إيلان بابيه: غزّة أهم من قطاع وأكبر من كارثة انسانيّة
إيلان بابيه: غزّة أهم من قطاع وأكبر من كارثة انسانية
روزيت الفار-عمّان
يقول الكاتب والمؤرخ الشهير إيلان بابيه صاحب الضمير الحيّ في الدفاع عن الحقّ الفلسطينيّ، إنّ كلمة “قطاع” لم تكن مستخدمة أو معروفة قبل عام 1948، بل إنّها تعبير ُاخترعه الإسرائيلي وهو مرتبطٌ بخططه التّهجيريّة للفلسطينيّين.
ويروي أنَّ غزّة كانت تقع على الطّريق البحري الممتد بين الإسكندريّة بمصر إلى لواء الاسكندرونة في تركيّا وتشكّل بالتّالي الطّريق البحري الرّئيسي؛ ممّا جعلها ممرّاً يعبر منه العديد من الأشخاص القادمين من مختلف الدّول، تاركين خلفهم أثراً مكّنها من أن تصبح إحدى أهمّ المدن العالميّة ذات التناغم السكّاني والعرقي والديني، كان ذلك كلّه قبل العام 1948.
كانت المدينة تتمتّع آنذاك بنظام تعايش مثالي ممتاز يجمع الطّوائف والمجتمعات الدّينيّة الثّلاث من مسيحيّين ومسلمين ويهود. ويقول “بابيه” بأنّ أحد أصدقائه وجد مؤخّراً إعلاناً كان قد تمَّ توقيعه في عام 1905 من قبل رؤساء تلك الطّوائف؛ يعربون فيه عن مدى سعادتهم بذلك النّموذج التّعايشي السّلمي والّذي سمح للجميع بتجاوز قضايا الاحتكاك والخلاف والصّراع الّذي يحدث عادة بين المجموعات المختلفة.
قامت إسرائيل بخلق هذا المسمّى، “قطاع”، بعد أن أغلقت مصر حدودها ورفضت استقبال أيٍّ من الفلسطينيّين الّذين تمّ ترحيلهم بالقوّة من وطنهم في حرب إسرائيل عام 1948، خلافاً لما قامت به الدّول المجاورة الأخرى، وهي لبنان وسوريا والأردن؛ حيث تمّ استقبال مئات الآلاف من هؤلاء المُبعدين. أرادت إسرائيل من خلال زعيمها ومجرم الحرب ومهندس التّطهير العرقي (كما وصفه بابيه) والّذي يحمل أحد شوارع باريس الرّئيسيّة -ويا للعار- إسمه، “ديفيد بن غوريون” تخصيص 2% من أراضي فلسطين التّاريخيّة كي تدفع بهذه الفئة من المهجّرين للإقامة في ما أراد جعله “أكبر مخيّم للّاجئين على الكرة الأرضيّة”.
وهكذا تمّ خلق ما يسمّى “بقطاع غزّة” حيث صُمّم بطريقة هندسية على شكل مستطيل استوعب الفلسطينيّين الّذين هُجِّروا من مناطق الوسط والشمال والّذين منعت مصر دخولهم إليها.
كانت آخر مجموعة من الفلسطينيّين الّذين تمّ دفعهم لداخل القطاع هي من سكّان القرى الإحدى عشر (11) الّتي تمّ بناء المستوطنات اليهوديّة على أنقاضها بعد قتل وتهجير سكّانها الأصليّين، وهي المستوطنات الّتي تمَّ اقتحامها في السّابع من أكتوبر من قِبَل فصائل المقاومة الفلسطينيّة. بمعنى أنّ المقاومة هاجمت المستوطنات الّتي تمّ بناؤها على أنقاض آخر القرى الإحدى عشر الّتي دمّرتها إسرائيل وهجّرت وقتلت أصحابها.
في الأرشيف الإسرائيلي هناك ما يسمّى ب”الأمر رقم 40″ “Order Number 40” وبموجب هذا الأمر الصّادر بتاريخ 25 نوفمبر للعام 1948 الّذي أصدره جهاز القيادة المركزيّ الإسرائيليّ إلى قائد منطقة غزّة والّذي يحمل اسم ال11 قرية ويأمر باحتلالها جاء فيه: “اطردوا جميع من فيها إلى غزّة”. “إحرقوا البيوت” حيث كان بعضها قد بني بمواد قابلة للاشتعال وقش. “وقوموا بتفجير البيوت المبنيّة من الحجر”.
وهكذا، فإنّ هذا الجيل من سكّان غزّة؛ هم أبناء وأحفاد مَن كانوا أصحاب تلك القرى، عاشوا ويعيشون يوميّاً وبشكل مباشر أو غير مباشر قسوة نكبة العام 1948 وتبعاتها المأساويّة. فهم قاموا بهجومهم ليس فقط كرمة لعين يافا وبئر السّبع وغيرها من بقيّة مدن فلسطين المحتلّة، بل لسبب مباشر وأكثر ألماً؛ وهو رؤيتهم المستمرّة وعلى الجانب الآخر من الجدار، المستوطنات اليهوديّة الّتي أقيمت على أنقاض بيوت الآباء والأجداد.
ومن المعروف عن “إيلان بابيه” صديق نعوم تشومسكي، مناهضته للصّهيونيّة ودفاعه عن الفلسطينيّين ونصرة قضيّتهم.
من أقواله:
- “قضيّة فلسطين هي القضيّة الأهم ويجب أن تبقى الأهم”
- “إنّها قضيّة أخلاق وعدالة وإنسانية”
- “إنّه ليس احتلالاً بل استعماراً، لكون الاحتلال حالة مؤقّته وتزول بزواله”
It is not an occupation. Occupation is temporary. It is in fact Colonization.
The solution of occupation is the end of occupation.
وصف العمل المقاوم بالعمل النّضالي والضّروري لاستعادة الحق.
من أهم مؤلّفاته
- “السّجن الأكبر على الأرض.”
- 10 خرافات عن إسرائيل.
- التّطهير العرقي لفلسطين.
- تاريخ فلسطين الحديث.
- فلسطين المعاصرة.
- فكرة إسرائيل.
وكتب عدّة كتب غيرها.
يُذكر أنّ أحد دور النّشر الفرنسيّة (Fayard) قد سحبت مؤخّرًا كتابه حول “التّطهير العرقي للشّعب الفلسطيني” بعد 7 أكتوبر، والّذي يوضّح فيه أنَّ ما تقوم به إسرائيل منذ 1948 ينطبق حرفيّاً على مكوّنات التّطهير العرقي على الفلسطينيّين وبأنَّه جريمة ضدّ الإنسانيّة يجب أن يُنظر إلىى مرتكبيها كمجرمي حرب يجب محاكمتهم أمام هيئات قضائيّة خاصّة.