي في العالم .
هذا التقرير ينحو منحى الدعم الذي يقوم به الرئيس الأمريكي جو بايدن لأوكرانيا، وفي حال تحقق نصر موسكو فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون مضطرة لإرسال المزيد من المساعدات العسكرية سيما أسطول كبير من طائرات الشبح الى أوروبا وبالتالي تقليل حجم قدراتها الدفاعية بمواجهة أي عدوان من الصين تجاه تايوان.
يقول الخبراء بأن الدعم العسكري لأوكرانيا هو أكثر فائدة وأقل كلفة على الولايات المتحدة الأمريكية من خسارة هذه الحرب التي دخلت عامها الثالث، وتعتبر السنة الثالثة بالنسبة لموسكو سنة الإستنزاف والإضعاف. لذلك ينصح التقرير الإدارة الأمركية بزيادة دعمها لأوكرانيا. ويقول : إنَّ الولايات المتحدة الأمريكية تتخذ موقفاً من هذه الحرب إنطلاقاً من إستراتيجيتها لعام ٢٠٢٤ التي تهدف للحفاظ على قيادتها للعالم و البقاء قوّةً عُظمى وحيدة، وهذه الإستراتيجية قائمة على اربعة ركائز أساسية:
– الركيزة الأولى: هي إحتواء الصين، وهذا ما يحصل نتيجة تشابك المصالح حالياً بين الدولة العُظمى (أميركا) والدولة الكبرى (الصين).
– الركيزة الثانية: هزيمة روسيا في أوكرانيا. فلا زالت أميركا تعتبر من خلال الدعم المقدم الى أوكرانيا أنَّ روسيا لن تنتصر.
– الركيزة الثالثة: إضعاف أوروبا، وهذا ما يحصل من خلال الحاق أوروبا بالسياسة الأمريكية وعدم أخذ مواقف مستقلّة في أوروبا لقضايا عديدة في العالم.
– الركيزة الرابعة: هي الدعم المطلق لإسرائيل، وللأسف فهذا ما يحصل من خلال حرب غزة واللحاق بأميركا من قبل كلّ دول الغرب و من يتبعها وذلك لترك إسرائيل تقوم بكل هذه المجازر في فلسطين.
ستعمل أميركا إذًا على زيادة مساعداتها لأوكرانيا وتُلزم معها الأوروبيين بتقديم الدعم، وهذا ما يدفع أوروبا إلى حدّ المزايدة على الموقف الأميركي ضد بوتين حتّى وصل الأمر بالرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون إلى القول إنَّه سيرسل قواته إلى أوكرانيا، كذلك الأمر بالنسبة للمستشار الألماني الذي يزايد بدعم إسرائيل ضد الفلسطينيين و أوكرانيا بمواجهة روسيا.
مع ذلك، ورغم كل الدعم الغربي لأوكرانيا، وتهديدات الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي يالهجوم المضاد الذي وعد به وقال أنه سينتصر في حربه القائمة مع روسيا، فإن زيلينسكي لم يستطع تغيير المعادلة، وهذا ما دفع الرئيس الأميركي إلى القول منذ أيام لنظيره الأوكراني إنّه بالسلاح الأمريكي المُقدَّم سوف يتمكّن الجيش الأوكراني من قصف بعض القوات العسكرية الروسية في الأراضي الروسية.
قد يعتبر بعض المتابعين أن هذا الكلام عابر و يأتي في سياق إدارة الحرب معنوياً و إعلامياً، إلا ان الواقع ليس كذلك، فالحقيقة انّ الحرب أمام منعطفٍ فعليّ، وهي مُرشَّة لأخذ شكلٍ جديد وأخطر ، ذلك أنّه مع الدعم الأميركي الذي سيؤدي الى قصف الداخل الروسي يمكن للأمور أن تتدحرج نحو حرب عالمية، ولكن هذا سيدفع الئيس الروسي إلى الاستشراس بالدفاع عن بلده، وقد سبق لبوتين أن هدد الناتو وقال: إن حربي مع الناتو، وإنّ أي جهة تلجأ لإستخدام الناتو في داخل موسكو سوف يكون الرد عليها شرساً.
وخلافًا لتوقّعات زيلينسكي، فإنّ الهجوم الذي قام به الرئيس الروسي ضد خاركيف وأدى إلى إحتلال أراضي جديدة من الأراضي الأوكرانية يثبت أن الروسي ما يزال سيّد الموقف.
الجيش الروسي وعلى الرغم من مرور ثلاثة سنوات من عمر الحرب الروسية الأوكرانية، ورغم أنه لم يستطع حسم المعركة حتى الآن، ومع تدهور بطيء بالقدرات العسكرية الروسية، إلا أنه حسب تحليل قائد القوات البرية في أوكرانيا كريستوفر كافولي وهو من قيادات حلف شمال الأطلسي في أوروبا فإنّه : لا يزال يتمتع بقوة كبيرة تتمثل بتوسيع انتشاره بالقطب الشمالي الذي هو محطة صراع مع كندا و أميركا رغم خسائره الكبيرة.
