وزير الشؤون الأوروبية البرتغالي: القيم الغربية سقطت، والحرب العالمية محتملة
وزير خارجية اسبانيا السابق: القيم الغربية سقطت، والحرب العالمية محتملة
Bruno Maçaes : وزير الشؤون الأوربية سابقًا وإعلامي برتغالي
مجلة :نيو ستيتسمان
ترجمة : فاطمة قويعة-مدريد
خلال عشاء خاص قبل بضعة أشهر، شرح وزير أوروبي ما سيحدث إذا فاز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر وتوقف عن دعم أوكرانيا. إلا إذا تدخلت الدول الكبرى في أوروبا وعوضت جهود واشنطن – وهو ما يبدو غير محتمل – فإن بلاده، العضو في الناتو ( حلف شمال الأطلسي) ، لن يكون لديها خيار سوى القتال إلى جانب أوكرانيا – على الأراضي الأوكرانية. ويتساءل الوزير : لماذا يجب على بلاده أن تنتظر هزيمة أوكرانيا، وما سيتبعها من تجنيد إجباري للأمة المحتلة لزيادة صفوف الجيش الروسي المستعد لبدء مغامرات جديدة؟
على المائدة، شعر بعض الحضور بالاطمئنان لأن الجميع في أوروبا ليسوا مستعدين للتضحية بأوكرانيا. آخرون أعربوا عن خوفهم من أن يؤدي هذا التضامن إلى جر القارة بأكملها إلى الحرب. ولكن هذا بالضبط ما كان يريد الوزير التأكيد عليه وهو طرح السؤال التالي: هل لدينا الحق في القول إن الحرب لا تعنينا؟ ربما يكون جميع الأوروبيين، سواء كانوا واعين بذلك أم لا، قد عُبئوا بالفعل في صراع أوسع بكثير مما بدا قبل عامين.
قامت روسيا وأوكرانيا ببناء تحصينات هائلة على طول خط الجبهة في دونباس، وهما تستعدان لحرب طويلة. جيرانهم أيضًا يستعدون. في كانون الثاني/ يناير الماضي ، وافقت ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا على خطة لإنشاء خط دفاعي مشترك على طول حدودها مع روسيا وبيلاروسيا، وهو مشروع مستوحىً من أنظمة الدفاع الفعالة جدًا التي تم نشرها في أوكرانيا.
اليوم، القوى التي تغذي الصراع أقوى من تلك التي تميل إلى العودة إلى النظام. ربما لهذا السبب تستمر العديد من الحروب بلا حلول. بالطبع، نُغفل عنها أحيانًا بعض تلك الحروب المستمرّة، مثل سوريا أو اليمن، وذلك بسبب طابعها المتكرر،أي تكرار الرعب اليومي على نطاق ثابت تقريبًا. يأمل البعض في أن تهرب أوكرانيا والشرق الأوسط بشكل عام من هذا المصير. يخشى آخرون أن تؤدي هذه الصراعات إلى مواجهات أكثر انتشارًا.
في 19 نيسان/أبريل، أي في اليوم التالي للرد المحدود لإسرائيل ضد إيران، كان هناك شعور بالارتياح، لأن كل شيء كان يشير إلى أن حربًا شاملة بين الدولتين قد تم تجنبها. إلا إذا كانت قد بدأت بالفعل؟ كانت الضربة المذهلة التي شنتها إيران في 13 نيسان/ أبريل، بصواريخ وطائرات بدون طيار، غير ممكنة التوقّع قبل أسبوعين فقط. لكن ضبط النفس الذي أبدته إسرائيل وإيران في تلك المناسبة قد يكون فقط علامة على أن كلاهما يستعد بحذر لصراع طويل وأنَّه سيكون هناك تبادل آخر للنيران. في هذا العصر الجديد من الخطر، قد لا تكون هناك بداية واضحة ولا نهاية للصراعات.
