ثقافة ومنوعات

ماذا يعني أن تفقد وطنَك؟ سألت الروائية الشهيرة

قراءة في كتاب “موطن الالم” ،

ديانا غرز الدين

عن وطن منسيّ لم يبق منه سوى اسمه.

تعني الحرب خسائر فادحة للعديد من الناس، لكنها في الوقت نفسه تكون سببا للانسلاخ عن حياة قديمة و الشروع بأخرى من نقطة الصفر. و في كل الاحوال، تغير الحرب من مصائر الناس بصورة تامة . يكبر فيهم الشعور بالتمزق الداخلي و الغضب و الرفض المكبوت . فهم يشعرون بانهم انتهكوا بطريقة او باخرى، اذ حرموا من الوطن الذي ولدوا فيه، و من حقهم في الحياة العادية . و حرموا من لغتهم ، و من حقهم في التذكر. عانوا الاذلال و الخوف و العجز . لكنهم ما يزالون يملكون ماضيهم المشترك. لكن ماذا لو اختفى الوطن؟ كما اختفت يوغوسلافيا عن الخريطة و لم يعد لها وجود ؟

اختفاء الوطن يولد الشعور بوجوب محو الحياة التي عاشوها، و وجوب محو ذاكرتهم الجماعية ، لغتهم الام ، و نسيان الحياة في بلدهم حيث يصبح الحنين الى وطنهم السابق الذي لم يعد له وجود ، و تذكر الحياة فيه ، يصبح له اسم آخر هو الالم.

كيف يمكن لشعب مكبوت الذاكرة و يعاني من متلازمة الطرف المقطوع ، و يعاني الفصام العام و المنفى  ، كيف يمكنه ان يتعامل مع ماضيه ان لم يتصالح معه اولا ؟ و كيف يمكنه التصالح و قد تصدع كل شيء و تقطع اربا، و انقسم المكان و الزمان الى’ ما قبل ‘و ‘ما بعد’ ، و حياتهم انقسمت الى ‘هنا’ و ‘هناك’ .

” في المنفى، عند رحيلك عن بلدك الام فانك لا تغير فقط مكانك، بل تغير ايضا زمنك الداخلي ، فالزمن في وطنك يمضي بسرعة تفوق سرعة زمنك الداخلي . فانت ما زلت عالقا في اطار زمنك الغابر…  حيث ان مواجهتك للماضي القريب يعتبر عذابا تاما، و محاولة التحقق من المستقبل المجهول مقلقة. هنا تبرز بعض الاسئلة الاساسية التي قد تجعلك تتردد، مثلا اين ولدت؟ في يوغوسلافيا ؟ في يوغوسلافيا السابقة ؟ في كرواتيا؟ صربيا؟ ”

” كنت مدركة لسخافة  الموقف الذي وضعت فيه. اذ كان علي ان أدرّس في الجامعة في أمستردام هولندا ( بلد اللجوء) طلابي موضوعا لم يعد له وجود من الناحية الرسمية . فما كان يسمى بتخصص الادب اليوغوسلافي سابقا، و الذي ضم الآداب السلوفينية و الكرواتية و البوسنية و المقدونية و أدب الجبل الاسود، اختفى مع اختفاء بلده الام “.

 لم يعد له وجود بكل بساطة ..

“حتى اللغة، كان الضغط من اجل تغييرها هائلا ، تأقلم البعض مع اللغة الجديدة بينما اجفل اخرون في رعب”

هذا ما تقوله الكاتبة الكرواتية (اليوغوسلافيّة سابقا) دوبرافكا اوغاريشت في كتابها “موطن الالم” عن معاناة فقدان وطن و فقدان انتماء و ضياع هوية ، و توضح مشاعر و افكار لا يختبرها الا اللاجئون.

  دوبرافكا التي توفيت منذ اشهر قليلة ( اذار٢٠٢٣) عن عمر ٧٤ عاما ، هي مترجمة و روائية و استاذة جامعية في جامعة زغرب استقرت في أمستردام هولندا بعد اشتعال الحرب بين كرواتيا و صربيا.

lo3bat elomam

Recent Posts

غيمةَ العطر..اسكبيها

مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…

4 days ago

Et si le maquillage n’était pas seulement une affaire de femmes !

Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…

5 days ago

هآرتس: لم نحقق شيئًا، ولم نهزم أحدًا، واقتصادُنا منهار وشبابُنا يهاجرون

ترجمة عن صحيفة هآرتس  لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…

5 days ago

ملتقى أبو ظبي: وهم الاستقرار في عالم مضطرب ولكن….

 ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…

6 days ago

Quand changer l’heure devient une affaire d’état !

Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…

2 weeks ago

ماذا سيفعل ترامب في فلسطين واوكرانيا

  Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…

2 weeks ago