يقول بايدن إنّ الولايات المتحدة الأمريكية لن تتدخل بشكل مباشر بالحرب في أوكرانيا ولن ترسل قوات دعم أميركية للإنضمام للمعركة، لكن منذ أواخر أيار/مايو ٢٠٢٤ يسمح الرئيس الأميركي للجيش الأوكراني بالقصف داخل روسيا، وهذا يعني ان امريكا تتورط بشكل أعمق وأكثر خطورة بالحرب الأوكرانية الروسيةرغم عدم استبعاد بوتين استخدامَ السلاح النووي.
أميركا التي تريد هزيمة روسيا رغم أنها تريد أيضاً إضعاف أوروبا، تقول أنها على الأقل ستقوم بتقليص قوة روسيا الى الحد الأدنى إذا لم تهزم، ولكن الأهداف الاستراتيجية الخاصة لأميركا في هذه الحرب ربما تريد أن تجعل من روسيا قوة غير قادرة على تهديد أي حليف أوروبي في المستقبل من خلال اعادة النمسا وفلندا والسويد الى الحلف الأطلسي بعدما كانو على الحياد بعد الحرب العالمية الثانية.
طبعًا وضع روسيا ليس مثاليًّا، فرغم توقّعات كثير من المحللين وكل المتعاطفين مع بوتين بأن المعركة التي فتحت في شباط ٢٠٢٢ ستحسم من قبل الجيش الروسي بضربة خاطفة قاضية، لكنها في الواقع ما زالت مستمرة في عامها الثالث ولا زالت الأمور مفتوحة على سيناريوهات عديدة.
إحدى هذه السيناريوهات أن يكون هناك امتداد للمعركة الحاصلة حالياً، بأن يبقى. ستاتيكو ( اي جمود الأمر على نحوها الراهن) وتستمر الحرب على الشكل الحالي ولكن ليس لأجلٍ غير مسمى و بإنتظار مبادرة من قبل طرف ثالثا مثل الصين التي دعت أكثر من مرة الى مفاوضات وبوتين على دراية بهذا الموضوع، الدخول بالمفاوضات يعني الوصول الى إتفاق معين، يتم الإتفاق من خلاله مع أوكرانيا ومن خلفها مركز القرار الأساسي واشنطن ومعه بروكسل والإتحاد الأوروبي.
السيناريو الآخر وهو تعب الأوروبيي وسيصبح بحالة الويل بسبب الغلاء وتكلفة الحياة وارتفاع سعر الغاز، وقد يتزامن ذلك مع نجاح دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، وهو قال مرارًا إنّه سوف يوقف الحرب فور توليه الرئاسة، وبالتالي سيتراجع الدعم لاوكرانيا. ومن الملفت ذكره ايضا انّه حتى بايدن كلما قرر ارسال رزمة مساعدات لاوكرانيا، يواجه مشاكل بالكونغرس الذي لا يوافق بسهولة.
أما السينارو الثالث والذي يتبع عمليًّا السيناريو الثاني، فمفادُه إنّه اذا لم تقف الحرب وبقي الدعم لإسرائيل وذهبت الأمور باتجاه نصر لروسيا، فهذا الموضوع سيؤدي الى ضعف الموقف الأمريكي في العالم وفي اوروبا وسيؤدي نوعاً ما الى إنتصار للصين التي ستذهب باتجاه تحالف فعلي وأعمق مع الروسي، وهذا سيدفع حتمًا نحو نظام دولي جديد مبني على التعديديةو كسر الهيمنة الأمريكية في العالم.
الكاتب: باحث جامعي بصدد إنهاء دكتوراه بالعلوم السياسية والعلاقات الدوليّة
سامي كليب: كتب عالِم النفس الشهير سيغموند فرويد منذ عقودٍ طويلة : " إن الإنسانَ…
Le système métrique et le pied du roi ! Nadine Sayegh-Paris Combien de mesures, de…
Et si le cœur n’était pas vraiment un cœur ! Nadine Sayegh-Paris Comme tout le monde…
ديانا غرز الدين سؤال غريب ، من يصنع من؟ هل الواقع يصنعنا ام نحن نصنعه؟…
روزيت الفار-عمّان أنطونيو غرامشي الذي تأثر به كثيرون ومنهم المفكّر إدوارد سعيد؟ كيف يمكننا إسقاط…
حيدر حيدورة-الجزائر في ظل ازمة حادة تعرفها العلاقات الجزائرية الفرنسية لم تشهدها منذ الاستقلال حتى…