نحن نرى اليوم أن الدمار يتوسّع من المحيط نحو مركز السلطة في النظام العالمي، وتختفي الفروقات بين المركز والأطراف.فلو عدنا إلى أوكرانيا، سنجد أنّ لهذا الصراع أهمية تاريخية، لأنه مثل اللحظة التي تم فيها تجريد الديمقراطيات الغربية من دورها كـ”شرطي” العالم، او من دور الوسيط، لتصبح أطرافًا فاعلة نشطة. حتى حا حصل في العراق وأفغانستان كان يُعتبر الى حدٍ ما، عمليات شرطة ضد الإرهاب أكثر منها حروب تقليدية. لكن بداية الغزو الشامل لأوكرانيا، من قبل فلاديمير بوتين، اتسمت الأحداث في أوكرانيا بطابع جديد وخطير، ليس لأنها كانت أول صراع كبير في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية – لم يكن الأمر كذلك – ولكن لأن العديد من القوى العظمى كانت متورطة لدرجة أنه لم يبق أحد لمنع تفاقم الصراع.
ماذا لو استمرت الحرب في أوكرانيا لعشر سنوات؟ هل الولايات المتحدة متورطة مباشرة في الحرب في أوكرانيا؟ أخشى ذلك. لقد تورطت مباشرة منذ أن قرر بوتين استخدام ترسانته النووية كوسيلة للابتزاز لتقليل الدعم الغربي لكييف. ربما كان من الممكن تبني سياسة مختلفة، ولكن حكومة بايدن خلصت بسرعة إلى أن انهيار الخطوط الروسية قد يدفع الكرملين إلى استخدام سلاح نووي في أوكرانيا، مما يعرض أمن المواطنين الأمريكيين للخطر.
الجنوب العالمي
غالبًا ما تعود الصحافة الدولية إلى مصطلح “الجنوب العالمي”، الذي يعني كل ما ليس الغرب. لأنه، كما تلاحظ مجلة فورين أفيرز، لا يوجد تعريف دقيق له، على الرغم من أن هذا المصطلح يُستخدم عادةً للإشارة إلى معظم دول إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. ومع ذلك، تلاحظ فورين أفيرز أن هذا المزيج غير المتجانس، الذي يمتد من البرازيل إلى سيراليون، يجمع بين دول تشترك في “بعض التجارب التاريخية المشتركة والأهداف المستقبلية، مثل تغيير توازن القوى في النظام الدولي”. في الواقع، ناضلت معظم هذه الدول ضد الاستعمار، الذي عانته، وكانت أعضاء في حركة عدم الانحياز خلال الحرب الباردة. ولكن هل هذه التجربة المشتركة تخلق وحدة؟ تتساءل المجلة المتخصصة في التحليلات الدولية، التي ترى في هذا المزيج المتنوع “تقاربًا بين الدول المُحبَطة من نظام دولي يعارض مصالحها كثيرًا”. في الواقع، هذا الاستياء لا يخلق وحدة سياسية متماسكة، وفقًا لمجلة نيكي آسيا، التي تؤكد أن “الجنوب العالمي ليس بأي حال من الأحوال كتلة متجانسة، مما يجعل النظام الدولي أكثر هشاشة وأكثر عدم يقين”. إلى جانب “الجنوب العالمي”، ثمة مصطلح آخر أصبح مُتداوَلاً : “الغرب ضد الآخرين”. بالنسبة لواشنطن بوست، فإنه يعبر عن “الهوة الجيوسياسية” التي تفاقمت بين الغرب وبقية العالم، هذا “البقية” التي تبدو أقل رغبة في الالتزام برؤية الغرب للنظام الدولي.
ويبدو أن الحرب التي تخوضها إسرائيل في غزة تعمق هذه الهوة، وفقًا لمجلة تايم. “لقد فقدنا بالتأكيد المعركة في دول الجنوب… انسَ القواعد، انسَ النظام العالمي. لن يستمعوا إلينا بعد الآن”، هكذا تُحذر المجلة الأمريكية.
الواقع أنّ جو بايدن وكبار مستشاريه مقتنعون بوجود خطر تصعيد نووي. هذا الخطر يثقل عليهم حساباتهم، بما في ذلك حساب مدى إمكانية توفير تكنولوجيا عسكرية متقدمة لأوكرانيا. الأسلحة النووية أصبحت الآن هجومية بدلاً من دفاعية. جعلت هذه الأسلحة النصر الأوكراني، الذي كان يُعتبر ممكنًا في وقت ما، احتمالاً أكثر بُعدًا.
روسيا مرتاحة اقتصاديّا
لم ينهر الاقتصاد الروسي تحت وطأة العقوبات كما تنبأ بايدن بعد أيام من بداية الغزو، بل إنَّه يُظهر مُعدّلات نموّ أفضل من ألمانيا أو بريطانيا منذ عام 2022. وهذا خلافًا لما توقّع على مدى حوالي عشر سنوات، العديد من المعلّقين بشإن إعادة توزيع القوة الاقتصادية لصالح عمالقة آسيا مثل الصين والهند. فقد استغل بوتين هذه التطورات لفصل الاقتصاد الروسي عن الغرب.
وفقًا لنيكي آسيا: “مركز الثقل في العالم ينتقل من الشمال إلى ما يُسمى الجنوب العالمي”. على سبيل المثال، قد يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للهند نظيره في اليابان بحلول عام 2026، ويمثل تحالف “الاقتصادات الناشئة خارج الصين” المسمى “مجموعة الـ77” 60٪ من سكان العالم، وأخيرًا، تمثل النفقات العسكرية لمجموعة السبع الآن 50٪ فقط من الإجمالي العالمي، مقارنة بـ70٪ في التسعينيات. ومع ذلك، يكافح نموذج مضاد متماسك للظهور، بخلاف بعض الانتقادات للقيم الغربية التي يُنظر إليها على أنها تقدمية، كما يظهر في التحول اليميني المتطرف الذي اتخذته روسيا تحت حكم بوتين، والذي روته مجلة واشنطن بوست في تقرير طويل رائع نُشر في 6أيار/ مايو، والتصويت على قوانين مناهضة للمثلية في غانا وأوغندا.
“الجنوب العالمي” ليس متجانسًا:
أكدت نيكي آسيا. في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، على سبيل المثال، أنّ 24 دولة فقط جضرت قمة “طريق الحرير الجديدة” التي نظمتها الصين، مقارنة بـ37 في العام 2019. كان الغائبون يحتجون على تعميق العلاقات بين بكين وموسكو. لأن، كما يقول عالم السياسة البرازيلي ماتياس سبيكتور، فإنَّ دول الجنوب العالمي لا تسعى “فقط إلى التحالف بانتهازية مع الأنظمة الاستبدادية ضد الديمقراطيات، وهذا خطاب يُسمع كثيرًا في الغرب”. تُريد هذه الدول عالماً “تكون فيه جميع القوى خاضعة للقانون الدولي بالطريقة عينها”. وفي هذا السياق بالضبط، سيكون من المفيد للولايات المتحدة وأوروبا الرد بشكل أكثر إيجابية على اتهامات النفاق أو المعايير المزدوجة، بغية استعادة سمعتها.
النفط استمر في التدفق بكميات كبيرة
وهذا يغذي آلة الحرب الروسية. يُقال أحيانًا إنَّ أوروبا لم تعد تعتمد على النفط الروسي لأنها توقفت عن شرائه. في الواقع، لا تزال تعتمد على بيع الإمدادات الروسية – حتى لو لم تكن موجهة إلى أوروبا – لضمان بقاء أسعار الطاقة منخفضة على مستوى العالم. قبل عشرين عامًا، عندما كانت روسيا عرضة لأزمات الديون والذعر المصرفي الكارثي، لم يكن بوتين يجرؤ على غزو أوكرانيا.
فجأة، انتهت جميع القواعد والقيم العالمية، واستُبدلت بحماسة صراع “نحن” ضد “هم”. أصبح هذا التغيير في النهج أكثر وضوحًا مع الحرب في غزة. صحيح أن الولايات المتحدة ولمّا كانت تحاول أن تكون وسيطًا بين الإسرائيليين والفلسطينيين، كانت تنحاز أكثر إلى إسرائيل، لكن ما حدث منذ 7 أكتوبر كان مختلفًا نوعيًا.
راينا الفلسطينيين يبحثون عن جثث في مجمع مستشفى الشفاء في غزة عبر استخدام جرافة تنبش الأرض. في ذلك اليوم، تم استخراج 49 جثة من مقبرة جماعية اكتشفت في المكان، وفقًا لحماس.
قال لي الأمير تركي الفيصل، الرئيس السابق للاستخبارات السعودية، في مقابلة في الرياض في آذار/مارس، “لقد فقدنا الشعور بالتوازن”. تشعر واشنطن بأنَّها تخوض حربًا إلى جانب إسرائيل وكما هو الحال دائمًا في زمن الحرب، تُصبح الحقيقة الضحية الأولى. يتم التحكم في المعلومات بعناية، وغالبًا ما يُذكرني المتحدثون الرسميون في واشنطن بـ”بغداد بوب”، المتحدث باسم العراق خلال حرب العراق في عام 2003. ففي 2 نيسان/أبريل، أكد جون كيربي، عضو مجلس الأمن القومي المسؤول عن الاتصال الاستراتيجي، بنبرة غريبة أن القوات الإسرائيلية لم ترتكب أي انتهاكات للقانون الدولي منذ أكتوبر.
أميركا تفقد دورها
تبقى القوة الأمريكية استثنائية، لكنها لم تعد تمتلك الموارد الاقتصادية والروحية اللازمة لتجسيد فكرة النظام العالمي. كلُّ يوم، يُظهر ممثلوها أنَّهم غيرُ قادرين على فهم وجهات النظر المختلفة. وكما تُظهر الأصوات في الأمم المتحدة بشأن وقف إطلاق النار الفوري في غزة، يتم الطعن بشكل متزايد في رؤية واشنطن من قبل أغلبية ساحقة من الدول.
عندما يتفكك النظام، فإن ذلك يحدث بسرعة وبشكل كامل. في بعض الدول الغربية، حتى مجرد أخذ وجهات النظر المعارضة بعين الاعتبار يُعتبر اليوم خيانة. يتم تناول القضايا المعقدة بأبسط طريقة ممكنة، ويتم تقديم العدو كقوة شريرة وكوكبية. هل للفلسطينيين حقوق؟ هل هم موجودون حتى كشعب؟ لا، إنهم أدوات لإيران، لبوتين، لشي جين بينغ. هكذا يُقال.
الدفاع اليوم عن الفلسطينيين يعني المخاطرة. سيُجبر الجهد الفكري لرؤية الفلسطينيين كبشر لديهم حقوق، العديد من الدول الغربية على مراجعة الكثير في نهجها. لذلك، يتم إخفاؤهم. نرى ذلك في حظر المظاهرات والأصوات المؤيدة للفلسطينيين في المؤتمرات، كما هو الحال بشكل متزايد في ألمانيا. وأمّا في الولايات المتحدة، ولكي تحظى حرب غزة بأي اهتمام، يجب أن تتحول إلى حلقة من الحروب الثقافية في الحرم الجامعي الأمريكي.
في الوقت الذي أكتب فيه هذه السطور، تكتشف فرق الإنقاذ الفلسطينية مقابر جماعية في مستشفيات الشفاء ومستشفى ناصر في غزة. يبدو أن الأدلة المصورة لا تقبل الجدل، ولكنها لم تُثر أيَّ اهتمام يذكر في وسائل الإعلام الغربية.
الغرب ليس الوحيد الذي يفرض رؤيته للعالم على بقية العالم. ففي بكين، فعلت السلطات الشيء نفسه في بداية الحرب في أوكرانيا من خلال تصوير مقاومة كييف على أنّها مؤامرة أمريكية. اختارت الهند عدم الانخراط، لكن تعاطفها واضح مع الأقوى، سواء في حالة روسيا أو إسرائيل. في غضون ذلك، على مدى السنوات العشر الماضية، أعادت إيران خلط الديمغرافيا في سوريا عن طريق زرع الشيعة فيها بغية تعزيز نفوذها. فر السكان السنة السابقون من القتال ولم يُسمح لهم بالعودة إلى ديارهم.
غالبًا ما يُعتقد أن الحروب تُخاض لإعادة النظام، حيث يحمل الطرفان فكرة معارضة لما يعنيه النظام. لكن حين نرى في السودان، النزاع مُستمرًّا بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع (RSF) نفهم أن ما يُقال أوهامًا. لقد تأسست قوات الدعم السريع في دارفور في عام 2013، ثم تحولت إلى نوع من شركات الأمن الخاصة المنتشرة في حرب اليمن، بتمويل من السعودية والإماراتية.
لا تخضع الميليشيات الخاصة لأي دولة، وغالبًا ما تكون أهدافها غامضة عن عمد. مثلما يجب على الشركة أن تزيد إيراداتها وأرباحها، تسعى الميليشيا الخاصة إلى تعظيم مكاسبها. وغالبًا ما تقاس المكاسب بالجثث والقرى المحترقة. عندما تنتهي الحرب، من الصعب جدًا تسريح الجنود، كما كان الحال في اليمن. وبدلاً من ذلك، يجب العثور على ساحات قتال جديدة.
كما قال الأكاديمي السوداني مجدي الجزولي، في سلسلة من البلدان التي تمتد من سوريا واليمن إلى العراق وأفغانستان، أصبحت الميليشيات الوسيلة الأكثر فعالية للسيطرة. بفضلها، تظل المجتمعات تعمل في نظام سوق حيث يصبح العمل المسلح للمراهق هو المنتج الأكثر سهولة. يعتقد الجزولي أن هذا الاتجاه محكوم عليه بالتصدير في المستقبل. فهل يمكن أن يكون عالميًا؟
هل نحن أمام حرب عالمية بالفعل؟ في خطاب ألقاه أمام الكونجرس الأمريكي في 11 أبريل، تحدث رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا عن المشهد الأمني العالمي، الذي يعتبره واحدًا فقال : “قد تكون أوكرانيا اليوم شرقًا آسيويًّا غدًا.” نحن في عصر العولمة الحتمية للصراعات: سيبحث كل طرف عن شركاء وحلفاء حيثما أمكن، خاصة عندما تصبح الحرب حقيقة. إنَّ المشهد الأمني الحالي يذكر بالديناميكيات التي أدت إلى الحربين العالميتين في القرن العشرين. ربما تكون الحرب العالمية مجرد حرب لا أحد يقف فوقها. بهذا المعنى، ربما نعيش بالفعل حربًا عالمية.
ما عادت الحدود ثابتة، فعندما تذهب اليوم إلى شرق آسيا، قد تشعر أحيانًا بأنك تعود إلى زمن ماضٍ، يقال إن النزاع العسكري غير وارد لأن طاقة المجتمع تركز بقوة على التنمية التكنولوجية والاقتصادية. هذه خدعة. ففي العام 2023، انتهت إقامتي في تايوان، وكان ذلك في يوم العيد الوطني للجزيرة، وعدت مقتنعًا أنه، إذا لم تكن الحرب وشيكة، فإن أسس صراع مستقبلي قد وُضعت. الاتفاق الهش الذي تم التوصل إليه بين ماو تسي تونغ وريتشارد نيكسون قبل نصف قرن لم يعد قائمًا. الصين لم تعد تقبل بالوضع الراهن، الذي يفضله غالبية التايوانيين، وهذا لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، والولايات المتحدة مقتنعة بأن إعادة التوحيد السلمي مع القارة لن تكون مقبولة الآن، لأن الصين أصبحت منافسًا جديًا.
في ديسمبر الماضي، كتبت أن اللحظة التي تعيشها تايوان اليوم يمكن مقارنتها بعام 2004 في أوكرانيا، عام “الثورة البرتقالية”، بعد عشر سنوات من الغزو الروسي الأول وقبل ما يقرب من عشرين عامًا من بداية أكبر حرب حالية. اعتقد أنَّ كيشيدا ليس مخطئًا.
في النهاية، فإنَّ العولمة الحتمية للصراعات تعني أنَّ المبدأ الوحيد الذي يوجد هو مبدأ الصراع نفسه، ولا يمكن لأي نقطة ساخنة فردية أن تجد حلاً باللجوء إلى مفاهيم النظام. مراكز الفكر وشركات الاستشارات، التي تحب النقاش حول المخاطر والتهديدات، توحي بأن العالم على حافة الهاوية. نحن في عصر الخطر. مفاهيم قد تكون مبالغ فيها بعض الشيء. لأنه من يقول خطر يقول مستقبل. نحن نعيش بالفعل على الأطلال.
رابط المقال:
https://bit.ly/4aFZpL3